التأهيل المعرفي والحقوقي أساس تمكين المرأة
قضية المرأة / sha3b3aref

سوسن جميل حسن/ syria.tv- قضية المرأة من القضايا التي تبقى في الواجهة حتى بالنسبة إلى العالم المتحضر أو المجتمعات التي قطعت شوطاً لا بأس به في تبنّي ثقافة الحقوق الإنسانية وعدم التمييز والمساواة والعدالة وصار لها منظوماتها القيمية المنبثقة من هذه المفاهيم، والتي تبدّلت من خلالها إلى حدٍّ كبير الصورة النمطية للمرأة، ومكانتها في النسيج الاجتماعي ودورها في العملية الإنتاجية، وبالرغم من هذا التبدّل والحقوق الكثيرة التي استردتها المرأة كفرد من المجتمع الإنساني، ما زال هناك العديد من العقبات والعوائق التي تقف بينها وبين المكانة الطبيعية التي يجب أن تكون فيها، لكن الحياة تتغيّر والإنسان يطمح دائماً إلى بلوغ وتحقيق ما هو أفضل.

بالنسبة لمجتمعاتنا، التي تزداد مشاكلها وتتسع الزاوية بينها وبين العالم المتحضر؛ فإنّ قضية المرأة تعدّ من القضايا الأكثر تعقيداً ومن المشاكل الأكثر حساسية، ومن البديهي القول إن المشوار طويل والدرب شائكٌ ومحفوف بالمخاطر، والتحدّيات كبيرة أمام المرأة ومناصريها في نضالهم من أجل استرداد حقوقها، فمكانة المرأة ما زالت إلى الآن محكومةً بالثقافة الذكورية المتشكّلة تاريخياً والمستندة إلى الدين والموروث الشعبي، ولم ترتقِ المرأة إلى المكانة المفترض أن تشغلها، حتى في فترات النهضة الموعودة في القرن الماضي والتي تميّزت بالعديد من الحركات النسوية والدعوات التحرّرية، بعدما أُجهِضَ المشروع النهضوي. أما النتائج التي ألمَّت بالمجتمعات العربية بعد الحراك الشعبي في أكثر من بلد من منطقتنا العربية، وخاصةً سوريا، وتحوّلت إلى نزاعات ومعارك وحروب لم تهدأ نيرانها إلى اليوم، فإن وضع المرأة ازداد تعقيداً وصار نضالها من أجل استرداد حقوقها أكثر صعوبةً ومرارة، فمن المعروف أن النزاعات التي تنطوي على عنف؛ يكون تأثيرها أكبر على النساء والفتيات، وتؤدّي إلى تفاقم عدم المساواة والتمييز بين الجنسين الموجودة مسبقاً في المجتمعات التي تعاني من النزاعات.

صحيحٌ أنّ المرأة حصلت في القرن الماضي على حقّ المشاركة السياسية، وهي حقّ التصويت والتعبير عن الرأي أو القدرة على الترشّح إلى مناصب قيادية رفيعة، كما شغَلت نسبةً من المقاعد البرلمانية وتبوأت مناصب عليا، لكن كل تلك الخطوات لم تُفلح في تمكين المرأة واقعياً، فالمشاركة في مجال السياسة بالطريقة التي كانت النساء يسهِمن فيها؛ لا تعني تمكين المرأة، لأنّ التمكين في الواقع يتطلّب قواعد أخرى أكثر متانةً وفاعلية يتم البناء عليها، تبدأ بالتأسيس لثقافة مغايرة تماماً يتبنّاها المجتمع ليصبح حضور المرأة في كلّ مجالات الحياة أمراً طبيعياً منفصلاً عن الجنس أو عن كونها امرأة، وهذا يتطلّب قبل كلّ شيء مساعدة المرأة لتعي ذاتها بالدرجة الأولى وتعرف أنها مواطنة مثل البقية، لها ما لها وعليها ما عليها، وهذا الأمر يلزمه بدايةً القضاء على الأُميّة في المجتمع، وليس المقصود بالأمية هنا عدم معرفة الكتابة والقراءة، بل تجاوز هذه المعرفة الأداتية إلى الحقل المعرفي الذي لا يمكن التوصل إليه من دون تغيير نظم التعليم ومناهجه وأساليبه وأدواته، ومن دون التأسيس لمنظومة تربوية وتعليمية تقوم على التفاعل وتعليم النشىء آلية التفكير وتعزيز شعوره بدوره في هذا المجال، مع جعل المناهج التعليمية موجّهة نحو ثقافة المواطنة القائمة على الحقوق المتساوية والعدالة الشاملة للجميع واحترام وصون كرامة الإنسان بالدرجة الأولى، وتنقية المناهج، التربوية خاصةً، في حقول الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية من الدروس والمواد التي تكرّس أدواراً وظيفية اجتماعية تقوم على أساس الجنس، وأن يصحَّح مفهوم الأسرة القائم بشكله الحالي في مجتمعاتنا بشكلٍ تصبح فيه الحياة الأسرية قائمة على المشاركة في المنزل من الأعمال المنزلية الخدمية ورعاية الأبناء وصولاً إلى المشاركة في اتخاذ القرارات، فهذا النوع من المشاركات يجب تحقيقه قبل الانتقال إلى المشاركة السياسية الأكثر اتساعاً.

إنّ مقولة “من يملك المال يملك القرار” لا تصح في مجتمعاتنا إلا بنسبةٍ تكاد تكون نادرة بالنسبة للمرأة، فلم يغيّر دخول المرأة ميدان العمل ومساهمتها الفاعلة والضرورية في معيشة الأسرة من وضعها الاجتماعي والأسري وحتى الوظيفي، فما زالت المرأة محكومةً بالعادات والتقاليد الجائرة التي تسلبها معظم حقوقها، وكثيراتٌ جداً من النساء تبوأنَ مناصب إدارية عالية وحصلنَ على شهادات علمية في ميادين متنوعة؛ ما زلن محكوماتٍ بسلطة الزوج في البيت، أو حتى سلطة الأب أو الأخ، ولم يمنحهن استقلالهن الاقتصادي الحصانة المرجوَّة، فالمجتمع بسطوة ثقافته ضدّها والقوانين ضدّها أيضاً. لذلك فإنّ بناء الثقافة المغايرة التي تؤسس لمجتمع جديد فيه للمرأة، التي تشكّل في الأحوال العادية نصفه، حقوقها الإنسانية، يجب أن يتواكب مع الإصلاح القانوني والحقوقي وأن يُعاد النظر في قوانين الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتعدّد زوجات وحضانة ووصاية ومنح الجنسية لأولادها وميراث، وغيرها من القوانين التي تجعل الوضع الحقوقي للمرأة ظالمًا وغير منصف.

ليست الأمثلة الواقعية التي لا تعد، تنتمي إلى الفترات السابقة للحرب في سوريا فقط، بل إنّ الهزات الارتدادية التي نجمت عن الزلزال السوري صدّعت المجتمع وصدّعت مجتمع النساء بشكلٍ أكبر، في كلّ المناطق، الواقعة تحت سيطرة النظام أو تلك الخارجة عن سيطرته، فالنساء شكّلن الشريحة المنتَهَكة أكثر من غيرها، والشريحة التي تحتمل الحياة بشكلها الجائر بسبب الحرب، فالكثيرات منهن يتحمّلن مسؤولية معيشة أُسرِهن ورعاية أطفالِهن بسبب غياب الآباء، إن كان موتاً أو تهجيراً أو تغييباً، وهذا بحدّ ذاته استقلالٌ اقتصادي، ولو كان بالإكراه أو بسبب الظروف القاهرة، لكنه لم يستطع تمكين المرأة. إذ ليس خافياً ما طرأ على المجتمع السوري، بسبب سنوات الحرب والعنف غير المسبوق الذي مورس بحقّ الشعب وتدخّل أطراف خارجية لها أجنداتها، وما نجم عنه من أسلمة المجتمع بطريقة متشدّدة دفعت المرأة ثمنها بشكلٍ مهين لكرامتها وإنسانيتها، وكانت هدفاً لتطبيق شرائع تدّعي السند الإلهي، وحوّلتها إلى كائنٍ مقموع مُهَدَّد بحياته.

من دون أن تعي المرأة ذاتها بالدرجة الأولى، وتتمكّن تعليمياً وتثقيفياً وحقوقياً، ومن دون أن تتغيّر ثقافة المجتمع أيضاً وترسم للمرأة صورةً أخرى غير الصورة الراسخة التي تعتبرها غير مؤهَّلة بيولوجياً أو عقلياً لأداء مهامٍ صادَرَها الرجال على مرّ العصور، ومن دون تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وصون الحريات وترسيخ المواطنة ثقافةً وممارسةً؛ فإنّ تمكين المرأة سوف يبقى صورياً، وسيزداد تقييد النساء اللواتي لم يعدن يشكّلن نصف المجتمع فقط في سوريا بعد الحرب، بل أكثر من النصف، وفي هذه الحالة سينزلق المجتمع إلى عطالةٍ أخرى، في الوقت الذي هو أحوج ما يكون فيه إلى استثمار الموارد البشرية مستقبلاً.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

قضية المرأة / sha3b3aref

قضية المرأة / sha3b3aref

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015