التنظير الذكوري: لماذا يوضِحُ الرجالُ الأمورَ للنساء؟
“التنظير الذكوري”

راجاشري غاندي/ ترجمة: feministconsciousnessrevolution- “كان يخبرني عن الكتاب المهم جداً – بنظرة المُعتَدّ بنفسه التي أعرفها جيداً برجلٍ يتحدّث مطوّلاً عن موضوع، وعينيه مثبّتةٌ على الأفق البعيد الغير واضح لسلطته ” تقول ريبيكا سولينت في ”الرجال يشرحون الأمور لي”.

مرّت تسعة أعوام منذ أن كتبت سولينت مقالتها الأسطورية عن الظاهرة المعروفة الآن بشكلٍ كبير بـ “mansplaining” أو “التنظير الذكوري”، وكانت تشارك حكايتها عن رجلٍ ينصحها بقراءة كتاب ، من دون أن يعرف أنّها مؤلفته. وألقت المقالة الضوء على كيف أن إسكات أصوات النساء مرتبطٌ بسوء استعمالٍ أوسع من السلطة الأبوية.

بينما اكتسب المصطلح شعبية، غير أنّ محاربته صعبة ومحيّرة، على الأقل بالنسبة لي. وأنا أكتب هذا لفك تشابك أفكاري عن كيف أرى”التنظير الذكوري“، من هم روّاده ولماذا يهدّد إمكانية حدوث محادثاتٍ غنيّة؟

من المهم جداً تعريف “التنظير الذكوري” ليس فقط كفعل، لكن كردّة فعل أيضاً. إنّه ردّة فعل على وجود النساء في فضاءٍ كان مُسيطراً عليه تقليدياً من قبل الرجال، وعلى تعبيرهن عن تجاربهن الخاصّة. ينشأ من عدم الأمان وأحياناً من الرعب. ويتم استخدام التنظير الذكوري مع المعلومات، ومع الأمور التافهة والحكايات، لإلغاء معرفة و آراء النساء حول المواضيع المختلفة.

ومثل كلّ ردّات الأفعال فإنّ التنظير الذكوري أوضح وأغرب بكثير للجميع ماعدا الشخص الذي يقوم به. مثل لجنة الرجال هذه والتي سألت فيها أنوباما تشوبرا عن التمييز الجنسي في صناعة الكوميديا، وكانت ردّات فعل الرجال هي الكثير من التنظير الذكوري.

كما تتضمن ردّات الفعل التي تكون شبيهة بالتنظير الذكوري: النفور من سماع السرد النسائي، المقاطعة الرجالية بصوتٍ عالٍ، الاستجواب والمطالبة بإحصائيات عن حقائق ذاتية، التشكيك بأنفسهنّ من خلال اللغة التقنية والفكرية واللامبالاة الكاملة حول اهتمامات المرأة من خلال الصمت، نظرة المُعتَدّ بنفسه، السخرية و الايماءات بــ لا.

وبينما يعني التنظير الذكوري قيام الذكور بشرح أمورٍ للنساء ربما كنّ يعرفنها بالأصل، فهو قد يكون بطرقٍ لفظية أو غير لفظية. وهو كل فعل يقلّل من قدرات المرأة لاستيعاب والتغلّب على العالم من حولها.

عندما تستغرق الفتاة ثانيتان زيادةً لفتح جرّة أكثر من الإنسان العادي، يتقدّم الرجل ويأخذ الجرّة لفتح الغطاء. وعندما يقفز الرجل لمساعدة امرأة في مؤتمرٍ للتأكّد من أن جهاز الكمبيوتر المحمول مرتبط بالبروجكتر من دون طلبٍ منها. تقديم المساعدة قبل حتى أن تفكّر المرأة بطلبها، يربط بين التنظير الذكوري وعدم الموافقة في التفاعلات اليومية، وتأتي من الافتراض الحسن النيّة و/أو من موقع القوّة في “المعرفة”.

بالتالي التنظير الذكوري هو عرضٌ من معتقدين قبيحين: أنّ الرجال يعرفون أفضل، وأن المرأة مستعدةٌ دائما لأن يساعدها أو يعلّمَها أحد.

ويستخدم معظم الرجال العمر كسببٍ كافٍ لهم لشرح الأمور، حيث أنّ مواعدة المرأة لرجلٍ يصغرها سنّاً أمرٌ نادر، ففي الصداقة ودوائر العمل يستخدم الرجال الأكبر، سنوات الفرق الأثنان أو الخمسة للسيطرة على كلّ الأحاديث بخبراتهم، لأنهم موجودون على الأرض فترةً أطول قليلاً. فبداياتٌ جملٍ مثل ”عندما كنت في عمرك، في الثمانينات” دائماً تكون بداية أيّ ردّ رافضٍ لأي قلقٍ لإمرأة عن الحاضر.

كيف ستكون المحادثات بين الرجال والنساء لو اختفى التنظير الذكوري من الحديث؟ الصمت المحرج والردود المشوّشة؟

للأسف، معظم الرجال لا يعرفون طرقاً أخرى للتواصل مع النساء اجتماعياً. كسر الجليد غالباً يعني أنهم يوضحون شيئاً لنا.

هي ليست طريقاً واحدة. لقد لاحظتُ أنني لا أستطيع أن أحافظ على بعض الصداقات والتفاعلات عندما توقّفت عن طلب المساعدة أو الاقتراحات أو النصيحة أو رفضها. من دون القوّة لتُرِيَني الضوء، كان هناك القليل مما يمكن اكتشافه في الصداقة.

قبل أن يتفاعل أحدٌ مع هذا بــ ”ليس كلّ الرجال”. دعوني أعترف بهذا، أنا أيضاً أعتقد بصحة هذا. لا يُنظّر كلّ الرجال. هناك البعض والذين يملكون سلطةً كبيرةً جداً في المجتمع لفِعلها، غالباً من دون أن يُلاحظهم أحد أو أحياناً يتمّ الثناء عليهم لمشاركتهم الخيّرة للمعرفة.

ومن الشائع أيضاً كيف لامرأةٍ من الطبقة العليا مثلي، أن تأخذ على محمل الجد المنظّرين الذكوريين الذين يتحدّثون الإنجليزية بطلاقة مُدَعَّمين بشهاداتٍ جامعية من جامعاتٍ محلية ودولية  أكثر من الرجال الآخرين.

من المهم الاعتراف أنّ الرجال من الطبقات العليا هم روّاد التنظير الذكوري. تاريخياً، كان للرجال من الطبقات العليا الحقّ في تعليم أنفسهم قبل أن يفعل أيّ شخصٍ آخر. وقد استخدموا تاريخياً هذه المعرفة للسيطرة، التلاعب، والتشكيك بحيواتنا. إنّ رأس المال الاجتماعي الثقافي المتراكم من قِبَلهم سمح لهم بالسيطرة على جميع أجزاء المجتمع والحركات الاجتماعية. ومع هذه السلطة يمارسون قوّتهم في التنظير الذكوري وتنظير الطبقات العليا معاً من دون أيّ تجربةٍ حياتية للنوع/الجندر أو التمييز الطبقي.

وتحديداً، لدي أطروحة: الرجال ذوي النيّة الحسنة ينظّرون أكثر. هناك آخرون، الرجال المتحيّزون جنسيّاً ظاهرياً والواعون (وغير الواثقون) بأنكِ تعرفين أمورك، والذين ينظّرون بعيداً أو لساعاتٍ عندما تتكلّمين أو تقدّمين، ويهاجمونك بالصمت.

ويحدث التنظير الذكوري الكلاسيكي غالباً من الآباء الشغوفين، الشركاء المحبّين والأصدقاء الواعون التقدّميون لدرجة التصديق بنظرية المساواة، لكن لو تمعّن الشخص جيداً فأنها لم تتسرّب إلى دواخلهم.

والآن بعد أن استكشفنا جزء الرجل، دعونا نركّز على جزء التنظير أو التوضيح قليلاً. هل تُنظّر “توضّح” النساء أيضاً؟

نعم، في الحقيقة العديد من المرات يومياً. لقد تمّ تكويننا اجتماعياً لتوضيح أماكن وجودنا، جداولنا وتصرفاتنا لطلب الموافقة. نحن نوضّح ماذا كنا نفعل عندما فعل الرجال بنا أموراً سيئة. نحن نوضّح وجودنا في الخاص، العام، الفضاءات المتصلة وغير المتصلة بالإنترنت بتسجيل أسبابٍ منطقية ومحترمة.

هذا النوع من التوضيح  هو على العكس تماماً مما اعتاد الرجال على فعله. نحن نوضّح لتبرير وجودنا كبشرٍ على الأرض، وهم ينُظّرون كلّ ما يحدث على هذه الأرض كأننا نعيش على كوكبٍ آخر. نحن نوضّح لأننا نشعر أننا أدنى منزلةً، هم يُنظّرون لأنهم يشعرون أنهم في منزلةٍ أعلى.

هل التنظير كلّه سيء؟ هل كلّه جندري؟ هل يؤدّي كلّه إلى قوةٍ ديناميكية بين شخصين؟

لقد كانت تجربتي معقّدة. أحبّ كيف تؤدّي المشاركة المتبادلة والتوضيح لتعلّم وطرح أفكارٍ لا تُصَدّق.

عندما نعيش حياةً تفصل بين الجنسين ونحن نكبر، فمن المهم أن نفهم الذاتيّات المختلفة (الجندر، الطبقة، الجنسانية، الرأسمالية.. إلخ) لمواضيع مختلفة (العمل، العلم، التعليم، الجنس، المشاعر، الحريّة.. إلخ). وعندها نتلاقى ونتفاعل.

إنّه ليس تنظيراً عندما يُشارك رجلٌ انطباعه الذي يأتي من النوع الاجتماعي، والذي من الممكن أو غير الممكن أن يكون ظاهراً كنوعه. إنه تعلّمٌ مطلوب وأنا لا أريد أن أفقده. من المهم أن ندرك كيف أنّ جميع المُضطهِدين من رجال الطبقة العليا المغايرين، يحتاجون إلى أن يُسمَعوا ويُتعلَّم منهم.

معظم ما نتعلّمه عن الحياة لا نعرفه من خلال المدرسة أو من الكتب، لكن من أحاديثنا عنه وحوله. وفي المحادثات المُطوّرة مثل أصول التربية، نحتاج إلى تأمين التوضيح من نسخة الجندر وتقديرها ببناء بيئةٍ متراضية ومحترمة حولها.

سأنهي هذا الحديث الفردي كما بدأته، بإقتباسٍ ذو صلةٍ من مقالة سولينت الذكيّة:

“لا تنسي أنني حصلتُ على الكثير من التأكيدات لحقّي في التفكير والحديث أكثر من العديد من النساء، وتعلّمتُ أنّ قدراً معيّناً من التشكيك،بالنفس، هو أداةٌ جيّدة للتصحيح، والتفهّم، والاستماع والتطوير – بالرغم من أنّ الكثير منها مُعيقٌ. والكثير من الثقة بالنفس، ينتج أغبياء مغرورين. هناك توسّطٌ مفرِحٌ بين هذه الأعمدة التي تمّ دفع الجندر إليها، حزامٌ استوائي دافئ من العطاء والأخذ يجب أن نلتقي عنده جميعاً”.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

“التنظير الذكوري”

“التنظير الذكوري”

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015