نحو محتوى إعلامي نسوي لا يُقصي النساء
الجندر

Syrian Female Journalists Network (SFJN) شبكة الصحفيات السوريات/ SalonSyria- هناك حاجةٌ لتحسين المحتوى الإعلامي النسوي السوري، وجعله أكثر تمثيلاً لتنوّع خبرات النساء السوريات واحتراماً لتجاربهنّ ودورهنّ في المجتمع. سعياً لتحقيق هذه الحاجة، عقدت شبكة الصحفيات السوريات جلسةً حوارية بعنوان ”التعاون المشترك بين المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز المحتوى النسوي” ضمن مؤتمرها السنوي في مدينة اسطنبول التركية، في شهر حزيران ٢٠١٩. هدفت الجلسة لإيجاد سبل تعاون جديدة، وتعزيز التنسيق ما بين المؤسسات الإعلامية من جهة، ومنظمات المجتمع المدني ذات التوجّه النسوي والنسائي من جهةٍ أخرى.

استقطبت الجلسة مجموعةً متنوّعة الخبرات من المتحدّثات، فقد قامت رؤى الطويل (مديرة برنامج “جندر رادار”) بتيسير الحوار، وشاركت فيه ديما موسى (عضوة مؤسسة في الحركة النسوية السياسية السورية)، ووضحة عثمان (مديرة جمعية رفقاً). وساهمت في مداخلات عن بعد كلٌّ من فيان محمد (صحفية مستقلّة وعضوة فريق “جندر رادار” في القامشلي)، و سهى الراوي (مديرة برامج العنف المبني على النوع الاجتماعي في منظمة نقطة بداية) من غازي عنتاب.

تطرّقت الجلسة بدايةً للتعريف ببرنامج “جندر رادار”، والهدف من تحليل الخطاب النقدي للمؤسسات الإعلامية، وتحليل السياقات المختلفة المؤثّرة في إنتاجه. كما ناقشت الجلسة آلية تطوير الهيكليات والسياسات ضمن المؤسسات بما يجعلها مراعيةً للنوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين.

تميّزت الجلسة باستعراض المشاركات لتجاربهن العملية، فمثلاً تحدّثت فيان محمد عن تجربتها في  برنامج “جندر رادار”، الذي نفّذته مؤسسة شبكة الصحفيات خلال العام ٢٠١٨، مركّزةً على تغطية قضايا النساء في الخطاب الإعلامي. كما أكّدت فيان أن “التحليل النقدي للخطاب جندرياً هو أداة مفيدة وممتعة لارتدائه كنظارة بشكل دائم بهدف نقد الممارسات اليومية، وأيضاً النظر للخطاب الإعلامي، وملاحظة إقصائه للنساء، ووجهات نظرِهنّ،” وأضافت: “من المهم تعزيز التعاون بين منظمات المجتمع المدني والحركات السياسية وتحديداً النسائية، لأننا نفتقر لهذا التعاون، على سبيل المثال في مدينتي القامشلي، لا يوجد ورش لتمكين النساء على القيادة السياسية، ومن المهم العمل على توفير مثل هذه الفرص والضغط على الحركات السياسية من أجل إشراك النساء لتصبح أصواتهنّ حاضرة.”

ابتعاد النساء عن المشاركة الإعلامية: أسباب وحلول 

ناقش الحضور من ممثّلات وممثّلي منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية الأسباب التي قد تدفع بالنساء للنأي بالنفس عن المشاركة كمصادر إعلامية في المجالات المختلفة خاصةً في المجال السياسي. أشار العديد من الحاضرين/ات أنّ محدودية الظهور الإعلامي للنساء قد تعود لخوفهنّ من التعرّض لانتهاك أو نقد يمسّ خصوصيتهنّ. أيضاً تمّ توجيه اللوم للمؤسسات الإعلامية التي لا تسعى في كثيرٍ من الأحيان لتحقيق التوازن الجندري في المصادر الإعلامية. فعلى سبيل المثال، تستضيف الوسائل الإعلامية غالباً الخبراء الرجال؛ خاصةً عند التطرّق للمواضيع السياسية والعسكرية، ونادراً ما تتمّ استضافة خبيراتٍ نساء.

أما رؤى الطويل فترى أن سبب عدم ارتياح النساء للظهور في الوسائل الإعلامية أو في المجال العام، قد يعود للتنشئة الاجتماعية والعيش وسط مجتمع ذكوري، ما يدفع الكثيرات من النساء لتفادي الانخراط في المجال السياسي.

كحلٍّ لتفادي الإقصاء الإعلامي للنساء، اقترحت ديما موسى على المؤسسات الإعلامية أن تستفيد من تجربة عمل الحركة النسوية السياسية السورية التي تحاول “من خلال عضواتها وأعضائها الوصول لخطابٍ جامع من منطلق المواطنة المتساوية.” وأكّدت ديما “أنه يوجد في الحركة أكثر  من 100 امرأة في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والطب، والمجال الإنساني” وأنّ عضوات الحركة “جاهزات للتعامل مع المؤسسات الإعلامية.”

ومن الحلول الإضافية التي اقترحها الحضور أهمية توفير تدريبات للنساء اللواتي يتعاملن مع الوسائل الإعلامية، ورفع الوعي بأهمية مشاركة آرائهنّ مع الإعلام. و أشار الحضور إلى أنه يجب توفير تدريبات التمكين السياسي للنساء والرجال على حدٍّ سواء لزيادة الوعي الجندري.

وهنا أكّدت سهى الرواي أنّ المهم ليس فقط العمل على التمكين السياسي للنساء؛ بل أيضاً خلق توعية سياسية لديهنّ بما يجعلهنّ مؤثّراتٍ كقوّة فاعلة في سوريا. ولخّصت سهى رأيها بأنه: “يوجد توجّه عام لمشاركة النساء فقط من أجل تحقيق الكوتا، وتحقيق تمثيل للنساء في اجتماع أو ورشة، لأن المانح يضغط في هذا الاتجاه، ولكن على أرض الواقع لا تكون النساء حاضراتٍ بشكل حقيقي وإنما فقط واجهة، نحن نتمنى الضغط والمطالبة أكثر لتأخذ النساء فرصتهنّ في المشاركة الحقيقية”.

محاربة تنميط النساء إعلامياً 

أجمع أغلب الحاضرين/ات ضمن الجلسة على أنّ الصورة النمطية للنساء كضحايا تطغى على الخطاب الإعلامي خاصةً عند تغطية حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، في حين يتم تجنّب تغطية قصص النساء التي تُظهِرَهنّ كعضواتٍ فاعلات بطريقة إيجابية في المجتمع.

وأكّدت سهى الراوي أنّ الإعلام يجب أن يدعم جهود منظمات المجتمع المدني كمنظمة “نقطة بداية” في توفير الدعم النفسي الاجتماعي للناجيات من العنف واستهداف الرجال كشركاء لوقف العنف الجندري.

وأكّدت سهى أهمية تعزيز التعاون والشراكة ما بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، كالتعاون الناجح ما بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات ومنظمة النساء الآن في العام ٢٠١٨ في تنفيذ أنشطة حملة 16 اليوم لمناهضة العنف ضدّ النساء.

وأشارت وضحة عثمان إلى مثال تعاونٍ ناجح آخر ما بين مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات وجمعية رفقاً، حيث تمّ تدريب مجموعة من اليافعات على الكتابة الحساسة للنوع الاجتماعي. إلا أنّ وضحة نوّهت إلى تحدّيات العمل الإعلامي التي تواجه الكثير من الكتّاب والكاتبات، فعادةً ما تبحث المؤسسات الإعلامية عن المقالات التي تُحقّق لها المزيد من القراءات أو المشاهدات، وتفرض على الكتّاب والكاتبات عدم تناول العديد من النقاط التي لا تتناسب مع توجّهات المؤسسة.

وكمثالٍ عملي، تحدّثت وضحة عن تجربتها عندما كتبت مقالاً في أحد المواقع الإلكترونية عن نظرة السوريين/ات للحجّ على أنّه ليس فريضةً فقط، بل نقطة التقاء لهم/ن، وذكرت قصة سيدةٍ هربت من مناطق سيطرة بعض الفصائل، إلا أنّ الموقع نشر المقال تحت عنوان “الحجّ هو طريقٌ للهروب من داعش” مما حرّف مضمون المقال وشكل تهديداً عليها.

أكّدت وضحة أنّ العديد من النساء اليوم لا يُفضّلن العمل في المجال المدني ومراكز صنع القرار؛ بسبب الخوف من الهجوم الذي قد يتعرّضن له لكونهنّ نساء. واستشهدت بمثال تعامل الإعلام مع المعتقلات السياسيّات، إذ عادةً ما يتمّ تجاهل وتناسي نضالهنّ ونشاطهنّ السياسي المسَبّب لاعتقالهنّ، وإثارة الشفقة تجاههنّ إعلامياً، ما يشكّل ضرراً مضاعفاً عليهن، ويؤدي لانسحابهن من المجال العام.

واختتمت وضحة رسالتها بأنّ “المرأة جزءٌ من الحل، يوجد نساء في الداخل السوري لا يعلمن بوجود القرار ١٣٢٥، في حين يَقُمنَ بتنفيذه في حياتهن اليومية، ودورنا إيصال صوتهنّ للإعلام وتعزيز ثقافة النجاح لديهنّ”.

توصيات لتحسين تغطية الإعلام لقضايا النساء 

اختُتِمَت الجلسة بمجموعة توصيات في سبيل تحقيق تعاون أمثل بين المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، في سبيل تحسين واقع النساء في الإعلام. ويمكن تلخيص أهم توصيات الجلسة بضرورة:

أولاً، العمل على تسليط الضوء على التاريخ النضالي للنساء في الإعلام.

ثانياً، خلق الوعي لدى المؤسسات الإعلامية بجدوى مشاركة النساء كمصادر إعلامية عبر مشاركة  قائمة بأسماء النساء اللواتي يعملن في المجال العام ممن ليس لديهن مشكلة بالظهور الإعلامي مع هذه المؤسسات، وعبر المطالبة بوجود كوتا إعلامية على غرار مبدأ تطبيق الكوتا السياسية.

ثالثاً، توفير تدريبات للنساء من مجالات متنوّعة تتعلّق بشكل وطريقة ظهورهنّ الإعلامي عبر المؤسسات الإعلامية المختلفة.

رابعاً، العمل على تحسين خطاب منصّات التواصل الاجتماعي سيما للمؤسسات الإعلامية، فمثلاً ما قد يشجّع كثير من النساء على الظهور الإعلامي التركيز على دورِهنّ كمسؤولاتٍ وفاعلاتٍ في المجتمع أكثر من دورهنّ كضحايا.

خامساً، تضامن وتعاون مؤسسات المجتمع المدني والحركات النسوية لتنفيذ ورشات تمكين للنساء تزيد من وعيهن السياسي.

جندر رادار “الأمور التي لا يتم الحديث عنها؛ لا يتم التفكير بها!”

تركّز “شبكة الصحفيات السوريات” على تمكين المؤسسات الإعلامية السورية من خلال تعزيز المزيد من الحساسية وفهم الجندر على مستويين: البنية وإنتاج المعرفة؛ كخطوة أساسية نحو إعلام متوازن، مهني ومُراعي للقضايا الجندرية والنسوية.

وتقوم “شبكة الصحفيات السوريات” ضمن برنامج “جندر رادار” برصد المحتوى الإعلامي لعدد من المؤسسات الإعلامية السورية الناشئة، وإنتاج دراسات تحليل الخطاب الجندري، وتنفيذ زيارات ميدانية وحلقات عمل تدريبية، وتقديم استشارات لتطوير التفكير النقدي داخل المؤسسة وللفريق العامل، بالإضافة لتوصيات لتطوير السياسة التحريرية بطريقة تشاركية.

كما يوفّر “جندر رادار” للمؤسسات الشريكة الجودة والمعرفة غير المسبوقة، في السياق السوري، حول قضايا النوع الاجتماعي وتحليل الخطاب النقدي، كما يساعد على خلق بيئة معنية بالجنسانية من خلال جعل القضايا اللامرئية؛ مرئية في التغطيات الإعلامية.

يهدف مشروع “جندر رادار” إلى تعزيز ودعم الإعلام السوري الناشئ في جهوده لتطوير الخطاب الجندري. وينقسم المشروع إلى ثلاثة مستويات:

  • جعل عدم المساواة بين الجنسين والتصوير المتحيّز سلباً للنساء والفئات الأكثر تهميشاً في وسائل الإعلام، ظاهراً من خلال تحليل الخطاب النقدي بين الجنسين.
  • خلق بيئة عمل تُراعي الفوارق بين الجنسين، وتعزيز التفكير النقدي أثناء ابتكار المحتوى وعمليات الإنتاج والتقييم، من خلال بناء القدرات والمهارات الصحفية المُرَاعية للحساسية الجندرية.
  • تطوير سياسة تحريرية تراعي الفوارق بين الجنسين كنقطة مرجعية للمؤسسات الإعلامية الشريكة.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

الجندر

الجندر

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015