حليمة القعقور/ جريدة (النهار) اللبنانية- هي المرأة التي إن عبّرت عن رأيها وعارضت في السياسة، الردّ عليها يختلف عن الردّ على الرجال. طبعاً هي امرأة، ولا يحقّ لها أن تنتمي إلى عالم السياسة، ولا يحقّ لها أن تشارك إلا برضى الرجل (زعيم الحزب، زعيم العائلة، زعيم الطائفة…).
ليست مصادفة أن هؤلاء الزعماء هم كلهم من الرجال، لأنّ النظام الطائفي والعشائري هو نظامٌ ذكوري بطبيعته، حيث لا تجد زعيماً لعشيرة، أو لطائفة، أو لعائلة، إلا إذا كان رجلاً.
محاربة المنظومة الذكورية، تترافق مع محاربة الأنظمة العشائرية، القبلية، والطائفية.
تبقى المشاركة السياسية للمرأة هي التحدّي الأول لتحقيق الديموقراطية الشاملة (Inclusive Democracy) في كلّ الدول.
كثيرةٌ هي المعوقات التي تمنع النساء من المشاركة في اتخاذ القرار على الصعيد السياسي، منها المعوقات الإجتماعية، الإقتصادية، السياسية، الإعلام، وغيرها.
من هذه المعوقات، العنف ضدّ المرأة في السياسة (Violence Against Women in Politics VAWP) الذي من شأنه الحدّ من زيادة النساء الناشطات في الحقل السياسي، عبر ترهيبهنّ وتخويفهنّ، وهذا في حدّ ذاته يمثّل إنتهاكاً لحقّ المرأة في المشاركة السياسية المنصوص عليه في العديد من الإتفاقات الدولية (سيداو المادة 7، العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المادة 25)، كذلك قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 166\130 سنة 2011.
إنّ العنف ضدّ المرأة في السياسة (VAWP) يعني كلّ أنواع العنف: عنف جسدي، معنوي، جنسي، أو إهانات وإعتداءات ذات طابع جنسي بهدف إزدراء المرأة، الحطّ من قدرها، النيل من كرامتها، تسخيفها أو ترهيبها.
إنّ العنف ضدّ المرأة في السياسة، يتوجّه ضدّ الناشطات، المُرَشّحات، النائبات والوزيرات، الصحافيات، الناخِبات، ويحصل داخل العائلة في الحيّز الخاص، وكذلك في الحيّز العام مثل وسائل الإعلام، مواقع التواصل الإجتماعي، الأحزاب السياسية، وغيرها.
كلّ إساءةٍ تتعرّض لها المرأة في السياسة لكونها امرأة، هو عنفٌ ضدّ المرأة في السياسة.
الردّ الذي تُواجَه به المرأة حين تتكلم في السياسة، يحصل غالباً بالتعرّض لسمعتها، شكلها، و”شرفها”، مع التحفّظ عن كلمة “شرف” التي تنحصر غالباً في جسد المرأة، بدلاً من أن يكون الردّ عليها في السياسة، في السياسة بالذات.
هناك تقاريرٌ ودراساتٌ تؤكّد أنّ النساء في السياسة يتعرّضن للعنف في السياسة أكثر بكثيرٍ من الرجال (أكثر من الضعف)، كما تتعرّض النساء لنوعيةٍ مختلفة من العنف. إنّها ليست حالة خاصة ضدّ النائبة اللبنانية بولا يعقوبيان. نسبة 81.8% من النساء البرلمانيات تتعرّض للعنف المعنوي (Inter-Parliamentary Union IPU 2017 study).
النساء في السياسة يتعرّضن للعنف والترهيب لأسبابٍ كثيرة أهمّها، عدم تطابق الوظيفة السياسية مع دورها الجندري الذي يحصر اتخاذ القرار في الشأن العام بالرجل.
تأتي مشاركتها السياسية، وخصوصاً إذا كانت مشاركةً حرّة، في إطار تهديد النظام الأبوي (Patriarchal) وسيطرة الرجل في المجال السياسي.
لذلك، “يجب” أن تُعاقَب المرأة لمخالفتها الدور المنسوب إليها، ما يحتّم عليها إمّا الاكتفاء بدورها التقليدي كامرأة وإمّا مساعدة الرجل في المجال السياسي عبر الإلتحاق بماكينته الإنتخابية ومساعدته في حملاته وملفاته السياسية. الأهم أن تطيع الرجل وأن تنتخب كما يريد.
يُمارَس العنف والضغط ضدّ المُرَشّحات، ضدّ الصحافيات اللواتي يرفعن الصوت، ضدّ المُنتَخِبات، والناشطات.
إذا كان العنف ضدّ المرأة بشكلٍ عام يطال أكثر النساء الفقيرات والأكثر ضعفاً، فإنّ العنف ضدّ المرأة في السياسة يطال أكثر السيدات ثقافةً وقوةً (SAPI/International IDEA, 2008 ).
بالإضافة إلى أسبابٍ عدّة، منها ضعف مؤسسات الدولة، الذكورية، كره النساء اللواتي يخرجن عن دورهن التقليدي (Misogyny)، عدم المساواة في الإقتصاد، ضعف القضاء، ضعف الديموقراطية…
خطيرةٌ جداً هي تداعيات العنف ضدّ المرأة في السياسة، وكلفتها عالية على الديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.
إنّ العنف ضدّ المرأة في السياسة يؤدي إلى خفض عدد النساء اللواتي يرغبن في خوض غمار السياسة، بما يُفضي إلى استبعاد نصف المجتمع عن الحكم، وإلى إنتهاك حرية الإنتخابات وديموقراطيتها عبر الضغط الذي يُمارس على الناخبات من أجل الرضوخ لإملاءات الزوج أو الأب أو الأخ أو زعيم العشيرة والعائلة.
كما يؤدّي العنف ضدّ المرأة في السياسة إلى ضرب الديموقراطية الداخلية في الأحزاب عبر تهميش هذه المرأة وتسخيفها وترهيبها على أيدي بعض الرجال، وخصوصاً المرأة المثقّفة التي تبرز طاقاتها وقوتها وقدرتها على التنافس.
أن تكوني امرأةً في السياسة، فأنتِ تخالفين العُرف الثقافي، وتستحقين الإهانة والإستخفاف.
أن تكوني امرأةً مُعَارِضة في السياسة، فهنا أنتِ تتجاوزين كلّ الحدود، وعقابكِ “يجب” أن يكون قاسياً.
إن من يمارس الترهيب ضدّ النساء في السياسة، عبر التكلّم عن سمعتهن ومحاولة حصر صورتهن بالجانب الجنسي (sexual object) فهو لا ينتهك فقط حقّ المرأة الفردي في المشاركة السياسية من دون عنفٍ وتمييز، بل ينتهك حقّ كلّ النساء في المشاركة السياسية، لأنّ المرأة ستخاف الدخول في السياسة بسبب رؤيتها العنف المُبَرمَج ضدّ النساء الأخريات، وهذا يؤدّي بدوره إلى تقويضٍ كبير للديموقراطية.