من “طفلة عروس” إلى مسؤولة في مفوضية حقوق الإنسان: رحلة كفاح سيّدة عراقية
جميلة مهدي، مسؤولة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في أربيل بكردستان العراق

الأمم المتحدة- جميلة مهدي، سيّدة عراقية من الأقلية الكردية ومن الطائفة الكاكائية (إحدى الديانات الكردية القديمة). وُلِدت في مخيم للاجئين في إيران، وتزوّجت في سن 13 لتعود مجدّداً إلى مقاعد الدراسة بعدها بعشر سنوات وتحصل على تعليمها العالي والجامعي فيما بعد.

جميلة مهدي هي اليوم مسؤولة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في أربيل بكردستان العراق. أخبار الأمم المتحدة أجرت حواراً خاصاً مع جميلة مهدي حول ظروف زواجها وطلاقها وعملها مع بعثة يونامي.

من أين نبع إصرارك على إكمال التعليم وكيف استطعتِ إقناع الزوج والأسرة بالعودة إلى الدراسة؟

تزوّجت وأنا بعمر 13 عاماً. حُرمت من إخواني وأخواتي وتم إرسالي من مدينة إلى قرية حيث يعيش زوجي، وكانت حياة القرى مثل حياة العبيد، نخرج من الفجر ونعود في المساء، نقضي كل اليوم في المزرعة، أعود إلى المنزل مرهقةً. وبعدها أنجبت أطفالي وازداد الوضع سوءاً، ولم أعد قادرة على قضاء بعض الوقت مع أطفالي، فأنا أعمل من الصباح حتى المساء. كنّا نعاني من فقر شديد، أصنع لهم بيضاً في الصباح فيأكلونه طيلة اليوم. أخبرت زوجي بضرورة تغيير حياتنا، فما نكسبه في الصيف ننفقه في الشتاء إلا أنه رفض ترك المزرعة. كنت محرومةً من كل شيء، بما في ذلك التلفاز والمذياع والكتب، لقد عشتُ في القرية 16 عاماً.

وفي أحد الأيام أخبرتُ زوجي برغبتي في العودة إلى الدراسة لكنه رفض خوفاً من أن أتركه. وحاولت إقناعه بشتى الطرق، وعندما رفض حاولت الانتحار، وبعدها قَبِلَ بعودتي للدراسة. ثم ساعدني أخي كمال، الذي كان يعيش في الموصل، على الحصول على المستلزمات المدرسية، لأنّه كان يتعيّن عليّ الدراسة في المنزل؛ لم أستطع الالتحاق بمدرسة بسبب عمري. وبدأت بدراسة المواد الأدبية لأنها لا تتطلّب أساتذة مثل المواد العلمية. كنت أدرسُ يومياً، وكانت هناك مواد صعبة مثل اللغة العربية لم أستطع دراستها لكنني تمكّنت من حفظ القواعد والإنشاء. حصلتُ على مجموع جيد. بعدها أكملتُ دراسة العلوم السياسية.

ما هو مستوى تعليم زوجك؟

زوجي كان معلّماً. لكن المرأة في مجتمعنا مرتبطة بالعيب والعورة لا يمكن لها القيام والجلوس والأكل والشرب، وكان يجب على المرأة أن تظلّ وحدها دون أن يراها أحد. نحن من الأقلية الكردية الكاكائية، وُلدت في مخيمات إيران. وبعدها حدثت الثورة الإيرانية، ولم يكن لديّ هوية أو بطاقة حتى عمر خمس سنوات، ثم عدنا إلى العراق.

ماذا تقولين لأي امرأة تعيش في ظروف مليئة بالتحدّيات مثل ظروفك؟

لديّ شيء واحد لأقوله لها: يجب أن تتمسكي بالتعليم. عندها يمكنك أن تعلّمي أطفالك. وهذا سيوفر لك استقلالاً اقتصادياً، لأنك إذا تعلّمتِ ستحصلين على وظيفة. وإذا حصلت على استقلال اقتصادي يمكن أن تساهمي في المنزل لمساعدة أسرتك وإخوانك وهو ما سيجعلهم يصرفون النظر عن انفصالك أو طلاقك. لكنني انفصلت عن زوجي في 2017 وكان أبنائي راشدين فقد دافعوا عني وعن حقوقي.

كيف لك أن تصفي وضع حقوق الإنسان في العراق وأنت تعملين عن قرب في هذا المجال؟ 

انضممتُ إلى الأمم المتحدة عام 2012، في البدء كنت متخصّصة في العمالة الأجنبية والأقليات وكان الوضع غاية في السوء. ولكنني فخورة لأننا استطعنا تغيير الوضع في إقليم كردستان العراق. وقد أصبح للأقليات ممثلون سياسيون ووُضعت التشريعات ولم تعد توجد تفرقة كالسابق.

أما في العراق بشكل عام؛ فقد غادرتْ أقليات كثيرة مناطق سكنها، إما أنهم غادروا العراق أو نزحوا داخلياً. ولكن بعد قدوم داعش تغيّر كل شيء. في العراق توجد قوانين ولكن لا توجد آلية، نحتاج إلى آلية لتغيير القوانين.

الآن القوانين تغيّرت في إقليم كردستان العراق، ولا يمكن لرجلٍ على سبيل المثال أن يتزوّج على زوجته، كما أننا أصبحنا نتعامل في ملفات العنف ضدّ المرأة مع كل قضية على حدة ونتابع المحاكم.

كيف يمكن الحفاظ على حقوق الإنسان في ظل النزاعات؟

حتى الآن 6000 امرأة وطفل هم في عداد المفقودين بسبب داعش. أتصوّر أن الحكومة هي المسؤولة عن الحماية، لا يوجد لدى الأمم المتحدة قوة، فالحكومة هي المسؤولة عن الحماية ونحن شركاؤها، نساعدها كما ساعدنا في جهود التسوية في نينوى بين الفارّين ومن كانوا هنا.

الآن توجد أمور جديدة ظهرت مؤخراً على ساحة الأحداث، مثل المشاكل الأخيرة وبالطبع هذا الأمر يؤثّر على حقوق الإنسان، لأن الحكومة ترفض التعامل معها. فالمظاهرات التي خرجت أودت بحياة 600 شخص في بغداد، وآلاف الجرحى. ويُقال إنها بفعل أيادٍ خفية، ولكن الحكومة مسؤولة عن حماية المدنيين. الوضع حالياً في بغداد ومحافظات الجنوب متدهور جداً.

أود أن أضيف أنه فيما يتعلّق بداعش، عملنا مع سيدة تُدعى رويدة الحاج (وهي حالياً الممثلة الإقليمية لمفوضية حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وقد عملت على تدريب مدراء المخيمات واجتمعت مع الحكومات المحلية ودعمت الموظفين واستطعنا سوياً أن ننقذ حياة الكثير من الأشخاص من براثن داعش.

كيف ترين العراق مستقبلا؟ 

أعتقد أن الوضع في العراق بدأ يتغيّر، ففي الماضي كان السكان يصنّفون أنفسهم على أساس أنهم شيعة أو سنة. ولكن الآن لا يتردد هذا الأمر على مسامعنا كالسابق بل نسمع كلمة “نحن عراقيون”، فأنا لدي أمل كبير في أن يتحسّن الوضع، لكنه يحتاج إلى بعض الوقت.

أنا آمل في عراق فيه مساواة، وعراق فيه حرية تعبير. كثير من الأشخاص فقدوا حياتهم بسبب حرية التعبير وحرية الدين والحق في التعليم. والتعليم من شأنه أن يغيّر كل شيء. أنا أتكلّم من تجربة شخصية، فقد تغيّرت حياة أطفالي بعد التعليم وأنا أشجّع الجميع على التعليم.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

جميلة مهدي، مسؤولة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في أربيل بكردستان العراق

جميلة مهدي، مسؤولة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في أربيل بكردستان العراق

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015