«إيكيا» تُحيي الأمل في قلوب اللاجئات السوريات
لاجئات سوريات يعملن في مشغلٍ لـ "إيكيا" في الأردن

احتضنت شريحة منهن ضمن مشروع للعمل في إنتاج المنسوجات اليدوية بالتعاون مع مؤسسة نهر الأردن.

الأردن/ صحيفة الرأي- لأن المرأة عماد المنزل، وشمعته المضيئة التي بانطفائها ينطفئ المنزل وتبهت ألوانه، لأنها المثل الأعلى والقدوة لأطفالها والسند لزوجها، ومن دونها يصبح المنزل أعرج بلا عكاز، أسميناها نصف المجتمع، فماذا لو كان نصف المجتمع لاجئا مغتربا جريحا بسبب ويلات الحروب والدمار في بلده؟ كيف نضمد جراحه؟ وكيف نعينه على الوقوف والمضي قدما؟

هذا هو واقع المرأة السورية التي تعيش وضعا استثنائيا، ففي السنوات السبع الأخيرة، وجدنا سيدات مكافحات مناضلات سوريات، أجبرتهن الحرب في بلادهن على اللجوء للبلاد المجاورة أو حتى البعيدة، يكافحن بكل ما أوتين من عزم وقوة وبكافة الإمكانيات مهما كانت بسيطة ومتواضعة لإعالة أطفالهن وتأمين العيش الكريم لهم في ظل فقد الأب، إصابته أو حتى استشهاده، بل حتى في صحة زوجها ترفض إلا أن تقف إلى جانبه في معترك الحياة وغربتها.

ومن هنا برزت الحاجة لأن تقف الجهات الحكومية، الخاصة وحتى مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب هؤلاء النساء في البلاد التي لجأن إليها، وإعانتهن على توفير عمل كريم يستطعن من خلاله تأمين المسكن، التعليم ومستلزمات الحياة لأطفالهن، بطريقة محترمة أولا وقانونية ثانيا، بعيدا عن التسول أو الاستغلال والتعرض لأكل الحقوق أو الاضطرار أحيانا لتشغيل الأطفال وإقلاعهم عن التعليم.

في الأردن، حيث يقطن ما يقارب المليون لاجئ سوري، أكثرهم يعيش تحت خط الفقر، ينتشرون بين المخيمات والمدن والقرى، بعضهم بشكل قانوني والآخر مخالف، تقدمت شركة «ايكيا» الشركة العالمية المتخصصة في صناعة الأثاث لتضع يدها بيد مؤسسة نهر الأردن، وهي مؤسسة اجتماعية غير ربحية تعنى بتمكين المرأة وحماية الأطفال، ليخرجا معا بمشروع يجمع بين 50 سيدة أردنية و47 سيدة سورية لاجئة، ويعمل على توفير فرص العمل والأمل على المدى الطويل.

يتمحور المشروع حول استغلال الحرف اليدوية عند هؤلاء النساء ممن يبرعن فيها، أو حتى لديهن الشغف بتعلمها، لحياكة وتطريز السجاد والوسائد الأرضية ووسائد الزينة بتصاميم متفق عليها من قبل مؤسسة نهر الأردن و«ايكيا» معا، ولاسيما أن لمؤسسة نهر الأردن باعا طويلا في هذا العمل، ولديهم مشروع بني حميدة لحياكة الصوف في منطقة مادبا جنوب الأردن، وعليه وقع اختيار «ايكيا» للتعاون معهم، ودمج السيدات السوريات اللاجئات مع السيدات الأردنيات للعمل سويا.

واستطاعت «ايكيا» بالشراكة مع مؤسسة نهر الأردن، وضع الفكرة والتصاميم واختيار النساء وتدريبهن في أقل من عام واحد، حيث ستنطلق المجموعة المحدودة الأولى من المشروع في متجر «ايكيا – الأردن» والتي تبلغ نحو 50 ألف قطعة، في مساحة مخصصة وبدعاية إعلانية كبيرة ستحرص من خلالها «ايكيا» عندما تعرضها في ديسمبرالمقبل على التعريف بقصص الأمل التي تقف خلف هذه القطع المصنوعة بجودة عالية وحافز كبير.

مشروع حيوي

«الراي» زارت الأردن مع فريقي «ايكيا» والمؤسسة، للاطلاع على سير عمل المشروع في مركز نسيج بني حميدة في محافظة مأدبا، ومركز الكرمة للتطريز في العاصمة عمان، والتقت بالعاملات والعاملين على المشروع، وفي لقاء مع رئيس مجموعة «ايكيا» جاسبر برودين قال إن «هذا المشروع مهم جدا بالنسبة لنا على أكثر من نطاق، لكن من وجهة نظر شخصية أؤمن أن الأردن أثرت بي وبعدد كبير من زملائي، فقد فتحت أبوابها في وقت الأزمات للعديد من الناس».

وأضاف برودين «يجب على هؤلاء الناس الاندماج بالمجتمع الأردني لفهم الاحتياجات الأساسية وتوفير سبل العيش المستدامة لهم، حيث استقطب مشروعنا اليوم ما يقارب 100 سيدة من الجنسيتين الأردنية والسورية، وستكون انطلاقتنا الأولى في ديسمبر المقبل بـ50 ألف قطعة»، لافتا إلى أن «هدفنا الأول من المشروع هو توفير فرص العمل، بالإضافة إلى أن كل منتج ننتجه سويا معهم يمثل الشجاعة، الكرامة، الفخر ووجهة نظر خاصة لكل من العاملين، هي ليست مجرد قطع بفن تراثي واسم ايكيا، بل تتعدى ذلك بكثير».

وبيّن أن «لدينا 50 ألف قطعة، وقريبا جدا في أقل من عام ستصبح 150 ألف قطعة، لكل قطعة قصة نجاح منتشرة في أرجاء العالم، فسننطلق من متجر ايكيا الأردن ومن ثم متاجر ايكيا في الشرق الأوسط وصولا لنيويورك وألمانيا وفرنسا، فشراكتنا مع مؤسسة نهر الأردن طويلة المدى».

من جهتها قالت رئيسة تنمية شركاء رواد الاعمال الاجتماعية في «ايكيا» آن صوفي غونارسون، إن «بداية الفكرة كانت بسبب الصراع الدائر في سورية، أدركنا أن العديد من الناس تأثروا وكذلك الدول التي استقبلت اللاجئين مثل لبنان، تركيا والأردن، حيث استقبلت الدول الآنف ذكرها عددا أكبر من الذي استقبلته دول أروربا، ونؤمن أن من أصعب الأمور التي تواجه اللاجئ هي الاستقرار والتعايش والحصول على عمل وحياة جدا».

وأضافت «فكرنا بكيفية مساهمتنا في مساعدة هؤلاء الناس الذين أصيبوا في معاشهم وأسباب رزقهم، وكانت أفضل طريقة لبدء حياة جديدة بالنسبة لهم هي تأمين فرص عمل محترمة يعيلون من خلالها عائلاتهم، ووقع اختيارنا على الأردن لأنها تتميز ببنية تحتية جيدة، وفي ايكيا لدينا تواصل جيد مع ملك الأردن والحكومة، لذلك شعرنا بأن هذه الطريقة ستسهل إقامة المشروع»، مبينة «هذا ما تقوم عليه مبادرتنا، نتواصل مع مؤسسات اجتماعية لنعمل مع أشخاص يجدون صعوبة في إيجاد فرص عمل مدفوعة ومحترمة في آن معا».

وأكدت أن «المؤسسات الاجتماعية تجد صعوبة في الدخول إلى السوق العالمي، ولذلك نستطيع نحن من خلال متاجر ايكيا تقديم ذلك لهم بالإضافة للموردين وكل ما هو مطلوب للتصدير للخارج». وقالت «زيارتنا الاولى للأدرن كانت قبل سنة، والآن نحن هنا وقد أنجزنا ما كان يلزمه سنتين ليتم إنجازه بداية من التصميم إلى وصول المجموعة للمتاجر في شهر ديسمبرالمقبل، لقد تحدينا الوقت لأننا نريد خلق فرص عمل الان وليس بعد سنتين، فالحاجة الان ملحة، ومن السهل أن نحفز الأشخاص القائمين على العمل بإخبارهم أن هناك حربا مندلعة ويمكننا مساعدة الناس المتضررين لكسب عيشهم»، مشيرة إلى «أننا سنبدأ من الأردن ومن ثم سنكمل خلال الربيع في متاجر الكويت، السعودية، قطر، الإمارات والمغرب، وستطلق مجموعة محدودة في متجر نيويورك في يونيو 2018، وسنكمل في ألمانيا وفرنسا عام 2019».

شراكة طويلة المدى

ولفتت غونارسون إلى أن «خططنا لعامي 2019 و2020 أيضا من الان، وهذا الفريد في شراكتنا مع المؤسسات الاجتماعية حول العالم، حيث إنها شراكات طويلة المدى وهذه الطريقة الوحيدة لضمان حياة مستقرة ومستدامة، وعادة ما تكون الشراكات لخمس سنوات ومن ثم نأمل أن تكون هذه المؤسسات اكتفت ذاتيا ولديهم زبائنهم».

وعن سبب اختيار مؤسسة نهر الأردن، قالت «لأنها مؤسسة فردية وتعمل أساسا على خلق وتصميم منتجات جميلة، ولديهم المهارة الكافية وهذا يعد مهما بالنسبة لنا، أن نعلم أن إدارة المؤسسة لديها الإطلاع الكافي على أثاث المنزل وتصاميمه، لديهم مصممون وحرفيون محترفون، بالإضافة إلى أن المؤسسة لديها الإطلاع الكافي على المتطلبات اللازمة لبيع الزبائن، فالأهم لدى الزبون أن يشتري المنتج لأنه يريده وليس لأنه يشعر بالشفقة على من صنعه».

وأضافت «نسمي مشروعنا مع نهر الأردن شراكة، لأننا ننظر سويا لكل ما يمكننا فعله، ونستعين بمهارات المؤسسات لخلق منتجات تصبح مزيجا من التراث المحلي مع تصاميم ايكيا لتلبي متطلباتنا»، مشددة على أن «هذا المشروع لا يقتصر على النساء اللاجئات من سورية ولكنهن الأكثرية، فلدينا سيدات من لبنان والعراق أيضا، وسنعمل على استمرارية الانتاج وتكبير عدد الدول التي ستباع فيها المنتجات من أجل انضمام أشخاص أكثر للعمل».

ولفتت إلى أن «هذا المشروع هو الأول في الأردن، لأنه قائم على تصميم منتجات، حيث يعد المورد الأول لإيكيا من الأردن، لأننا لم نشتر من الأردن من قبل».

وفي حديث مع رئيسة أعمال الجيل القادم من مبادرة المؤسسات الاجتماعية، فيشالي ميرزا قالت «في العام الماضي كانت ايكيا تعمل في الأردن داخل المخيمات في نطاق إنساني، ودار نقاش حول مساعدة اللاجئين السوريين حينها، حيث إن الأزمة في أوجها، بالإضافة إلى أن الأردن عرض قضية اللاجئين في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتحدث عن حاجتهم لشريك خاص للمضي قدما في هذه القضية، فقررنا القدوم للأردن والبحث عن الخيارات المتاحة لكيفية دمج اللاجئين السوريين مع الأردنيين والبحث عن تطوير فرص عمل».

وبينت ميرزا أن «عملنا على مواعيد نهائية واضحة فقد كان من المهم خلق فرص عمل سريعا ما دامت الأزمة مندلعة، لدينا فريق كرس جهده للمشروع لتحويله واقعا، والتزام الطرفين جعل الأمر حقيقة، فعندما زرنا الأردن تعرفنا على مؤسسة نهر الأردن وتناقشنا ووجدنا اهتماما مشتركا»، مشيرة إلى أن «التحديات والصعوبات تكمن في أنهم ليسوا معتادين على إنتاج بحجم متوسط، وهم يعملون وفق السعة والقدرة المتاحة لديهم، ومن ثم ستصدر بحسب متطلباتنا ومعاييرنا، لذلك يجب أن نتحلى بالصبر حتى تتحول الحرف اليدوية من عمل محلي لعالمي».

وأضافت «ما رأيناه كان جميلا، وقد ملأنا فجوة للزبائن الذين يطلبون عملا يدويا فريدا من نوعه، وقطعا سيقدر زبائننا ما اخرجناه من هذه المجموعة لانها فريدة وتقف خلفها قصص قوية». ولفتت إلى أن «ايكيا» بدأت بالعمل مع أصحاب المشاريع الاجتماعية قبل 5 سنوات، حيث كانت البداية مع 3 شركات ووصلت اليوم لأكثر من 17 شراكة حول العالم أثروا فيها بحياة أكثر من 2000 شخص.

بدورها، قالت مدير عام مؤسسة نهر الأردن، إنعام البريشي «لقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه خلال وقت قصير جدا، وكان تحديا كبيرا قامت بها مؤسستنا للوصول للمعايير المطلوبة من ايكيا، ولأن هذا المشروع يوافق استراتيجيتنا أردنا حدوثه».

وأضافت أن «مؤسستنا غير ربحية بدأت عام 1996 أسستها الملكة رانيا العبدالله، وتركز على عنصرين أساسيين هما التمكين الاقتصادي وحماية الطفل، وتحت التمكين الاقتصادي تندرج تصاميم نهر الأردن، وهو المشروع الذي نأمل تحويله لمؤسسة اجتماعية قريبا». وأشارت إلى أن «موقع نسيج بني حميدة من أوائل المواقع التي بدأت كجزء من نهر الأردن ولدينا موقعان اخران»، لافتة إلى أن «المشروع يعمل على تحسين الوضع الاقتصادي للنساء وتزويدهم بفرص معيشية، ويركز على تمكينهم من الاعتماد على ذاتهم».

وذكرت البريشي أننا «بدأنا بالعمل على مشكلة اللاجئين السوريين منذ 3 سنوات وتلبية احتياجات السوريين والأردنيين معا، وأظن أن شراكتنا مع ايكيا هي مثال فريد على التعاون بين المؤسسات غير الربحية والقطاع الخاص، وعلى العالم النظر في هذا الأمر كي يساهم القطاع الخاص في مساعدة المتضررين من الازمة السورية».

لاجئات سوريات يعملن في مشغلٍ لـ "إيكيا" في الأردن

لاجئات سوريات يعملن في مشغلٍ لـ “إيكيا” في الأردن

قصص أمل… ومهارات عمل

سلمى… بارقة أمل

سلمى إسحاق، سيدة سورية لاجئة من الجولان السوري، لجأت للأردن منذ 5 سنوات مع أفراد عائلتها الخمسة، وجدت في عملها مع مؤسسة نهر الأردن بارقة أمل، حيث قالت «كنت أعمل في مجال الخياطة ولذلك أملك خلفية جيدة عن العمل، أخبرونا أنهم سيوظفوننا برواتب ثابتة وتأمينات صحية وهذا ما شجعني، بالإضافة لإذن العمل وهو عامل مساعد ومساند لوجودي وعائلتي هنا، العمل ممتع ودورات التدريب رائعة».

فرح… المعيل الأول

أما فرح الحفيان والتي مضى على وجودها 5 سنوات ونصف السنة، قالت «كنت أعمل بتجهيز طلبات غذائية للناس بسبب حاجتنا للمادة، أما الأن انضممت إلى تدريبات مؤسسة نهر الأردن منذ نحو أسبوعين لمدة 5 ساعات يوميا، أنا المعيل الأول للأسرة ومن ثم ابني الكبير، زوجي لا يعمل فقد اجرى عملية قلبية ولذلك أتاحت لي هذه الفرصة إمكانية أن يكون لدي راتب ثابت».

عبير… كبرت بعين أطفالها

عبير المنجد، التي أكدت أنها أصبحت كبيرة بعين أطفالها منذ بدأت بالعمل وحسنت من أوضاعهم، قالت «التحقت بهذا العمل لمساعدة أطفالي على تلقي تعليم أفضل، لدي طفلين وأحلم بأن أضعهم بمدارس خاصة، أعمل يوميا من منزلي صباحا ومساء، وأطمح لتأمين مستقبل أطفالي ومستقبلي العملي هنا مع المؤسسة».

حليمة… القدوة والحافز

اعتادت نساء البدو قديما على حياكة الصوف والقماش لصنع الخيام التي يقطنونها وعمل السجاد والوسائد الأرضية، وكانت أول من بدأت بتعلم الحرفة والعمل فيها ومساعدة النساء على العمل في بيوتهن مديرة مركز بني حميدة للنسيج التابع لمؤسسة نهر الأردن، حليمة القعايدة، التي عملت وشجعت النساء على العمل في وقت كان العمل فيه يعد عارا وممنوعا على الفتيات وكان مقتصرا على الرجال فقط، وأصبحت فيما بعد القدوة والحافز للنساء لتنجح بتغيير الفكر السائد برأيها السيد وتصبح مديرة مركز النسيج وتشرف بنفسها على تدريب الفتيات على الحياكة هناك.

12 تصميما للأعمال

قال مدير التصميم في مؤسسة نهر الأردن، فريدون أبيدا إن «لدينا 12 تصميما للوسائد الأرضية ووسائد الزينة وقطع السجاد، فقد تعاونا مع مصمم ايكيا وذهبنا للمراكز واجتمعنا بالسيدات اللاتي قمن بعمل التصاميم وناقشناها وطورناها لتطابق شروط ومعايير السوق المحلي والعربي وتخدم ايكيا من ناحية التسويق والسعر، لأن منجات ايكيا تتميز بأسعار محددة»، مبينا «كان معظم الإلهام الذي استمددناه من منطقة بني حميدة وبيوت السيدات وما حولها، مثل تصميم الصبار والجمل».

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015