نساء سوريا ومستقبل البلاد
موارد مالية لا تؤهل لإعادة الإعمار في سوريا (فرانس برس)

سمير العيطة/ shorouknews- تتراوح تقديرات عدد ضحايا الصراع في سوريا بين 400 و600 ألف، أي ما بين 2 و3% من السكان قبله. أغلب هؤلاء الضحايا هم من الرجال، مدنيين أو مقاتلين، بينما لا تتجاوز نسبة النساء بينهم 5%، بالإضافة إلى نسبة مماثلة من الأطفال. كما أدى الصراع إلى أكثر من مليون و800 ألف إصابة، أدى الكثير منها إلى إعاقات دائمة. كما تدلّ التقديرات أن خُمس اللاجئين السوريين في دول الجوار يعانون من إعاقات مختلفة. هنا أيضاً تبقى نسبة النساء بين هؤلاء ضعيفة مقارنة مع الرجال. بالنتيجة سيكون المجتمع السوري لما بعد الحرب ذا أغلبية نسائية واضحة عدديّاً، وبالتالي سيكون على نساء سوريا تحمّل معاناة آثار الصراع ومشقّات إعادة النهوض بالبلاد.

هذا الوضع يُعيد للذاكرة ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مع الدمار الكبير جرّاء القصف وغلَبَة النساء بنسبٍ أكبر في المجتمع. وقتها، نشأت ظاهرة ما يسمّى بـ«نساء الأنقاض»، «الترومرفراو»، اللواتي عملنَ متطوّعاتٍ لرفع مخلفات الحرب والإعمار بسواعدهن مقابل أجرٍ وبطاقات تموين في بلدٍ منكوب محتل تخطّى فيه عدد النساء بسبعة ملايين عدد الرجال، وبقي 8 ملايين إنسان دون مأوى.

احتفَت مدنٌ ألمانية كثيرة بشجاعة «الترومرفراو» وبمساهمتهن في صناعة «المعجزة الاقتصادية الألمانية»، بصورة متباينة بين شرق ألمانيا وغربها. لكن الساسة والمجتمع حاولوا إعادتهن إلى الدور التقليدي الأسري.

ورغم انخراط النساء الكبير في قوة عمل إعادة الإعمار وتحمّلهن عبء الأُسر المعيشي، وما رآه به كثُر أساساً لتحرّرهن؛ لم تُصبِح المساواة بين المرأة والرجل في ألمانيا الغربية واقعاً سوى في تعديلٍ للقانون المدني عام 1958 وفي دستور 1959. كان الرجل قبل ذلك قوّامٌ على إرث الزوجة الخاص وعلى الأولاد وحده.

ليست ألمانيا هي الحالة الوحيدة التي شهدت انطلاق تحرّر المرأة وحصولها على الحقوق بُعَيد حرب ومن خلال المساهمة فى إعادة الإعمار. لقد تزامن النضال من أجل حقوق المرأة (في الاقتراع وغيره) في الولايات المتحدة مع النضال من أجل إلغاء العبودية بُعَيد الحرب الأهلية الأمريكية وفي سياق إعادة الإعمار هناك. لكن لم يتم احترام المساواة إلا عبر نضالات محلية تحقّق إنجازات في ولايةٍ تلو الأخرى كي تأتي نهاية الحرب العالمية الأولى أخيراً بحقّ الاقتراع الدستوري للنساء (التعديل 19).

إن الحروب والكوارث، رغم آلامها ومآسيها، خلَقَت دوماً فرصاً لكي تصل النساء إلى المساواة والحقوق، كفئاتٍ أخرى من المجتمع. وهذا يأتي من كون أنّ المرأة تأخذ من جرّاء ظروف الحرب دوراً اقتصادياً وريادياً أكبر لكثيرٍ من الأسر. إذ لا حرية حقيقية للمرأة دون استقلاليتها المادية. لكن هذه الصيرورة ليست حتمية. فها هنّ النساء الإندونيسيات بعد التسونامي الكارثي يعدنَ إلى مناخٍ محافظ أكثر من ذي قبل بتوجيهٍ من المصادر التي أغدقت أموال المساعدات.

فماذا عن نساء سوريا؟

بعد أن تراجعت مشاركة النساء في قوة العمل خلال العقد الذي سبق الانتفاضة، نتيجة لتسارع هجرة الريف إلى المدينة والسياسات الحكومية، لمستويات أدنى من تلك الأضعف عالمياً فى البلدان العربية، أَخرَجَ الصراع الدموي نساء ريفيات أكثر من قوة العمل بسبب واقع النزوح والهجرة لعائلات كاملة.

بالمقابل أدى تدمير المدارس والنزوح والهجرة إلى تقلّص عمل المرأة فى أوسع نشاطين لها، أي التعليم والصحة. وهذا التقلّص لا يعوضّه كميّاً انخراط بعض النساء الحضر أكثر في نشاطاتٍ اقتصادية واجتماعية. خاصةً أنّ الرجال تواجدوا على جبهات القتال مع هذا الطرف أو ذاك، وأصبحت النساء في كثيرٍ من الأحيان معيلاتٍ للأسر. إنّ التوسع الأخير في أعمال النساء لا يعوِض إلا جزءاً يسيراً من تقلّص فرص النشاط الاقتصادي للمرأة خلال الحرب.

بالتالى ليس واضحاً إن كانت المرأة السورية ستكسب استقلالية اقتصادية بشكلٍ واسعٍ بعد انتهاء الصراع. خاصةً أنّ النساء لم يشاركنَ في الإنتاج زمن الحرب بالقدر الذى عملت فيه نساء ألمانيا أو أمريكا أثناء فترات الصراع. ثم أنّ السلطة الحالية وقوانينها العقاريّة لما تسميه «إعادة إعمار» لا تبالي بحقوق السكن في العشوائيات التي كانت منتشرة بشكلٍ كبير قبل الانتفاضة وهي التي أصابها الدمار الأوسع. وما يعود أثره على النساء بشكلٍ واسع. كما كانت السلطة القائمة لا تبالي أيضاً بخلق فرص عمل للنساء اللاتي أُجبِرنَ على الهجرة من الريف.

بالتوازي ستبقى القوى المحافظة تُناهض المساواة بين المرأة والرجل بحجّة الحفاظ على الأسرة والأعراف الموروثة. وللتذكير كانت قد أصرّت في مؤتمر القاهرة 2012 على إزالة تعبير «الدين لله والوطن للجميع» من نصّ «العهد الوطنى» لسوريا المستقبل، وكذلك أصرّت على إضافة «بما يتناسب مع الثقافة المجتمعية» في مجال ضمان المساواة بين المرأة والرجل. والأسوأ سيكون إذا حاولت بعض الدول فرض أجنداتها في سياق تمويل إعادة الإعمار.

***

إن معظم الدراسات وتوجّهات الأمم المتحدة عن حالات إعادة الإعمار بعد الحروب تتفِق أنّ أفضل السبل والنتائج تأتي حين يقوم أبناء البلاد وبناتها هم أنفسهم بإعادة الإعمار. والفرق شاسعٌ في إعادة بناء اللحمة الاجتماعية والسلام بين تشييد آلاف الوحدات السكنية من قبل شركة خارجية تُشغِّل عمّالاً أجانب من دولٍ فقيرة، وبين أن يقوم الأهالي بذلك. إذ إنّ القضية لا تخصّ الحجر فحسب بل أيضاً وأساساً إعادة ترميم النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما التراثي مثلما هو الحال بالنسبة لوسط حلب وحمص. ولرجال ونساء المناطق المُهَدَّمة تعود خيارات إعادة الإعمار.

خيارات دور نساء سوريا مع بروز أفق نهايات الحرب تعود في الحقيقة لنساء سوريا وحدهن، انطلاقاً من الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي سيُرافق هذه المرحلة. وعليهن اختيار شكل مساهمتهن الاقتصادية مع توقّف دفق أموال الحرب على المقاتلين وتصاعد الضغوط المعيشية على جميع الأطراف للرضوخ لرغبات الدولة الداعمة لها. وهن سيخترنَ سبل المساهمة في كيفية إعادة التواصل الاجتماعي بين مناطق تخندّق أهل كلّ منها في ذهنيته الخاصة.. وأوهامه.

وفي المحصلة ستقع على كاهلهن المهمّة الصعبة في اختيار كيفية حشد جهودهن كنساء لكي يكون لهن صوت في صنع سوريا ما بعد الحرب. فلا حقوق تؤخَذ دون فعل جماعي.

ليس الأمر حقّاً نسبةً من التمثيل النسائي في هيئةٍ ما، بل الأمر كلّه في القدرة على حشدٍ نسائيٍ يتجاوز «الهويات القاتلة» حول قضية تخصّهن مباشرة أولاً وأخيراً.

موارد مالية لا تؤهل لإعادة الإعمار في سوريا (فرانس برس)

موارد مالية لا تؤهل لإعادة الإعمار في سوريا (فرانس برس)

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015