الأبوية المستبطَنة: الجذور الخالدة للتمييز الجندري في عقولنا!
Rebekka Dunlap

اميلي دوتا/ ترجمة feministconsciousnessrevolution- “لا تخبري أيّ أحد! إنّه عار” قالت الأم لإبنتها ذات الأربعة أعوام والتي تمّ الإعتداء جنسيّاً عليها.

”لا نستطيع قبول هذه المصاهرة، للفتاة علاقات سابقة متعدّدة” تقول والدة العريس.

”من سيتزوجك إن أصبحتِ عارضة” قالت والدة عارضة أزياء.

”أعرف أنّه تحرّش بإبنة عمي! لكنه زوجي، لا أستطيع أن أقف ضدّه” قالت الزوجة.

هذه أقوالٌ سمعناها مراراً، أليس كذلك؟

لم تصدر من كارهٍ للنساء.. هنا، بل صادرةٌ من النساء أنفسهنّ.. حيث يصبحن وكلاءً للأبوية. هنّ يعلمن أنّ ما حدث أو سيحدث خاطئ، لكنهنّ استبطنّ ذلك كله.

هذا يحدث لنا جميعاً، نرتدي فستان ويعجبنا؛ لكننا نقرّر عدم إرتدائه خارج المنزل. الخوف من القبول الإجتماعي يوقفنا. هذه هي الحالة مع الأبوية من حولنا، نعم نحن نتقدّم تجاه المساواة في الأماكن العامة، لكن ماذا عن الأبوية خلف أربعة جدران؟ ماذا عن جذور الأبوية التي تفرّعت وأصبحت خالدةً في عقولنا؟

أصبحت هذه المواقف مألوفة ًلدرجة أننا لا ندرك أنها تحوّلت لحبالٍ صغيرة تربطنا وتجرّنا للخلف.

تترسخ في النساء أبويّة باطنة وعميقة، لدرجة أنهنّ لا يعرفن أين الخطأ في وجهة نظرهنّ. دعونا نرى من خلال نموذج حياة المرأة كيف يتم زرع هذه الجذور ، أو على الأقل البعض منها.

1- كطفلة:

كلّ جدَّة تروي للفتيات الصغيرات حكاية سيتا، الزوجة الكاملة، التي ستقفز في النار لإثبات نقائها. فيجب على المرأة أن تكون نقيّة، لكي تكون شريكة زوجها.

وهناك حكايةٌ أخرى؛ عندما يتمّ إحضار لعبةٍ هي عبارة عن “طقم للمطبخ”، تتعلّم الفتاة من خلالها الطبخ.. ففي النهاية عليها أن تطبخ.

اللعبة التي تمّ اختيارها لها هي ‘ghar ghar’ أو تقليد معلمتها، فالتعليم يصنَّفُ كعملٍ للمرأة، إنه آمنٌ لها.

بإمكانها أن تلعب داخل المنزل.. هنا يبدأ زرع الجذور. وبعد أن تتعلّم كلّ هذا، تأتي الخطوة التالية…

2- التقدّم في العمر:

عندما تكبر الفتاة تكون حكاية العار هويّتها.. تخبِرُها أمُّها أنّ عليها أن تخجل من تنورتها الملطّخة، وأن تُخرِس تقلّصات الدورة الشهرية التي تصنّف كـ “ألمٍ مُخجِل”، ولا يتمّ الحديث عنه إلا مع النساء.

كلنا نعلم أنّ لفّ الفوط الصحية في الجرائد أو أكياس سوداء ليس ضرورياً، فالدورة الشهرية هي شيءٌ عادي، لكن كم منا تستطيع منع الصيدلي من فعل ذلك؟ أو حتى سؤال أمهاتنا عن سبب منعنا من دخول المعابد؟

هنا نستبطن الأبويّة دون وعي.

3-عمر الأحلام:

تتحرّك الهند خطوةً بخطوة في طريق الإعتراف بحقوق النساء، لكن حتى الآن مازال السؤال “هل سيسمح لك أصهارك بممارسة عملك بعد الزواج؟” قائماً. وهنا يصبح ذو حدّين؛ كلا الشخصين من سألت ومن تمّ سؤالها، لديهنّ أبويّةٌ مستبطنة. والمثير للشكوك أن يتمّ اخضاعها لهذا السؤال من الأصل.

مما يثير التساؤل؛ أنّ النساء في الأماكن الحضرية يُمنعن من العمل بعد الزواج، بينما النساء في الأماكن الريفية لا يُمنعن. نعم إن الإجابة على هذا السؤال هي: لأنّ العمل ضرورةٌ للفقراء.

صحيح، لكن أليس العمل ضرورةٌ للجميع؟ للحصول على دخلٍ وللإكتفاء الذاتي؟.. تفشل الأماكن الحضرية بفهم أنّ العمل أو الوصول إلى حلم الشخص، ليس مقترناً بتحسين العجز المالي. بل بصنع الهويّة الفردية بغض النظر عن النوع.

كلُّ امرأةٍ في مرحلةٍ ما من حياتها، تمّ إتهامها بأنها “شديدة الطموح”، يُطلب منها أن تأخذ إجازةً أو أن تترك عملها بعد إنجابها لطفل. إنّه ليس قراراً تتخذه بنفسها في تلك اللحظة لكنه إكراهٌ لاواعي. يأتي تحت حجاب الاختيار– نتيجةً للأبويّة المستبطنة.

في حالة المرأة يرتبط العمل بالجندر، وهنا تتقاطع اللامساواة. حتى اليوم نرى التعجّب حينما تختار امرأةٌ عملاً مثل الهندسة الميكانيكية، التعدين، الجيش، البحرية التجارية.. إلخ. يتم النظر إلى النساء على أنهنّ ضعيفاتٍ جسديّاً، من دون حتى اختبار قوتهنّ. ونسبة النساء في المهن المذكورة أعلاه قليلة.

ونفس الشي يحدث مع الرجال، فمازالت نظراتُ التعجّب تُلاحق أيّ رجل يختار مهنة التعليم في المدارس أو الجامعات، تصميم الأزياء ، والطبخ، وعليه أن يعاني  لإثبات مزاياه وأنه يتساوى مع من يعمل في الهندسة أو في المالية.

ولاتزال النكات التي تصوّر المرأة كسائقةٍ سيئة وأنّ الرجل لا يستطيع الطبخ تتكرّر ويتم ترسيخها كشيء عادي.

لقد أهملنا الموضوع حتى أنّ عقولنا تجاهلت تلقائياً وجود هذه اللحظات المتحيّزة في حياتنا اليومية وإختياراتنا.

4- عندما تصبح كلمة “الزواج” أمراً جدّياً:

هل تساءلتِ لماذا يطاردنا الزواج في الهند؟ لماذا تهرب الكثير من النساء من هذه الكلمة؟.. ليست المسؤولية أو المرحلة التي تؤرّقنا، بل مفهوم الزواج الذي تمّ بناءه في عقولنا؛ فكرة أنّه طريقٌ لا تستطيع المرأة العودة منه إلى المنزل، فكرة أن الفتيات عبئ يجب تسليمه لشخص آخر.

نعم الهند تتقدّم، لكن حتى العوائل الحضريّة المتعلّمة تقول هذه الجملة ”كيف لا تتزوجين؟ انتِ ابنتنا الوحيدة؛ وهذه مسؤوليتنا”، ”تزوّجي قبل أن يتقاعد والدك، سنتخلّص من مسؤوليتك”.

في الهند، العمر يأخذ الأهمية الكبرى في الزواج، العمر الذي ستتزوجين فيه لا بد أن يكون مثالياً. على المرأة أن تكون في عزّ الشباب عندما تقول “أقبل”، يجب أن تكون الزوجة الشابة والأم الشابة الخالية من العيوب. مرةً أخرى هذه هي ليست خيارات؛ بل أبويّة مستبطنة.

ربما لن تبكي فتاةٌ هندية أبداً إن لم يتمّ إخبارها أنها لن تستطيع العودة إلى المنزل بعد الآن، أو لو قيل لها أنّ الزواج هو فقط بداية لعلاقة جديدة، أو لو لم تغرس الأبويّة فيها الخوف من الحكم عليها من قبل المجتمع؛ إن لم تبكي عند تركها لوالديها.

5-البدء بالأمومة:

الأمومة هي الدور المرسوم الذي من دونه تكون المرأة “غير كاملة”،.. هنا يكمن أكبر مثالٍ على الأبويّة المستبطنة. الإهتمام، الرعاية، العاطفة هي سماتٌ إنسانية، لكننا غالباً ما نخلطها بصفاتٍ تنتمي لجندر معيّن.

يتم تعليم النساء منذ الطفولة أن يَقُمن بحمل ورعاية العرائس. أن يكنّ أمهاتٍ هو أداءٌ جندري، يتمّ خلطه بدورٍ مطابق مخصص للنساء. نعم، الرحم والقدرة الإنجابية محصورة على المرأة؛ لكن غالباً ما يتم رفض الإختيار فيها.

الإجهاض محرّم وخطيئة عند معظم الناس. الخوف من عدم القبول في حالة الأمومة قبل الزواج، والخوف من عدم اختيار الأمومة بعد الزواج يُطارد كلّ امرأةٍ هندية.

إنّه خيارٌ واعي وحقٌّ لكلّ امرأة أن تكون أماً أو لا، لكنها غالباً ما تنتهي بسؤال نفسها ”هل أنا حسّاسة؟ كيف سأنجو في هذا المجتمع مع وصمة امرأة من دون أطفال؟” مرةً أخرى، إنها الأبويّة المستبطنة.

أنا لا ألوم النساء.. فالأبويّة المستبطنة ليست عيب، إنما إرثٌ غير ضروري وغير مُدرَك تحمله النساء.

نحن حتى لا نعلم متى وكيف تسرّبت الأبويّة إلى وعينا وهويّاتنا، حتى أننا نهلوس أن إكراهاتها هي خياراتُنا.. لاندرك أنّ الظلال الغامقة أقوى مما نتصوّر. لكن ما الحل؟

أن نحقّق أنفسنا كنسويات “womanists” (كما صاغتها أليس والكر) إن لم نكن نسويات “feminists” فنحن بشر.. نريد أن نتناقش مثل البشر، وليس كشخصيات مقيّدات بدورهنّ الجندري منذ الولادة.. نريد أن ندرك أنّ النساء كمجتمع عليهنّ أن يواجهن المعركة ضدّ الأبويّة، والتي لا تتضمن فقط كارهي النساء؛ ولكن عملاء الأبويّة أيضاً.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

Rebekka Dunlap

Rebekka Dunlap

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015