تونس/ الإمارات اليوم- شهد مهرجان المسرح العربي، الذي تستضيف تونس فعاليات دورة تمام عقده الأول، عملين نسائيين بامتياز، ليس فقط بكامل شخصياتهما النسائية، بل أيضاً بمؤلفتيه ومخرجتيه، وهو العرض السوري «هن»، والعرض الأردني «اوركسترا»، اللذان حظيا بمشاهدة جيدة من جمهور المهرجان، في ليلة مطيرة وقارسة البرد لم توائم حرارة عرضين تطرقا إلى «الحرب» و«الحب».
على مسرح الريو بالقرب من ساحة الحبيب بورقيبة، كان الجمهور على موعد مع العرض السوري الذي الذي كتبته وأخرجته، آنا عكاش، واعتمدت فيه على خمس ممثلات، لم يخذلنها بالفعل بأدائهن المتزن، باستثناء واحدة منهن تعرضت لحالة مرضية طارئة، فوجدت عكاش نفسها مضطرة للقيام بدورها، ليكتب لها أن تجمع رغماً عنها بين ثالوث الإخراج والتأليف والتمثيل.
وتجاوز العمل السوري فكرة استدرار قصة من حالة الحرب واللاسلم، التي تسود معظم المدن السورية، إلى الاشتغال على فكرة أن المرأة هي مرآة معاناة الحرب، في حين غاص العمل الأردني في ثمار حالات حب عاشتها خمس نساء، قبل أن يصبحن مقيمات في دار لرعاية العجزة والمسنين، لتكون المرأة قاسماً مشتركاً بين العملين.
وكما جاءت الأحداث في سورية غير خاضعة لأي مسلّمات، نفضت مخرجة العرض السوري الإيمان بمسلمات صناعة العمل المسرحي، ولم ترسم حتى في مرحلة الكتابة أدواراً وشخصيات بالمعنى التقليدي، حيث غابت عناصر الصراع بين الشخصيات والحوار، لمصلحة المونولوج، والاستدعاء من الذاكرة، وكأننا أمام خمسة مشاهد مجمعة لنسوة يروين معاناتهن، رغم أنهن في محيط واحد، ومصاب واحد، ينفتح عليه المشهد الذي يحيل إلى حالة عزاء.
السرد الحاضر من ذاكرة النسوة، يتقاطع مع صور تتحول في توقيتات مقصودة إلى فيديوهات تستدعي مشاهد حقيقية، وكأنها محاولة للتغلب على مشكلات غياب عنصر الحوار، لتبقى الأزمة على الخشبة، كما هي في الواقع، متمثلة في استمرار الحرب التي جعلت جميع سكان بيتهن نساء بعد غياب الرجال، إما موتاً في الحرب أو سفراً بحثاً عن «اللجوء».
«المرأة هي مرآة الحرب» عبارةٌ تؤكدها مخرجة العمل، باعتبارها الحاصد الأول لثمارها المريرة، فما بين شابة فقدت حبيبها، وزوجة أرملة، وأم ثكلى فضلت أن تفتقد ابنها الآخر لاجئاً بدلاً من أن تفتقده ضحية لحروب لا تهدأ، تبدو النسوة معتادات على مشاهد تأبين موتاهن، حيث «لا تجمعات لهن مع الضيوف إلا لاستقبال النساء المنتحبات المقدمات واجب العزاء». رغم ذلك فإن مخرجة مسرحية «هن»، التي اقتصدت كثيراً في السينوغرافيا والمؤثرات الصوتية، باعتبار أن موضوع الحرب والحديث الحقيقي للنساء ربما يتجاوز أي محاولة لتضخيمه، أبت أن يكون مستدراً للتعاطف، أو تكريسه ليلوذ بالحزن الأسود، بل اجتهدت أن تجعله ساعياً إلى ترسيخ رسالة مؤداها، على ألسنة بطلات العمل: «إننا صامدات، ومصرّات على الوصول إلى غد أفضل، في الوقت الذي لا نتأكد تماماً من موعد حلول هذا الغد».
من جهةٍ أخرى، جاءت المسرحية الأردنية «أوركسترا» من تأليف سميحة خريس وإخراج مجد القصص، لتغوص في أتون العلاقة بين المرأة والرجل عموماً، وما يتبع علاقة الحب المفترضة من مآسٍ، تدفع ثمنها في الغالب المرأة. ويدور العمل حول معاناة خمس نساء في ملجأ للعجزة، يتذكرن ماضيهن وخسائرهن التي ترتبط بأسباب اجتماعية وعاطفية، مثل ذهاب الحبيب من دون عودة، أو خيانته في حالة أخرى، أو تخليه عن حبيبته، أو تردده في الارتباط لأسباب مادية، وغيرها.
وتمثل النسوة في «أوركسترا» عدداً من التناقضات، العشيقة مقابل الزوجة، المتزمتة المحافظة مقابل المنفتحة المتحررة، المناضلة مقابل صاحبة الدور السلبي، لكنّ تناغماً خفياً يجعلهن «أوركسترا» واحدة.