التكتيك السياسي المخادع يمتهن المرأة
نور بهجت - سوريا

يمينة حمدي/ العرب- تخلّت معظم الأحزاب الدينية في السنوات الأخيرة عن شعاراتها الأيديولوجية البرّاقة وعن اللعب على وتر المُعتقد، لتركّز بدلاً من ذلك على المرأة كواجهةٍ تسويقيّة لأجنداتها السياسيّة، فتعمّد رؤساء هذه الأحزاب تزيين قوائمهم الانتخابية بالوجوه النسائية والتلاعب بفاعلية بمستوى التطلّعات السياسية للبعض منهنّ، من أجل كسب ودّهنّ والظهور بمظهرٍ يتّسق ظاهرياً مع طموحاتهنّ.

تحاول هذه الأحزاب من خلال هذا التكتيك المُخادع والمُتعمّد السيطرة على قلوب وعقول النساء، كعاملٍ مُساعد وحاسم في المعارك الانتخابية، خاصةً وأنّ عدد النساء في بعض المجتمعات يفوق عدد الرجال، ومن المهم جدّاً الاستفادة من التفوّق العددي بدلاً من إدارة الظهر له، وبعد الفوز في الانتخابات هناك حساباتٌ أخرى، لكنها لن تفضي بالضرورة إلى تنفيذ الوعود التي تعهّدت بها تلك الأحزاب لصالح المرأة.

يبدو أن التفكير قد أصبح منصبّاً وبشكلٍ غير مسبقٍ على النساء باعتبارهنّ يشكّلن نحو 49.7 بالمئة من إجمالي عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وباستطاعتهنّ أن يصبحن ورقةً رابحة يلعبها السياسيون للوصول إلى طموحاتهم السياسية.

يكفي زخّ رسائل قويّة إلى الرأي العام حول حقوق المرأة ووضع مشاغلها وقضاياها في صدارة البرامج الانتخابية، وتمرير صورةٍ أو بعض الصور الجيدة لنساءٍ مثقّفاتٍ وعصريّات ويملكن مهارات التحدُّث بشكلٍ جيد، لتوضع بقية النساء في الجيب.

قد يُحتفى بهؤلاء النسوة أيّما احتفاء، وتُسبَغ عليهنّ ألقابٌ عديدة أثناء الحملات الانتخابية، من بينها “القويّات” و”البارعات” و”المؤهَّلات” و”المحنَّكات”، ويُغدَق عليهنّ من الصفات ما يجعلهنّ يصدّقن أنهنّ النساء المناسبات للأماكن المناسبة، إلا أنهنّ قد لا ينلن بعد نهاية الانتخابات، إلا بضع مقاعد صوريّة في البرلمان أو في المجالس المحليّة، وبعد فترةٍ وجيزة تنطفئ هالة الأضواء التي سُلّطت عليهنّ، فيُصدمن بحقيقة أنهنّ لم يكنّ سوى وسيلةٍ للدعاية الانتخابية.

والأسوأ من ذلك أنّهن قد يجدن أنفسهنّ مجبراتٍ على تنفيذ أيديولوجياتٍ حزبيّة لا تتّسق مع ذواتهنّ ومع طموحاتهنّ الحقيقية، خاصةً إذا كانت تلك الأيديولوجيات موغِلةً في التطرّف في ما يتعلّق بحقوق المرأة ودورها في الحياة العامّة.

كان السبق في اعتماد هذا التكتيك المُخادع بالجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، ومُستَنبِطه الأول حسن روحاني الذي بدا على غير عادته أثناء حملته الانتخابية في سنة 2017، إذ تحدّث حينها بإطنابٍ عن زوجته، التي تحمل شهادة الدكتوراه وتعمل أستاذةً جامعيّة، وتعود أحياناً متأخّرةً من العمل فيضطّر هو إلى تناول الطعام بارداً.

وتعمّد روحاني أيضاً نشر صورةٍ له على مواقع التواصل الاجتماعي مع شابتين من هواة التسلّق ترتديان حجاباً لا يُعدّ لائقاً من وجهة نظر المتشدّدين، وكل ذلك من أجل أن يظهر بعكس ما يضمر، ويسوّق لنفسه على أنّه المرشح الذي لا يعبأ بقواعد الزيّ الصارمة في إيران، وبالقيود التي يفرضها المتشدّدون على الحريّات الفردية.

لقد أبدى روحاني اهتماماً مُفاجئاً بحقوق المرأة، إلا أنّه بعد أن حقّق ما في نفسه وأصبح رئيساً للبلاد لم يتُرجم خطبه بشأن حقوق المرأة إلى سياساتٍ على الأرض، تُعالج بالفعل العديد من الضغوط التي تواجه المرأة الإيرانية في حياتها اليومية.

والكثير من السياسيين اختاروا نفس تكتيك حسن روحاني، فبالأمس القريب تصدّرت النساء السافرات قوائم حركة النهضة في الانتخابات البلدية التونسية، على الرغم من أنّ ما يفصل هؤلاء النسوة عن الحركة أكثر بكثيرٍ مما يجمعهنّ بها.

وأثناء الانتخابات البرلمانية العراقية راهنت عدّة أحزابٍ وكتلٍ سياسيّة دينيّة على جمال النساء للفوز، بدلاً من أن تضع مؤهلاتهنّ وثقافتهنّ وتطلعاتهنّ نحو خدمة الوطن في كفّة الميزان، وصُنّفَت الكثيرات على أساس المظهر، عِوَض إتاحة فرصةٍ فعليّة لهنّ لخوض غمار التجربة السياسيّة والاندماج في الشأن العام.

ووجّه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بمناسبة يوم المرأة العالمي رسالةً إلى المرأة العراقيّة، معتبراً أنّها أداةٌ للعمل والعلم والإيمان، رغم التعدّي الصارخ على حقوقها وعلى مرأى ومسمعٍ من رجال الدين.

باختصارٍ شديد أصبحنا أمام أقنعةٍ متعدّدة لا نعرف أيّاً منها نُصدّق، فبعد أن كان الدين واجهةً، أصبحت حقوق المرأة هي الواجهة، ولكننا نتمنى أن نمضي إلى الأمام وليس إلى قرون الظلام.

نور بهجت - سوريا

نور بهجت – سوريا

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015