وارثاتٌ مع وقف التنفيذ: الهيمنة الذكورية أقوى من التشريعات
المرأة & الإرث

سوريا/sot-sy- يُعد الحرمان من الإرث واحداً من أكثر الانتهاكات التي تطال النساء شيوعاً في سوريا، وغيرها من دول المنطقة. وبرغم أن التشريعات الدينية، والقوانين الوضعية على حدّ سواء تضمن للإناث نصيباً من الميراث، فكثيراً ما تأخذ المجريات على أرض الواقع منحى آخر يُفضي إلى حرمان المرأة نصيبها، باستخدام وسائل شتى.

حين توفي والداها في العام 2008، طالبت ليلى وهي سيدة من ريف دمشق بحقها في الميراث الذي يتكون من أراضٍ، وعقار كبير. كان الإخوة الذكور قد توازعوا الأملاك في حياة والديهم، على أنه إجراء مؤقت، لكن ليلى لم تحصل حتى اللحظة على نصيبها، ولا يزال إخوتها يرفضون إنجاز إجراءات حصر الإرث بذرائع مختلفة، لم تتجرأ السيدة على معارضتها.

تُمثل قصة ليلى مثالاً عن ظاهرة مستشرية في زوايا المجتمع السوري المعتمة، يتغلب فيها الذكور، ويمارسون نوعاً من الوصاية على الأنثى باعتبارها «ضلعاً قاصراً»، وتحت هذا البند تُحرم كثيرات من الإرث عبر وسائل عديدة مثل إجبارها على التنازل، أو استثمار ممتلكاتها من دون إذنها، أو المماطلة وعدم توزيع الإرث.

الخوف من القطيعة

كثيراً ما يكون الخجل من المطالبة بالميراث أحد أهم الأسباب التي تمنع الأنثى من الحصول على حقوقها، كما يعد الخوف من التعرض للأذى، ومقاطعة الأسرة سبباً وجيهاً أيضاً.

تمتلك عائلة وداد (اسم مستعار لفتاة من ريف إدلب) مزارع زيتون، وتين، وفستق حلبي لا تزال مسجلة باسم والدها المتوفى منذ العام 2005.

تشرح وداد أن شقيقها الأكبر تسلم زمام الأمور منذ وفاة الوالد، مستغلا وفاة والدته قبل ذلك، ومرض شقيقه الأصغر. وتضيف: «منذ 17 سنة يستثمر أخي في ممتلكاتنا رافضاً الاعتراف بأي حق لي ولشقيقتي، ولشقيقنا المريض. ورغم مطالبتنا إياه مرات عديدة فإنه يرفض مجرد إجراء حصر الإرث، ويزعم أن والدنا كان قد منحه هذه الممتلكات بشكل شفوي».

تستطيع وداد أن تتقدم بشكوى إلى المحاكم الشرعية في إدلب التي تُدار من قبل حكومة الإنقاذ، تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام»، فتجبر شقيقها على توزيع الميراث وفق تعاليم الشريعة الإسلامية التي تنص على أن «للذكر مثل حظ الأنثيين». لا ترفض وداد هذه الصيغة، لكنها لا تنوي مطلقاً – بحسب ما تؤكد – اتخاذ هذا الإجراء خوفاً من انقطاع علاقتها مع أخيها، وحفاظاً على وحدة شمل الأسرة. 

«سيف» الهيمنة الذكورية

في معظم الحالات التي رصدناها، تلعب المماطلة دوراً رئيساً في تهرب ذكور العائلة، أو أحدهم، من إعطاء إناث العائلة حقوقهن من الميراث، فيصر الذكور على بقاء كل شيء على ما هو عليه، خاصة في ظل الفكرة المتجذرة: «ممتلكات الأنثى ستذهب إلى الغريب».

وكثيراً ما يستغل الذكور تفويضهم من قبل والديهم في إدارة الممتلكات للاستحواذ على الأملاك بعد وفاة الوالدين، أو أحدهما. مثال ذلك حدث مع ميساء وهي سيدة من دمشق، توفي والداها ووجدت نفسها محرومة من الميراث بقرار ضمني من أشقائها الذكور. 

توضح ميساء أن منزل العائلة كان كبيراً جداً، ما دفع والدها إلى تقسيمه على أشقائها الذكور بهدف تزويجهم. بعد وفاة والدها في العام 2012 رفض أشقاؤها تقسيم الميراث، مستغلين هجرتها مع زوجها نحو أوروبا، وهي إلى اليوم لا تعرف ما هي الإجراءات التي اتخذها أشقاؤها، «ربما زوّروا أوراق الملكية وقسموها بينهم»، تقول. 

أما عبير، وهي سيدة من ريف حلب فتروي كيف استولى أخوالها على نصيب والدتها من الميراث، وهكذا لم ترث بدورها شيئاً عن والدتها حين توفيت. تقول: «لم أرث عن والدتي لأنها أيضاً لم تتمكن من الحصول على نصيبها من الميراث.. اليوم لم أعد أفكر في هذه القضية لأنها باتت معقدة وجالبة للمتاعب».

لا يرتبط حرمان الأنثى من ممتلكات والديها بوفاتهما بالضرورة، بل يشمل أيضاً سوء توزيع الوالدين للمال أو الممتلكات وهما على قيد الحياة، ومنح الذكر النصيب الأوفر، وقد تُحرم الإناث، مثلما حدث مع شفيقة، وهي سيدة من ريف حماة. 

تروي السيدة كيف باع والدها أرضاً كبيرة كان يمتلكها، ووزّع ثمنها على أشقائها الذكور بذريعة أنهم «مقبلون على الزواج». وتضيف: «لم أحصل على ليرة واحدة، وكان هذا الأمر ظالماً، لكنني لم أتجرأ على الاعتراض فالمجتمع لا يسمح بهذا النوع من المطالبة بالحقوق». 

الغصب والإكراه

أيضاً، قد يستغل بعض الورثة فرصة الصراع في سوريا، وهجرة بعض الأفراد ممن يشاطرونهم الميراث لوضع اليد على حصص المغتربين، خاصة إذا كانوا معارضين، وتمنعهم أوضاعهم الأمنية من العودة إلى سوريا. 

آمنة سيدة من دمشق تعرضت للاستغلال من قبل أشقائها الذين استغلوا كونها مهجرة في إدلب. تقول إنها لم تستطع منع أشقائها من بناء منازل جديدة على أفضل أجزاء قطعة الأرض التي تتشارك معهم امتلاكها. وتضيف «تركوا لي الجزء الخلفي الذي لا يمر من جانبه أي طريق.. قطعة الأرض التي قرروا أنها حصتي ليست صالحة للسكن، وسعرها بات متدنياً جداً».

وفي بعض الأحيان قد يكون التهديد بالسلاح وسيلة تحرم المرأة نصيبها من الإرث، أو التنازل عن شيء تمتلكه بالفعل. يؤكد تقرير لموقع «سيريا ريبورت» نُشر في آب/أغسطس الماضي وجود حالات عديدة سُجل فيها لجوء الأزواج إلى التهديد باستخدام السلاح لإجبار نسائهم على التنازل عن عقارات يملكنها. ويساهم بذلك انتشار السلاح العشوائي، وضعف وسائل الردع والحماية المتاحة للنساء.

يقول عمار عز الدين، وهو «مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار» في هاتاي لـ«صوت سوري» إن «حقوق النساء في سوريا تضيع بين ثالوث القانون التمييزي، والثقافة الذكورية، والسياسات الحكومية الإقصائية»، ويضيف: «رغم توقيع دمشق على اتفاقية سيداو، وتعديلها لاحقاً قانون الأحوال الشخصية بالقانون رقم 4 للعام 2019، تظل هذه التعديلات خجولة، ولا ترقى إلى حد رفع الظلم عن المرأة، ومعاملتها على قدم المساواة مع الرجل».

مع ذلك؛ يؤكد عز الدين وجود حلول قانونية يمكن أن تلجأ الأنثى إليها، في حال تنازلها عن الحصة الإرثية بالإكراه. 

تنصّ أحكام المادة 128 من القانون المدني على أنه «يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس».

وتشرح الفقرة التالية من المادة ذاتها أنّ الرهبة تكون «قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تُصور للطرف الذي يدعيها أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده، هو أو غيره، في النفس، أو الجسم، أو الشرف، أو المال». كما «يُراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه، وسنه وحالته الاجتماعية والصحية، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الإكراه»، وفق المادة ذاتها. كما استقر الاجتهاد القضائي على أن العقود المسجلة في السجل العقاري تخضع للقواعد العامة للعقود، ولا شيء يحول دون الادعاء بصوريتها وإثبات حقيقة الملكية.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

المرأة & الإرث
المرأة & الإرث

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015