میراث المرأة في حوران .. مازالت تحول دونه قیودٌ وأعرافٌ ونصوصٌ دینية
ميراث المرأة في حوران/ سوريا

سوريا/ jesrpress-  “حین تخرج حقوقنا عن حیّز القانون والشرع إلی سیطرة الأعراف والتقالید، وعندما نکون أصحاب حقّ مثبت، ولکن هذا الحقّ بید من نحبّ؛ هنا تبدأ المفارقات. وزمن الحرب (تضیع الطاسة!) فیأکل القويّ الضعیف” بهذه العبارات بدأت فاطمة حدیثها لتلخّص معاناتها التي امتدت أکثر من عشرین عاماً، من أجل تحصیل حقّها في المیراث، وإلی الآن لم تحصل على شيء.

فاطمة سیدة تجاوزت الستین، من ریف درعا، لا تزال متمسّکة بزیّها التراثي الأنیق، تزیّن وجهها بعدّة رسوم من الوشوم التي تُعرف بها حوران، لطالما أحبّت أقاربها وعائلتها؛ فعلاقتها بهم دائماً کانت ممیّزة.

تروي فاطمة قصتها ومحاولتها الحصول على حقّها من میراث والدها “ترك والدي الکثیر من الأراضي، داخل البلدة وخارجها، ومرّت سنوات ولم أفکّر أن أطلب من إخوتي حصتي من میراث والدي، ولکن بعد حاجتي لها قررت الحدیث معهم. فتوجّهت بدایةً إلی أخي الأوسط وهو من المقرّبین لي، کان ردّه ینطوي على الکثیر من الغموض والدبلوماسبة، فقال لي: کلّ شيء تریدیه أُطلبیه مني، ولکن أُترکي أمر الورثة خارج حساباتك!.. وما أن عرضت الموضوع بحضور إخوتي جمیعاً، حتی وجدت ردوداً ووجهات نظر لم تکن تخطر ببالي، وأول من حاربني هو شقیقتي بصمتها وسکوتها، فلم تقف إلی جانبي ولو بالکلام”.

وتتابع فاطمة “تباینت ردود فعل إخوتي الذکور؛ فمنهم من قال لا حقّ للنساء عندنا! هل ستقومي بحراثة الارض وسقایتها وزراعتها؟.. ومنهم من قال لا نُعطي أرضنا للغرباء (زوجي وأولادي)!.. قلت لهم أي غرباء؛ ألیسوا هم أبنائي؟ ألیس هذا زوجي؟ ألیس لهم الحق کأبنائکم؟.. عاتبتهم قائلةً: ألم أکن أخرج للعمل معکم صیفاً شتاءً؟ ألم أخرج من الفجر حتى المغیب؟ أکنت أعمل مثلکم کالرجال؟.. لم یکن هذا الکلام لیغیّر آراءهم، بل بدؤوا بسیلٍ من الکلام الجارح، وتوجیه التهم لزوجي بأنه یحرّضني لأکسب وأنال من إخوتي وتعبهم”.

قُوبِلَت مطالبة فاطمة بحقّها بالمقاطعة، فلم یعد یزُرها أحد من إخوتها، حتی في المناسبات والأعیاد، وحاولت أن تُعید العلاقات معهم، إلا أنهم کانوا یشیحون وجهوهم عنها في الطریق کلما قابلوها.

تقول فاطمة “مرّت شهور وسنین، ولم یغیّروا رأیهم ولم أتنازل عن حقّي، حتی بدؤوا بالحدیث عن أبنائي وزوجي، وقاموا بإرسال تهدیداتٍ علنیة لهم، بأنّ کل شبر أرض سأحصل علیه عبر المحاکم، سیکون مقابله دم!.. ترکت لهم الأرض (والجمل بما حمل ) ولم أرغب أن أکون حدیث البلد. فاختصرت کل شيء، حالي حال الکثیر من النساء ممن لم ینلن حقّهن.. مضی عشرون عاماً على هذه الحادثة، ولم أسامحهم ولن أنسی تجریحهم لي”.

ولا تختلف قصة لمی، الطالبة الجامعیّة، عن فاطمة.. فحِرمانها من المیراث جاء على ید إخوتها من والدها، فعاشت حیاةً بائسة بعد وفاة والدها، الذي وفّر لهم طيلة حیاته کلّ ما یحتاجونه وأکثر.

تقول لمی “عشت أیاماً جمیلة في کنف والدي، الذي یملك الکثیر من الأملاك والمال، ولطالما کنت مُدَلَّلته، ولکن بوفاته تغیّر کل شيء. فلم یعد بیت والدي الکبیر بیتنا، لم نعد نحظى بشيءٍ مما اعتدنا علیه، فأنا وأمي وأختي وضعنا والدي تحت وصایة إخوتي من زوجته الأولی”.

وهذه الوصایة أجبرت والدتها على العمل في نسج الصوف وشك الخرز، من أجل تأمین لقمة العیش للشقیقتین. كما اضطرت الظروف لمی وعائلتها للعودة إلی السکن مع إخوتها حیث یقیمون في بناء ٍکبیر فیه العدید من الشقق المفروشة، إلا أنهم لم یحظين سوى بغرفة على السطح مغطّاة بألواح التوتیاء، لا تقي حرّ الصیف ولا برد الشتاء.

تقول لمى “کنت أقارن بین حیاتنا وحیاتهم من کل النواحي، فأشعر أننا أولاد الخادمة ولسنا أخواتهن، لم أعلم إن کان لي من المیراث ما لهم، إلا مؤخراً بعد اعتراف والدتي بذلك، فأدرکت أنهم یتنعّمون بحقّي وحقّ والدتي وأختي”.

خرجت لمی عن صمتها لتطالب بحقّها بأن تکون کإخوتها وبناتهم قائلةً “أرید أن أحصل على الحقوق التي تحصل علیها بناتکم!”. فجاء الردّ “من وین لوین مثل بناتنا!”، لتجیب بأنّه حقّها وحقّ والدتها وأختها من المیراث، ولینهال علیها سیلٌ من الشتائم، حتی أنهم أکّدوا لها أنّ الغرف التي أُعطیت لها ولعائلتها هي مکرُمة منهم، وأنّ لا حقّ لهم بقرشٍ واحد.

تقول لمی “حاولت کثیراً ولکن النتیجة ذاتها، فعاهدتُ نفسي أن أحصّل حقّي کاملاً بالقوة، لأثبت للعالم کلّه بأنّ ما لم نحصل علیه باللین، فسیکون لنا بالقوّة”.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

ميراث المرأة في حوران/ سوريا

ميراث المرأة في حوران/ سوريا

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015