منظَّمات المرأة في سوريا.. هل هي قادرة حقّاً على تحريرها؟
رسم تعبيري/ انترنت

ليلى خليل/ suwar-magazine- تعتبر قضايا المرأة في سوريا من القضايا الملحّة التي تحتاج إلى جهدٍ كبير لإحداث تغييرٍ في واقع النساء وحياتهن وخاصة بعد الحرب، إذ غالباً ما تتميّز فترات الحروب باستغلال النساء، وتعرضهنَّ للعنف والاغتصاب، عدا عن آثار الحرب وما خلّفَتْه من خسائر لتلك النسوة على الصعيدين المادّي والنفسي.  بعد بدء الصراع في سوريا بدأت تتشكل منظمات تعنى بهذا الجانب، تختلف أهداف هذه المنظمات وطبيعة عملها، إلا أنها جميعاً تصبّ في هدف عام وهو تحرير النساء من العادات المجتمعية والقوانين السائدة وأحكام الدين، وتمكينهنّ في مجالات متعددة ليصبحن قادرات على الاعتماد على أنفسهنّ، والعيش باستقلال، وتجاوز آثار الحرب عليهنّ.

في الوقت الحالي لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد منظَّمات حقوق المرأة في سوريا، بسبب كثرتها وعمل بعضها في الخفاء، ودون ترخيص في حال كانت غير حكومية، إلا أنّ أعداد هذه المنظَّمات في تزايد دائم، خاصة في السنوات الأخيرة. والسؤال يبقى هل تحقِّق هذه المنظَّمات أهدافها على الأرض، هل نشهد تغييراً حقيقياً في وضع النساء في الداخل السوري؟

تمكين النساء غير كافٍ:

ميسون التي عملت سابقاً في منظَّمة لدعم المرأة وتمكين النساء تقول واصفةً تجربتها: “العمل في المنظمات بشكل عام يبدو غير مُجدٍ ولن يحقِّق النتائج المرجوّة، وذلك يعود للكثير من الأسباب، في مجال المرأة هناك تدريبات تقام بشكل دوري منها ما يخصّ التمكين الاقتصادي، و أخرى تعنى بدعم النساء نفسياً ومعالجة آثار الحرب. في جانب التمكين تعطى للنساء تدريبات على أعمال يدوية تساعدهنَّ في تحسين وضعهنّ الاقتصادي في حال كنّ غير متعلمات، إلا أنّ هناك العديد من المعوقات أمام تحقيق الهدف من التمكين، فغالبية النساء يفتقدن للجدّيّة، ويذهبن لهذه التدريبات للتسلية، بالإضافة لعدم وجود سوق تصريف لأعمالهنّ في حال قمنَ بتنفيذها، وتتميّز هذه التدريبات غالباً بأنّ خدماتها جزئية، قد تقدِّم بعض المنظَّمات قروضاً للنساء ليحصلن بها على الأدوات اللازمة لمشاريعهنّ، لكنّ معظمهنّ يأخذن القروض ولا يستخدمنها في ذلك، ولا توجد متابعة ومراقبة لهذه المشاريع بعد انتهاء التدريبات، وبهذا تبقى قصص نجاح هؤلاء النساء وأحداثهنّ لتغيير في حياتهنَّ قليلة جداً مقارنة بعدد التدريبات التي تقام”.

لا يمكن لهذه المنظمات بالتأكيد تغطية جميع أعداد النساء المتضررات من الحرب ومساعدتهن لتدبّر معيشتهن والحصول على عمل، بالإضافة إلى أن معظم المنظمات تختصّ بالجانب التوعوي من خلال تدريبات عن الجندر والتمييز الذي تتعرض له المرأة في سوريا منذ زمن طويل، وتنبيه النساء إلى حقوقهنّ والحدود المرسومة لهنّ في الحياة، إنّ  مثل هذه التدريبات تأتي بنتائج، وخاصة للنساء اللواتي لم تتح لهنّ قبل الحرب هذه المعرفة وخوض نقاشات عما يمكنهنّ فعله بسبب البيئة التي تربَّين فيها، لكن هذه النتائج تبقى ضئيلة وغير مرئية في المشهد العام. وغالباً ما يقوم بهذه التدريبات مدرِّبون غير متخصصين خضعوا لتدريب أو أكثر من قبل، ثم حملوا على عاتقهم تدريب غيرهم، وهنا يَحدث خللٌ حقيقيٌّ في عدم قدرتهم على الإجابة عن جميع الأسئلة المطروحة، وافتقادهم للقدرة على الإقناع والتبحّر في المواضيع التي تخصّ المرأة، ولا ينتج عن هذه التدريبات أي تغيير في سلوكيات النساء المتدربات، أو في حياتهنّ وطريقة معاملتهنّ لأنفسهنّ ولمن حولهنّ.

كيف تدعم هذه المنظمات المرأة نفسياً:

يشكّل العنف الممارَس على النساء سمة حاضرة لدى المجتمع السوري قبل الحرب، وأثناء الحرب زاد حضوراً ليصبح هدفاً للمتصارعين، ومقياساً لإحراز تقدم وتفوق، وفي الفترة الأخيرة ومع انتشار الوباء زادت نسبة العنف وتعدَّدت أشكاله.

لا يمكن الإلمام بماهية العنف وأسبابه والنتائج المترتِّبة عنه في فترة قصيرة ومعالجة ذلك، حيث يحتاج موضوع مثل هذا لبحث وقياس وتصنيف، ومن ثم إيجاد الحلول ومساعدة النساء في التخلص من آثاره، في حالة المنظَّمات هذه، يبدو العمل سطحياً ولا يأتي بنتائج إيجابية، بل يضع المرأة وجهاً لوجه أمام العنف الذي تتعرض له دون أن تصل إلى مرحلة إدراك كيفية تعاملها مع المعنِّف وموقفها منه، أو اتخاذها لقرار إنهاء هذا العنف وتحمُّل مسؤولية حياتها بشكل كامل أو كيفية الدفاع عن نفسها.

تقول ميسون: “في جانب آخر هناك المنظَّمات التي تعنى بالعلاج النفسي للنساء المتضررات من الحرب أو المتعرِّضات للعنف، هناك مخطط مسبق قبل البدء بهذه الجلسات لعددها والوقت الذي ستستغرقه.

 بشكل عام وقت هذه الجلسات محدود، تبدأ جلسات العلاج مع بدء التدريب، وعند انتهاء التدريب يتوقّف العلاج دون أن يكتمل. وهذا يشكِّل ضرراً كبيراً على النساء المستفيدات من العلاج، وتُقطَع الأدوية عن الخاضعات للعلاج دون إحداث أي نتيجة، إذ أنّ العمل هنا لا يعتمد على حاجة النساء والمدة التي تتطلبها معالجتهنّ، بل على التمويل وبرنامج المنظمة المعتمد قبل البدء، فعند انتهاء التمويل تنتهي الخدمة”

كيفية اختيار المدرِّبين:

أثناء تشكيل المنظَّمات غالباً ما يقع المؤسِّسون في فخّ المحسوبيات والعلاقات الاجتماعية، فمعظم أعضاء المنظَّمات يتم اختيارهم على أسس غير مهنية، لا مقابلات ولا شروط خبرة أو تخصُّص، حيث يتم اختيار المدرِّبين بناءً على عدد التدريبات التي شاركوا فيها من قبل، ولا يخضع الموظَّفون للتدريب قبل البدء  بالعمل غالباً، وفي هذه الحالة نجد الكثير من المنظَّمات التي لا تملك أناساً متخصِّصين في أيّ مجال، وإنَّما مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون معرفة ضئيلة فيما يخصّ موضوع المرأة، وبالنتيجة يكون العمل سطحيّاً وغير فعّال، ومعظم هذه المنظمات لا يتم فيها تقييم المدرِّبين والموظَّفين، أو البرامج التي تقدِّمها للمتدرِّبين، في الوقت الذي يتَّجه فيه معظم الشباب للعمل في المنظمات دون وجود هدف لديهم للعمل عليه، وإنما يتم التعامل معها كفرصة عمل مربحة، دون الشعور بالانتماء لهذه القضية والشغف اللازم لتحقيق خطوات متقدِّمة في هذا المجال.

تقول علا، وهي مسؤولة إعلامية في إحدى المنظمات: “الشباب يتجهون إلى العمل في المنظَّمات من أجل المال، لن تجد أحداً منهم يملك هذا الهاجس بالتغيير وإحداث الفرق في المجتمع، نحن في وقت أصبحنا جميعاً نشعر بلا جدوى أي فعل نقوم به، ونناضل من أجل البقاء، في لحظة ما يبدو كل ما يقال هنا عبثياً، ولا معنى له، نحن أحجار نرد صغيرة في لعبة كبيرة جداً.”

وتضيف علا: “هل نستطيع حقاً التغيير؟ العمل في منظَّمات كهذه يجب أن يكون لهدف إنساني بالدرجة الأولى، لكن معظم من يعمل فيها من أجل المال فقط، الأسوأ من ذلك هناك من يتعامل مع المستفيدين من السلل الغذائية بإذلال، ويصبح على المستفيدين أن يتوسّلوا ليحصلوا عليها، فيما يذهب معظم المدربين للتعامل مع المتدربات بشكل فوقي واستخفاف بعقولهنّ، وهذا بحدِّ ذاته عنف”.

تعتمد منظَّمات حقوق المرأة في سوريا منهجاً علمياً غربياً، رغم أنه لا يمكن تعميم منهج في العالم فيما يخصّ المرأة وما تتعرض له، فكلّ منطقة تتميز بظروف وتحدّيات مختلفة حسب البيئة والعادات والدين المتبع والثقافة السائدة، واعتماد منهج خاصّ بالنساء السوريات يتطلَّب أبحاثاً مستمرّة تدرُس ما تتعرَّض له النساء في الوقت الحالي، مع إجراء تحليل تاريخي للتغيّرات التي حدثت من قبل في هذا السياق، لا يمكن إسقاط تجربة بلد على بلد آخر وإيجاد الحلول على هذا الأساس.

لا يتوقف الإشكال عند ذلك، بل يمتد لما هو أبعد، رغم أن هذه المنظَّمات تستخدم صفة “المدنية” إلا أنّ نسبة ليست بقليلة منها لديها مرجعيات سياسية تتحكّم بها وتوجِّهها، فعند التقديم على أي مشروع لإحدى هذه المنظَّمات يجب أن يكون هناك إلمام كامل بسياسة المموِّل وما الذي يريد تحقيقه على الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ التمويل قد يتوقف في أي لحظة بسبب تغيّر سياسي أو اتفاق ما، وبهذا تكون الجهات السياسية هي المتحكمة،  والمواضيع المحددة التي قد يُسَلَّط عليها الضوء من قبل منظَّمة ما، هي بشكل أساسي هدف لجهة سياسية معينة ترغب في تحريك هذه القضية، الجهات المموِّلة والتابعة لمنظَّمة حقوق الإنسان لديها أموال يجب أن تصرفها بهذا الاتجاه، إلا أنّ هذه الأموال تذهب في الغالب لجانب سياسي يقوم بدوره بتشكيل هذه المنظمات ووضع أهدافها.

لا يمكننا المراهنة على نتيجة مرجوَّة من هذه المنظَّمات دون وجود برامج واضحة، ومهنية في عملها، ومعظم المنظَّمات تظهر وتختفي دون أن تترك أثراً يلاحظه أحد، قد تأتي هذه المنظَّمات بتغييرات بسيطة على مستوى الوعي، فيما تبقى المرأة الضعيفة التي عاشت ضمن بيئة متحفِّظة وغير مثقَّفة وغيرَ قادرة على التغيير، التغيير الأهم يجب أن يكون في مجال القوانين الدستورية التي تخصُّ النساء، والذي يدعم بنشر الثقافة والوعي من قبل هذه المنظمات، فالعادات الاجتماعية غالباً ما تتغير بحسب السياسات القائمة، والقوانين التي تسنّها هذه السياسات، وخطابها السلطوي.

التغيير يبدأ من هنا، عند تفكيك الخطاب السلطوي وكيفية رؤيته للمرأة السورية، والضغط باتجاه تغييره وإصدار أحكام بحقّ المعنَّفات، والعمل على تغيير الأعراف والأخلاقيات الموجودة، لا يمكننا نفي أهمية هذه المنظَّمات بالكامل، فوجودها وتزايدها شكّل نقلة صغيرة في وعي النساء، خاصة اللواتي لم تتح لهنّ من قبل معرفة حقوقهن والضغط الممارس عليهن، إلا أنّ التنظيم، وبناء هيكليّات مهنية داخل هذه المنظَّمات، ووضع برامج مدروسة وعلمية، تساعد على تحقيق الأهداف بشكل أكثر دقة.

رسم تعبيري/ انترنت

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015