اختفاء الزوج.. مشكلة تضني النساء السوريات
زوجة المفقود

ميكرو سيريا- كانت (هالة) بحاجة إلى التخلّص من مسمّى (زوجة مفقود) الذي يعوق تحركاتها في شتى مجالات الحياة، كاستخراج أوراقٍ ثبوتية أو السفر، عندما قررت الذهاب إلى المحكمة ورفع دعوى طلاق لعلّة الغياب أو ما يسمى بـ “الطلاق الغيابي”.

تنحدر هالة معرستاوي، من بلدة دير جمال بريف حلب الشمالي، وهي زوجةٌ لمحاسبٍ فُقِد منذ عام 2014، وكل ما استطاعت معرفته عن زوجها، منذ تاريخ غيابه، أنّ أحد الحواجز الأمنية في مدينة حلب قبَضَ عليه في أثناء ذهابه لاستلام مرتب والده التقاعدي، وحاولت جاهدةً معرفة مصيره، ولكن من دون فائدة. قالت لـ (جيرون): “بعد أن فقدتُ الأمل بمعرفه مصيره، وأصبحت مسؤولية الأطفال بكاملها ملقاة على عاتقي؛ قررتُ رفع دعوى تفريق لعلّة الغياب”.

(هالة) هي واحدة من النساء السوريات اللواتي فقدن أزواجهن، خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات، ووجدن أنفسهن بحاجة إلى الحصول على الطلاق؛ إما للزواج مرةً أخرى بسبب حاجتهن إلى معيل، أو ليتمكنّ من التصرّف في أمورٍ تحتاج إلى موافقة الزوج كالسفر أو تسيير أوراقٍ ثبوتية.

وثّقت هالة طلاقها الغيابي، في الهيئة الشرعية التابعة لمدينة تل رفعت، ولكنها دخلت في دوامة أخرى من التعقيدات، وهي أن هذا الطلاق غير معترف به إلا ضمن تل رفعت، وأوضحت في هذا الخصوص: “إلى الآن، لا أملك أوراقًا معترفًا بها بخصوص طلاقي من زوجي، والوثيقة التي منحتني إياها الهيئة الشرعية لا تفيد بشيء، فأنا ما زلت -في سجلات النظام- زوجةً لزوجي المفقود، وإذا قررت الزواج مرة أخرى؛ فلن أستطيع تثبيت زواجي الجديد، لأني ما زلت على ذمة زوجي المفقود”.

وفقًا لبيانات نشرتها صحيفة (الوطن) السورية، “تمّ تسجيل أكثر من 40 ألف حالة طلاق عام 2017 في أغلب المدن السورية، ولا تشمل هذه النسبة كل مناطق سيطرة المعارضة”، مشيرةً إلى “أن ربع هذه الحالات حدثت؛ بسبب غياب الزوج فترة طويلة عن زوجته، لأسباب أمنية”.

لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الرجال المتزوجين المفقودين والمعتقلين الذين تركوا خلفهم زوجات، إلا أن دراسة ميدانية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بعنوان (صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء)، أكدت “وجودَ أكثر من 145 ألف لاجئة سورية، يُدرن بيوتهنّ بمفردهنّ، واضطررن إلى استلام زمام أمور الأسرة، بعد أن فقدن الرجال”.

يحاكي وضعُ صفاء عركوس، وهي سيدة في الثلاثين من العمر فقدت زوجها أيضًا، وضعَ هالة، إذ قالت صفاء لـ (جيرون): “انقطعت أخبار زوجي، بعد أن سافر مع أصدقائه إلى أوروبا بحرًا على متن قارب، انطلق من مرسين باتجاه إيطاليا. منذ سنة ونصف، ولا أعلم عنه حتى اللحظة أي خبر”، وأضافت: “للأسف، أعتقد أن القارب قد غرق به مع زملائه. حتى عائلات من كانوا معه في الرحلة لا يعرفون عنهم شيئًا، وخلال وقت قريب تنتهي السنة الثانية على غيابه، ولا أعلم إن كنت أرملة أم لا!”.

بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، والعادات الاجتماعية التي تعتبر عيشَ المرأة بمفردها من دون زوج أو أهل أمرًا غير مرغوب به؛ قررت صفاء أن تفكر بمرحلة ما بعد فقدان زوجها، وأن تبحث عن حلًّ لوضعها الراهن، كأمّ لطفلين لا تستطيع رعايتهم بمفردها، فلجأت إلى رفع دعوى طلاق غيابي؛ لكي تستطيع السفر خارج سورية مع ولديها، وذلك بناءً على استشارة محام، لأن سفر الأطفال يحتاج إلى موافقة الأب (المفقود) حاليًا.

المحامي إيهاب موازيني من مدينة دمشق تحدّث لـ (جيرون) عن ازدياد دعاوى الطلاق الغيابي، في مناطق النظام خلال الآونة الأخيرة، حتى لو لم يمض ِعلى غياب الزوج سنتين، وفقًا للقانون السوري، وأضاف موضحًا: “تصلني الكثير من دعاوى الطلاق الغيابي، وعلى الرغم من أن قسمًا وفيرًا منها لا تنطبق عليه الشروط، كتحقيق المدة اللازمة لغياب الزوج المنصوص عليها، في المادة (109) من قانون الأحوال الشخصية السوري، وهي سنتان، أو تقديم الزوجة ما يثبت أن زوجها مفقود، إلا أن هناك عددًا من النساء حصلن على قرار الطلاق الغيابي، من المحاكم الشرعية”.

لفتَ موازيني إلى تعرّض بعض النساء للنصب من قبل بعض المحاميين، وأوضح في هذا الجانب: “يستغلُّ بعض المحامين جهلَ النساء بالقانون وحاجتهن الماسة إلى الطلاق، ويأخذون منهن أموالًا إضافية، يدّعون أنهم سيدفعونها رشًا للقضاة، بغيةَ تسريع عملية استصدار قرار (الطلاق الغيابي) حتى إن كان غيرَ مستوفٍ للشروط، بعضها ينجح والآخر يفشل، علمًا أن دعوى الطلاق العادية تستغرق مدة سنة ليصدر حكمها”.

زوجة المفقود

زوجة المفقود

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015