“أنا لا أعمل، أنا أميرة”.. كيف التهمت باربي طفولتنا
كيف التهمت باربي طفولتنا؟

مناهل السهوي/no2ta- كانت السعادة في طفولتي، ككلّ الفتيات، هي الحصول على دمية بشعر أشقر وجسدٍ نحيل، لطالما تأملتُ جسد الباربي النحيل، صدرها المثالي وشعرها الأشقر الناعم، كانت الدمية تجسيداً لكلّ ما تحلم طفلة مثلي أن تكونه. تطورت باربي مع الأيام وامتلكت ميزات إضافية كالأثواب المنفوخة والملونة والمرصعة بالمجوهرات والحُلي وأدوات التبرج والتيجان، اليوم وحين أنظر لطفولتي أدرك أن باربي التهمت طفولتي وغيّرت من شخصيتي ونهشت هويتي لتصنع واحدة تشبهها، نعم التهمتنا باربي من دون أن ندري.

كبُرَت ملايين الفتيات، منتظرات رجلاً يمنحهن الرفاهية، لم تفكر الفتيات بالعمل الجاد والاستقلالية لأنهن اعتقدن أن على الأمير توفير كل ذلك، كما حصل مع سندريلا تماماً، تتمحور حياة ملايين الفتيات حول انتظار الرجل المنقذ، لذلك يقضين حياتهن وهن يتكلمن عن ليلة الزفاف المنتظرة، أعرف فتيات بدأن في تجهيز جهاز العرس والذي يتضمن بعضاً من فرش المنزل وثياب النوم قبل تعرفهن على الشاب الذي سيتزوجن به حتى، ولسن مذنباتٍ في ذلك، إذ أن سلوكهن فُرِض عليهن طوال سنوات. تتحمل آلاف الفتيات العنف والألم من رجالٍ قبيحين من الداخل لاعتقادهن أن كلّ الوحوش تتحول إلى أمراء في النهاية كما قصة الأميرة والوحش، وهكذا انتظرنا الأمير وقُبلَته ليوقظنا من سباتنا ونسينا حياتنا الحقيقية والآن علينا أن نصلح كلّ التشوه الذي أحدثته فينا قصص أميرات ديزني.

ولأن أجيالاً من الفتيات كبرت مع هذه الدمى المثالية، يمكن القول إننا نواجه حرب الأميرات التي تستهلك طفولة الفتيات وتحدد مقاس أحلامهن حتى تحولت إلى أحلام بحجم جسد بلاستيكي. لم يدرك آباؤنا وأمهاتنا خطورة أن نمضي طفولتنا مع لعبة مثالية لا تشبهنا، مثل الكثير من الآباء اليوم، لم يعيروا بالاً إلى أننا نمضي وقتاً طويلاً مع لعبة ومجوهراتها المزيفة وأدوات تبرجها وفساتينها الملونة، وهكذا كبرنا ونحن نريد أن نكون باربي، امتلأت رؤوسنا بقناعات هشّة، بأن الجمال هو المساوي للنجاح وأن الجسد الممشوق هو الذي يحدد من سنكون عليه، حتى الآن، عندما يريد البعض وصف فتاة جميلة يقول: “مثل الباربي”.

كان، ومازال، صراع الفتيات مع صورة الجسد المثالي شائعاً، وبخاصة في سن ما قبل المراهقة وبحسب عدد من الدراسات ترتبط علاقة الفتيات الصغيرات مع دمى باربي وأميرات ديزني بنتائج طويلة المدى تشمل اضطرابات الأكل والاكتئاب، إذ أن عمر الفتيات من 6 إلى 11 عاماً هي فترة شديدة الحساسية عندما يتعلق الأمر بتنمية صورة جسم الفتيات، في هذا العمر وبتأثير من الدمى المثالية، تبدأ الفتيات في استقبال نموذج الجسم النحيف للغاية وغير الواقعي، وبناء عليه يبنين تصورهن عن أنفسهن وهو تصور غير واقعي أو منطقي حتى، إذ أن التعرض المتكرر لنوع معين من المثالية سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة تفضيلك له، بخاصةٍ عندما يقترن هذا الجسم المثالي بصور الثروة والسعادة والنجاح. 

في كتابها سندريلا أكلت ابنتي، تتحدث الكاتبة الأميركية بيغي أورنستين عن الصراع الذي ينشأ عندما تبدأ ثقافة الألعاب في تحديد هوية الفتيات الصغيرات، ما يسبب صراعاً للأم على المستوى الشخصي مع القيم التي تريد غرسها في ابنتها وكيف تتعدى أميرات ديزني ورسائل الهوية التي يرسلونها للصغيرات على هذه القيم، وهكذا ترسخ فينا هذه الألعاب مفاهيم مشوهة، إذ تقنعنا أنه يمكننا التفوق في المدرسة وممارسة الرياضة والذهاب إلى الكلية والحصول على وظائف وأن نكون أمهات عاملات وما إلى ذلك، لكن في المقابل، يجب أن نهتم بوجوهنا ووزننا وحجم الثدي وماركات الملابس وتربية الأطفال وإرضاء الرجال، وكأن النساء، لا شعورياً، يعتذرن للرجال على الاستيلاء على القوة الذكورية، وعليهن تذكير الرجال بأنهن ما زلن نساء ويمكن إخضاعهن، وهكذا تتعلم فتياتنا فن إرضاء الآخرين من خلال المظهر الجميل والفساتين البراقة.

يوضح خبير صورة الجسد مارسي وارهفت نادلر ومؤلف كتاب “دليل إنقاذ تصور الجسد للأهل” أن باربي ترسل رسالة واحدة لفتياتنا مفادها:” يمكنكِ فعل أي شيء وأن تكوني أي شيء، طالما تبدين مثل هذه الدمية: طويلة جداً، نحيفة جداً، قوقازية جداً، وجميلة جداً “.

قد يرى البعض الأمر تافهاً، وأصغر من التحدث عنه، لكن الحقيقة مخيفة، إذ يمكن أن يؤدي تركيز ثقافة الفتيات على الجمال والجنس في اللعب إلى زيادة تعرضهن للمخاطر النفسية، مثل الاكتئاب واضطرابات الأكل وتشويه صورة الجسد في عقل الصغيرات والسلوك الجنسي المحفوف بالمخاطر، فلنتخيل طفلة بشعر أسود وبشرة سمراء تكبر مع لعبة شقراء وبشرة فاتحة وجسد مثالي!

إنها صناعة تقدر بمليار دولار تشكل واحدة من أخطر الثقافات على الفتيات، هذه العقلية الوردية تلاحق الصغيرات في كل مكان وحتى لو توجهت هذه الصناعة خلال السنوات الأخيرة لتغيير أشكال الألعاب بسبب الضغط التي تعرضت له، فانتجت أشكال جديدة من باربي بألوان بشرة جديدة وشعر أسود لكن تبقى هذه اللعبة شكلاً يحدد ما على الفتيات أن يكنه، وفي دراسة أجريت على عددٍ من الفتيات أكدت أن الصغيرات يرغبن دوماً بالحصول على الدمى الشقراء ذات الجسد النحيف، إذاً بات هناك حتى في اللعب فكر يحكم صغيراتنا، وربما قد يأخذ تغيير هذا الفكر وقتاً طويلاً، وهكذا يستهدف المسوقون ورجال الأعمال أطفالنا من خلال دمى ديزني وعربات الاطفال والرضع دون أن يهتموا بالمخاطر التي يتعرضون لها، إذ أن ما يهمهم هو جني المال بطريقة سهلة. 

وعندما نشتري هذه المنتجات، نقوم بتمكين هذه الأعمال، ونساهم في التسبب لفتياتنا باضطرابات الأكل وامتلاكهن لصورة الجسد السلبية وحتى افضلية الاولاد على الفتيات، لذلك، عند اختيار ألعاب الأطفال، على الأهل الاختيار بتوازن وعدم التركيز على أميرات ديزني، يجب أن يمتلك الأطفال (سواء الفتيات أو الصبيان) مجموعة متنوعة من الألعاب للعب بها، مثل الدمى وألعاب البناء وألعاب الطعام والحيوانات ولوازم الحرف اليدوية والمركبات وما إلى ذلك، لتشجيع حياة اللعب الخيالية وتوسيع أفق وأفكار بناتنا عن الحياة الحقيقية بعيداً عن المثالية المزيفة.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

كيف التهمت باربي طفولتنا؟

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015