زينة عامر/ سيدة سوريا- تعيش المرأة في المجتمعات العربية حالة من التهميش الكامل لشخصها كإنسان له رغباته وأحلامه. إذ تسعى هذه المجتمعات، نتيجة العقلية الذكورية المسيطرة على مختلف مناحي الحياة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إلى تشييء المرأة والتحكم بها كغرض مطواع في يد من هم “أكثر منها” ذكاء وجدارة وأهمية في صيرورة الحياة. وبالرغم من أن الخطاب العام المتداول يحتوي على الكثير من الشعارات الرنانة التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أن الشرخ والهوة بين ما يقال وما يعاش واضح في تفاصيل الحياة اليومية، فالمرأة تعامل كجسد، جسد لا يشعر بذاته وإنما بالنظرة التي كُرس لها في عيون الآخر وجنسانيته، إضافة إلى أنه جسد يتوجب عليه القيام بمهام محددة بطريقة أوتوماتيكية دون إرادة أو رغبة، فقط ليستمر على قيد الحياة ويؤمن استمراريتها بالإنجاب.
المسألة ليست وليدة فترة زمنية قريبة، إنما هي امتداد لموروث غارق في القدم، نتيجة العادات والشرائع والأحكام الدينية، التي وضعت المرأة في إطار ثابت لا يخضع للتطورات والتغيرات إلا بمشقة. وهذا ليس وضع المرأة العربية فقط، فكل نساء العالم عانين بنفس الطريقة وعشن هذه التواترات في مسيرة وجودهن. لكن ما يميز المرأة العربية هو عدم قدرتها على الخروج من هذا الإطار، وعودتها أحياناً، وبسبب ظروف طارئة، إلى أوضاع أكثر سوءاً كما في الحروب والكوارث والصراعات السياسية المختلفة.
بالطبع يختلف الوضع بين امرأة تعيش في الريف وأخرى في المدينة، فطبيعة الحياة الريفية المعتمدة على الزراعة في الإنتاج، والتي تحتاج إلى مجهود عضلي وجسدي أكبر، تزيد معاناة المرأة عن أخرى تعيش في المدينة، حيث تواتر الحياة أكثر سرعة وعملية ويحتاج إلى نمط آخر من العمل.
وكمثال واضح على ذلك، نورد وضع المرأة في المغرب العربي، حيث عانت من أهوال الحرب والقتل والنزوح، لكن معاناتها لم تنته بانتهاء الحرب، فهي مستمرة حتى الآن. المناطق الريفية في المغرب لم تخضع لعمليات التطوير والتنمية، وما زالت المرأة هناك مضطرة للقيام بأعمال شاقة كي تؤمن استمرارية حياتها، باعتبار أن معظم رجال هذه المناطق هاجروا إلى المدينة. وهي محرومة من التعليم وتحقيق ذاتها وتنمية قدراتها الخاصة لتكون فرداً فاعلاً في مجتمعها وقادراً على المشاركة في الحياة العامة. طبعاً هذا فيما يخص النساء العربيات في المغرب، أما الأمازيغيات، فإضافة إلى التمييز الذي يعانونه بسبب جنسهن، هناك معاناة أخرى مرتبطة بالتمييز العرقي، فلا تحصل هؤلاء النساء على أدنى حقوق المواطنة، التعليم هناك باللغتين الفرنسية والعربية، وجميع المشاريع التنموية والتعليمية التي قد تحدث لا تشملهن باعتبارهن من قومية مختلفة ولا يُجدن لغة البلد، وتتمثل حياتهن في مواجهة صعوبات الطبيعة، حيث يقطنّ الجبال، ويحتجن لتطويع أجسادهن مع هذه القساوة والجلافة ليحصلن على قوتهن اليومي.
وما يسمى معاناة في الحياة العادية أو تهميشاً واضطهاداً، يتحول في الحروب إلى قتل كامل بالمعنى النفسي والجسدي لهذا الكائن المسمى امرأة، فكم الوحشية والاستعباد اللذان يمارسان على المرأة في الصراعات يبلغ مئات الأضعاف مما تعيشه يومياً في ظل ظروف طبيعية. هذا ما نراه بوضوح بعد قيام الثورات العربية، وتحول بعضها إلى صراعات مسلحة أودت بحياة الكثيرات من النساء، وأرست قواعد جديدة للحياة وكيفية مختلفة للتعامل مع الوضع الطارئ، فموت الرجال أو فقدانهم بالحرب جعل المرأة المسؤولة الأولى والأخيرة عن حياة أبنائها وحياتها، وعن تأمين مأوى لهم وإطعامعم وإبقائهم على اتصال، مهما كان ضئيلاً، بالمدرسة والتعليم.
أضف إلى ذلك النزوح والتهجير والهروب من الموت من زاوية لأخرى، ومعاناة النساء الحوامل أو الوحيدات في حماية أنفسهن، والأسوأ من ذلك هو التمييز المبني على النوع الاجتماعي والعقلية الذكورية، التي تعتبر جسد المرأة أداة لإهانة الخصوم السياسيين والعسكريين مما يجعل من الاغتصاب جريمة واسعة الانتشار في ظل الصراعات والنزاعات.
وحتى في مرحلة ما بعد الصراع، فإن الصعوبات والعقبات تقف أمام النساء في محاسبة المنتهكين، إذ ينظر لهذه الحالات على أنها تزعزع الاستقرار وتهدد المستقبل، فتصبح النساء في هذه الحالات عدوات للسلام والمصالحة.
والأمثلة أكثر من واقعية وموجودة على اضطهاد المرأة في الحروب وتهميشها واعتبار هذا الاضطهاد انتصاراً على الخصم، نستطيع أن نرى ذلك جلياً في أفعال “داعش” أو ما يسمى بدولة الإسلام في العراق والشام، فقد كان الأهم عند الدواعش، هو الحصول على النساء، كي يكون هناك دافع دائم أمام الرجال الدواعش، لذا اجتهدوا في توفير النساء، وبطرق مختلفة، عبر الخطف، أو الغزوات على المدن وسبي نسائها.
كثيرات من النساء ممن تحررن من معتقلات داعش تحدثن عما مورس عليهن من أفعال، حيث اقتصر دورهن على إشباع رغبات الرجال الجنسية تحت مسمى “جهاد في سبيل الله”، بالإضافة لعمليات الاغتصاب والتنكيل بالنساء التي يمارسها هذا التنظيم، فعمليات السبي والاغتصاب الجماعي الذي يمارس على النساء بتهمة أنهن كافرات وغير مسلمات، لا يمكن وصفه أو تقبّل حدوثه، ففي الموصل قام تنظيم داعش بسبي المئات من النساء الإيزيديات، ونقلهن إلى أماكن خاصة بهم، واستعمالهن في عمليات الخدمة، وكن يغتصبن أمام أزواجهن ويقتلن دون أي رادع.
أما النساء القاطنات في المناطق التي يحتلها هذا التنظيم، فهن محرومات من الخروج من منازلهن إلا برفقة رجل، ومحرومات أيضاً من كافة الحقوق الأخرى من تعليم وعمل وممارسة حياة طبيعية.
بالطبع لا تقتصر هذه الأفعال على تنظيم الدولة الإسلامية، فجميع الأطراف المشاركة في الحرب تقوم بذات الأفعال، لكن بطرق مختلفة وهمجية أقل ربما، لكن داعش سيق كمثال لأسوأ الممارسات التي قد تتعرض لها النساء.
المرأة إذن أداة فقط للرجل، مهما كانت عقليته وسلطته، دينية أم سياسية أو حتى اجتماعية تتمثل بكونه زوجاً، فله الحق بأن يفعل بها ما يشاء، طالما أنه ما من قانون يمنعه من ذلك ويعاقبه.
والمرأة حتى في الظروف الطبيعية لا تعاني العنف الجسدي فقط، بل تتعرض بشكل يومي لأشكال مختلفة من العنف اللفظي من قبل الزوج أو الوسط المحيط.
أما عن عنف الشريك المقرب، فتعاني النساء في غالبية المناطق العربية من وضع قانوني سيء يسمح لزوجها بابتزازها وحرمانها من أبسط حقوقها في حضانة الأطفال مثالاً، كما أنها لا تتمتع بأي حماية أو اعتراف بوجود جريمة الاغتصاب الزوجي. على العكس من ذلك، فإن بعض الدول مثل الأردن، تشرع قانون زواج المغتصب من ضحيته في مقابل إعفائه من العقوبة.
وفي لبنان أيضاً، وبالرغم من تشريع قانون لمواجهة العنف ضد النساء، إلا أن الإجراءات القانونية التابعة له، والعقلية الاجتماعية السائدة، ما تزال معوقاً كبيراً تجاه تطبيقه وتفعيله، فكلفة استشارة طبيب متخصص في إثبات الأدلة الشرعية على وجود عنف منزلي تتجاوز 600 دولار أمريكي، كما أن السلطات لا يمكنها التدخل في حوادث العنف المنزلي ما لم تتقدم الضحية بشكوى رسمية.
إن ما تعانية المرأة في المنطقة العربية يرسم صورة واضحة لمجتمعات تغوص في دوامات العنف والتمييز، تجاه نصف أفرادها، مجتمعات تنكر وجودهن خارج أطر العبودية الحديثة، فالنساء حبيسات نظرة ذكورية تتحرك في فلك الرجال، هذا الفلك الذكوري يحجب جزءاً مهماً من حلول مشاكل المنطقة بإقصائه لأوضاع النساء وتجميدهن في أطر ثابتة. بتعبير آخر تقوم مجتمعات المنطقة العربية بقمع ذاتها وتلجم نفسها عن تحقيق أي إنجازات تذكر أو تطورات تغير من واقعها من خلال استمرارها في ممارسة العنف والتمييز ضد النساء فيها.