نماذج متباينة للمرأة في الدراما السورية
دراما رمضان 2023

وائل العدس/alwatan- يحتفل العالم أجمع اليوم بعيد المرأة العالمي، وهو احتفال سنوي في الثامن من آذار من كل عام، ويرتكز على احترام وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها المتعددة.

وعادةً ما تقترن حرية الإبداع بالمسؤولية، وغالباً ما تمنع الأعمال الفنية من العرض في دول العالم إذا تعارضت مع قيم ومبادئ المجتمع، لأنها تصبح بلا قيمة حينذاك. ولأن الدراما تلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية السورية، وقادرة على التأثير في فكر وثقافة الناس، وأن تهبط أو ترتقي بمستواها الفكري، فكيف لها أن تقدم نماذج سلبية مشوهة عن المرأة السورية؟

وإذا افترضنا جدلاً أن الدراما وحدة تعارف بين الشعوب، فإن بعض ما يعرض على الشاشات لا يليق بنسائنا السوريات، وينقل صورة غير حقيقية للعالم الخارجي. صورة المرأة في الدراما تعكس تناقض المجتمع، فهي دائماً تتحايل بوساطة أنوثتها وجمالها للحصول على حقها في الحياة وقد تفشل رغم ما تقدمه من تنازلات، فلا هي احترمت نفسها وقامت بدورها خلف الرجل وليس أمامه، ولا هي استطاعت أن تحقق ذاتها وتكون امرأة مستقلة قوية.

إذاً.. هي متسلطة أو مقهورة.. خائنة ومادية وسطحية وشريرة ومحطمة.. هذه بعض نماذج المرأة في درامانا المحلية:

الدراما قدمت نماذج نسائية متباينة بين المرأة المطلقة والمعيلة والأنانية والمسيطرة والقيادية وربة المنزل والمرشدة والعانس والطباخة والمريضة والمقهورة والخادمة والطالبة والمراهقة واليتيمة والعاملة والشابة والطموحة والغنية والفقيرة.. إلخ.

الدراما النسائية

موسماً بعد آخر، تتزايد المسلسلات المعنية بالمرأة في الدراما السورية بشكل كبير وملحوظ فيما بات يسمى «الدراما النسائية».

سابقاً، حصدت عدة أعمال تنتمي إلى هذا النوع نجاحات باهرة، منها «أشواك ناعمة» عام 2005، و«بنات العيلة» عام 2012، إضافة إلى «جلسات نسائية» 2011 و«ورود في تربة مالحة» 2002 و«ندى الأيام» 2006 و«صبايا» 2009 و«وحدن» 2018. وكل هذه الأعمال طرحت مشاكل المرأة بشكل سلس وبسيط وإن اعتمد بعضها أحياناً على البهرجة في حدها المقبول.

أما مسلسل «خواتم» عام 2014 أظهر النساء بشكل آخر حيث يحكي العمل قصة مجموعة من الفتيات المعنّفات اللواتي تتبناهن إحدى الجمعيات وتعتني بهن لكي تخدم كل منهن هذه الجمعية بمهنتها، خاصةً أن الجمعية تخفي شبكة سرية وتأمرهن بأفعال مشينة، فنرى مثلاً فتاة موظفة في بنك وتهرب الأموال وتسرقها، وأخرى قاتلة مأجورة، وواحدة فتاة ليل، مع غياب واضح للفتاة الإيجابية حتى لو كانت يتيمة أو مشردة أو «مقطوعة من شجرة».

أما «صرخة روح» الذي ساهم في تأليفه وإخراجه أكثر من كاتب ومخرج والذي أنتج منه خمسة أجزاء، فيدور في أفق واحد هو الخيانات والعلاقات المحرمة مع الاعتماد على محاكاة الغرائز وإقحام الحوارات اللامعة والمثيرة.

صور سلبية

من الملاحظ أن صناع الدراما- ربما بمعزل عن منطلقاتهم الفكرية- باتوا يمنحون المرأة مساحة أوسع، لتكتسح البطولة النسائية أعمالهم ولو كان ذلك على حساب الموقع الفعلي للمرأة في سياق النص الدرامي.

لكن في الوقت نفسه حاولوا فرض صور سلبية عن المرأة السورية وتعميمها على أنها الصورة السائدة في المجتمع التي لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن مجتمعنا الذي مازالت تحكمه عاداته وتقاليده المحافظة، فظهرت المرأة في الدراما المعاصرة وكأنها محاصرة في أدوار الزوجة الخائنة أو فتاة الليل، فقُدمت بصورة مخزية لا تليق بالمرأة السورية بعدما باتت تركز على مشاهد خادشة للحياء وتميل إلى الاتجاهات الجنسية، فضلاً عن الاهتمام بعرض المرأة من خلال المداخل المادية والجسدية فقط، واستخدامها مادة لإثارة الغرائز والفتن‏.

وكان من المفترض تجنب الدخول بمتاهات كنا بغنى عنها لعدة أسباب، أهمها انخراط عدد كبير من المثقفات في العملية الدرامية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، ما يعني أن المرأة ترسم صورتها بنفسها وتطرح قضاياها وتدافع عنها!

خلال السنوات القليلة الماضية، لم تتعرض الدراما للقضايا والمشاكل الحقيقية للمرأة، بل رسخت حالة من الرفض لنموذج المرأة الطبيعية مغيبة بذلك العناصر التي تعلي من قيمة المرأة وأهميتها في المجتمع، فالعمل الدرامي يجب أن يقدم صورة صادقة عن المرأة في المجتمع، وأن يناقش همومها ومطالبها ومعاناتها من دون حصرها في نماذج نمطية.

خلال السنوات الأخيرة تجاهلت الدراما إنجازات المرأة السورية على الصعد كافة، وباتت تركز فقط على السلبيات وتحاول تعميمها.

التجاهل بات واضحاً للمرأة الأم التي تتعب وتسهر على راحة بيتها وأولادها، والمرأة الطبيبة التي تسهر وتكد وتتعب من أجل مرضاها.

ويرجع ذلك ربما لاستسهال بعض الكتّاب في طرحهم للموضوعات لأن السلبيات تنتشر بسهولة، على حين تفشل النماذج الإيجابية بفعل ذلك على اعتبار أن النفس البشرية تتطلع دوماً لما هو غريب وغير مألوف.

البيئة الشامية

معظم أعمال البيئة الشامية تسوق للمرأة على أنها تابعة للرجل وبلا قيمة وهي عادة مختصة بأعمال المنزل فقط ويستطيع الرجل في أي وقت أن يطلقها ويتزوج غيرها.

بل صورت المرأة على أنها عبدة للرجل، وهذا الذي لم يكن موجوداً قديماً بل كانت تناقش وتعقد أحياناً ندوات فكرية وكان لها دور مؤثر وفعال في تربية الأجيال.

وكثيرة هي المسلسلات التي ركزت على صورة المرأة الضعيفة والمستسلمة والمطواع.

في الوقت نفسه حققت بعض أعمال البيئة الشامية على عكس المتوقع انعطافاً مهماً من خلال إعطاء المرأة أدواراً أكثر تفتحاً وعطاءً، لنرى المرأة العاملة والمقاومة والمساندة لزوجها، وإن انحصرت في بعض الأماكن في الإرادة الذكورية التي تعتبر المرأة جزءاً من ممتلكاتها الخاصة وفي إبقائها مرتهنة تحت سلطته، ما جعل العرب يعتقدون أن المرأة الشامية مغلوبة على أمرها ومهضوم حقها وأن زوجها هو السيد المطاع.

حاولت بعض الأعمال إنصاف المرأة، بمحنها أهمية الرجل نفسها بل تفوقت عليه في العطاء والحب، كما توازيه في الحكمة والعقل، فكانت في «بواب الريح» 2014 المثقفة والمقاومة للاحتلال، والممرضة في «الغربال» 2014، والمرأة المتعلمة والسياسية والأديبة والصحفية، والمرأة التي قادت التظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي في «طوق البنات» (أنتج جزؤه الأول عام 2014).

في مسلسل «حرائر» 2016 تم تسليط الضوء على واقع النساء السوريات في تلك الحقبة الزمنية من خلال قصة امرأة مكافحة ترفض الظلم وتطالب بحقوقها التي لا يعترف بها المجتمع المحافظ ما أجبرها على خرق القوانين لتثبت ذاتها، بل صور المرأة بصورة مختلفة أعادت اعتبارها.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

دراما رمضان 2023

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015