جريدة النهار- إليكم “نساء الشمس”، نساء ذات شجاعة ساطعة كالشمس، لا تحجبها غيوم الخطف والذل ولا عواصف الاغتصاب والسبي. ليس الاستسلام للبكاء ورثاء الذات قدراً ولا التقهقر خجلاً بعد معاناة التشرد وتفكك الأسر على أيدي رجال يرسمون غزواتهم وبطولاتهم الوهمية على أجساد الضحايا.
“نساء الشمس”، ايزيديات قلبن الأدوار، من ضحايا إلى صاحبات مبادرة، ومقاتلات جسورات في وجه تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذي غزا قُراهن في جبل سنجار وبدَل معيشتهن إلى الأبد. اخترن الشمس عنواناً أملاً في شروق جديد بعد كل ليل دامس، ولأن الكوكب يحتل مكانة عالية في موروثهن الشعبي.
قد يكون كثيرون ملوا القراءة عن الخطف والاغتصاب والسبي والضرب، وحالات الانتحار بعد الفرار وفحوص العذرية، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الأمم المتحدة تقدر استمرار وجود 3500 ايزيدي وايزيدية أسرى لدى “داعش” في سوريا والعراق.
إذا كانت قصص بطولات النساء الكرديات في كوباني تجذبكم، إليكم قصة كتيبة “نساء الشمس”. الموضوع ليس جديداً، لكن شبكة “فوكس نيوز” الأميركية للتلفزيون أعادت تسليط الضوء عليه هذا الأسبوع. قبلاً ظهر الخبر لدى مصدرين، غربي وعربي.
في أيلول 2015 نشرت “الغارديان” تحقيقاً عن عمل المصور ألفرد يعقوب زاده، وهو إيراني جلب له تعاونه مع وكالة “الأسوشيتد برس” شبهة “الاتصال بالأعداء” فلجأ إلى باريس منذ عام 1980.
كان يعقوب زاده توجه إلى سنجار مرات عدة في عامي 2014 و2015 ليرصد بكاميرته معالم ما بعد الغزو الداعشي. وهناك شهد تمرد نساء وفتيات على ثقافة العار بعد الاغتصاب والتعذيب وولادة نواة كتيبة على غرار نظيراتها الكردية لدى “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” في سوريا.
وقد روى أن النساء يبقين على أتم الجهوزية ويخلدن إلى النوم بلباسهن العسكري وأحذيتهن. وكشف أن “وحدات حماية الشعب” تقدم ثلاثة أشهر من التدريب العقائدي والتأهيل النفسي للمجندات، وفي نظره ذلك أكثر صعوبة من تعليمهن إطلاق النار.
أما الصحافية التونسية حنان زبيس فنشرت في تشرين الأول تحقيقاً ميدانياً من سنجار في موقع “عراقيات”. ورصدت بناء “مركز للمرأة الايزيدية” بموجب قرار المجلس الأعلى لقوات مقاومة سنجار. وبخلاف يعقوب زاده، قالت إن التدريب يتولاه حزب العمال الكردستاني، ويمتد بين 40 يوماً إلى شهرين، ويشمل تعليم النساء حقائق التاريخ الايزيدي والمساواة بين الجنسين وأفكار القائد الكردي عبدالله أوج ألان، والقراءة والكتابة لمن لا يُجِدنها، إلى استخدام الأسلحة مثل الكلاشينكوف والـ”آر بي جي”.
وتروي قائدة ميدانية تُدعى هدار (32 سنة) أن “حزب العمال الكردستاني” كان يجد سابقاً صعوبة في تجنيد ايزيديات بسبب قيود التقاليد العشائرية، لكن هجوم “داعش” قلب المقاييس، إذ “حيثما ذهبنا في المخيمات والبيوت، نجد تفاعلاً معنا… وهناك طلب كبير للالتحاق بنا”.
وإلى دهوك توجه فريق “فوكس نيوز”، وهناك التقى خاتون خضر، قائدة “نساء الشمس”. قالت :”ندافع عن أنفسنا في وجه الشر، ندافع عن الأقليات في المنطقة”. هي واحدة من 123 امرأة تتراوح أعمارهن بين 17 و37 سنة تدربن على أيدي البشمركة ودخلن في صفوفهم، ومثلهم ينتظرن الضوء الأخضر لمعركة تحرير الموصل، بينما تستعد 500 ايزيدية لتلقي التأهيل العسكري والالتحاق بهن. معظمهن فررن من قبضة “الدولة الإسلامية” في غارات الائتلاف الدولي التي كسرت طوق “داعش” لجبل سنجار.
لم تكن خاتون تفقه شيئاً عن الحروب والأسلحة حين اتصلت بأحد قياديي البشمركة عارضة تأليف فرقة نسائية ايزيدية، آملة في أن يساهم ذلك في حماية النساء لأنفسهن وعائلاتهن ويُلهم الأقليات العراقية الأخرى الاقتداء بهن. “كلما اندلعت حرب، تحولت نساؤنا ضحايا… نحن صرنا قوة نخبة عسكرية ونموذجاً للنساء في المنطقة. نريد للجميع التمكن من حمل السلاح للدفاع الذاتي والمقاومة في وجه الشر”.
“نساء الشمس” شاركن في استعادة قُراهن. انخرطن في قتال مباشر وساهمن في تطهير المناطق المحررة من الألغام. وبعدما أثمرت تلك التجربة نجاحاً عسكرياً ونفسياً واجتماعياً، تستعد المقاتلات لمعركة الموصل المنتظرة. وتشرح خاتون أن “الكثير من نسائنا محتجزات سبايا هناك. أُسرهن في شوق إليهن، ونحن كذلك، وقد يساهم تحرير المدينة في تحريرهن”.
ترى مِسا (19 سنة) في تحولها مقاتلة مدعاة للفخر، معتبرة أنه ليس على الايزيديين أن يخشوا شيئاً بعد اليوم.
لكن خاتون أكثر واقعية. ولا تستبعد أن يكون بعض الفتيان الايزيديين المخطوفين لدى “داعش” خضعوا للتخدير والتضليل، فانضموا قسراً إلى التنظيم. هي تتخيل سيناريو شديد القسوة، أن تضطر أمهات لقتال أبنائهن. وتقول بوجوم :”سيكون هناك إرهابيون ايزيديون، وهو أمر لا سابق له، لكننا لن نتراجع وسنقوم بكل ما يقتضيه الأمر لمواجهتهم”.
صحيح أن التحقيقات الثلاثة تشير إلى تنوع جهات التدريب، فإن الجوهر واحد. نساء مهمشات من أقلية مهمشة ينتفضن على واقع مرير. يكفي ما قالته كولان (17 سنة) لـ”عراقيات” : “عرفتُ أن لي كامرأة حقوقاً وواجبات، وأن دوري ليس أن أتزين لأُعجب رجلاً، بل يمكنني الاضطلاع بدور في حماية نفسي وقومي”.