الدورة الشهرية “عيب” في مجتمعات عربية
GETTY IMAGES

بي بي سي- قد لا يصدق بعض الأشخاص حتى اليوم؛ أن نساء في بعض المناطق الريفية في اليمن يمنَعنَ من الحصاد والزراعة في فترة الحيض “كي لا تنشف الشجرة”، ومن إطعام الماشية “كي لا تمرض الحيوانات”، ومن تحميم أطفالهن “كي لا يمرضوا”؛ أو أن نساء وفتيات في منطقة الأغوار في الضفة الغربية يضطررن للمشي بين الجبال أحياناً للوصول إلى مصادر للماء؛ فغالباً لا ماء في بيوتهن المهدّدة بالهدم، ليستخدمنه في فترة الدورة الشهرية.

كما أن البعض لا يتخيّل مدى صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية خاصةً في أماكن تعاني من النزاعات التي تدفع بالعائلات لمغادرة منازلها، ولا يعرف أنّ فتياتٍ في عمر الـ 12 تقريباً، لا يجدن سوى ثيابهن لاستخدامها بديلاً للفوط، فلا يستطعن التحرّك ومغادرة المنزل.

لذا كتب كثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي أنّ تخصيص الأمم المتحدة يوم 28 مايو/أيار، يوماً للنظافة في فترة الحيض “أمر سخيف”.

لكن شفاء أحمد، وهي طبيبة يمنية ومشرفة على برنامج “الإصحاح البيئي” مع منظمة كير انترناشونال، ترى الموضوع “مهماً جداً”؛ فالعادات الاجتماعية المتَّبَعة في بعض المناطق، وعدم توفّر منتجات تتعلّق بالدورة الشهرية، وصعوبة الوصول إلى موارد المياه، كلها عوامل تؤثّر بالنهاية على “كرامة” الفتيات والنساء الأكبر سناً.

“وصمة عار”

تتراوح المشاكل المتعلّقة بالدورة الشهرية في المجتمعات العربية ما بين عدم توفّر إمكانية الوصول لأبسط متطلبات النظافة الشخصية للنساء من ماء وفوط صحية، وبين انتشار مفاهيم مغلوطة وثقافة تنظر للأمر باعتباره “عيب”.

فحتى اليوم يُنظَر بطريقة سلبية جداً للفتاة أو المرأة الحائض في كثيرٍ من المجتمعات.

تؤكّد جولييت توما، المديرة الإعلامية لمكتب اليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذه النظرة السلبية المنتشرة في المنطقة، حتى أنها تقول إنّ الدورة الشهرية تُعتَبَر “وصمة عار” في بعض الأماكن، لذا تسعى المنظمة لتغييرها من خلال برامج عدّة.

ويبدو أن جذور المشكلة تعود إلى مراحل مبكرة، تنقص فيها مواد تعليمية أو توعوية حول الجانب البيولوجي للمسألة؛ ففي كثير من البلاد العربية تمر الكتب المدرسية بسرعة على موضوع الدورة الشهرية؛ سواء أكان ذلك في مادة العلوم، أو في مادة التربية الدينية، فيبقى الحديث العلني عن الدورة الشهرية “عيباً” في معظم المجتمعات.

تتذكّر الطبيبة شفاء أحمد، أنها زارت مرةً إحدى المناطق الريفية في اليمن، وعندما سألت أمهات نازحات عن المشاكل التي كنّ يواجهنها خاصةً بسبب نقص المياه، كان معظم الأجوبة حول الإسهال وأمراض الأطفال.

وتقول: “نحن مجتمعٌ محافظ، تصعب فيه مناقشة موضوع الدورة الشهرية حتى بين النساء. لذا سألتهنّ بشكل مباشر عن الموضوع بحكم عملي وأدركت أن كلّ امرأة تعاني وحدها من مصاعب تتعلّق بالحيض”.

وتضيف: “تمر كثيرٌ من النساء والمراهقات بمواقف محرجة جداً بسبب ذلك. حتى أن فتياتٍ لا يجدن ماءً لغسيل قطع الثياب التي يستخدمنها فيضطررن لدفنها بحفرةٍ في التراب لإخفائها”.

كما تقول إن فريق عملها مُنِعَ مرة من قبل رجال إحدى المناطق من توزيع رزم مساعدة تحوي فوطاً صحية، عندما علموا بأن فيها “أشياء تتعلّق بالدورة”.

والأمر لا يقتصر على المناطق الريفية أو مناطق النزاع، بل تنتشر هذه الثقافة حتى في المدن.

كارول عوض، مسؤولة المياه والصرف الصحي في مكتب فلسطين لمنظمة اليونيسف، تخبرني أنها تحدّثت مرةً مع مجموعة طالبات في بعض المدارس المختلطة، بعد أن علمت أنهن لا يستخدمن دورات المياه رغم تجهيزها بكل المستلزمات؛ لتعلم أنّ الفتيات يخجلن من الذهاب للحمام على نحوٍ متكرّر “كي لا يحسّ أحدٌ أن لديهن الدورة الشهرية”.

“فقر الدورة الشهرية”

ظهر مصطلح “فقر الدورة الشهرية” للإشارة لعدم القدرة على شراء منتجات صحية أثناء الحيض، ولا تقتصر هذه المشكلة على دول المنطقة، فحتى في بريطانيا لا تتمكّن واحدة من بين كل عشر فتيات بريطانيات من شراء فوط صحية، وتضطر بعضهن إلى استخدام الجوارب ومناديل المطبخ.

وتعمل كثيرٌ من وكالات الأمم المتحدة والجمعيات غير الحكومية الدولية والمحلية على تزويد العائلات المحتاجة بالفوط الصحية اللازمة.

وفي بعض الدول، الإفريقية غالباً، يُطرَح “كأس الحيض”، الذي اختُرِعَ في الثلاثينيات من القرن الماضي، كبديلٍ رخيص وصديق للبيئة للفوط الصحية، لكنه مرفوضٌ تماما في المنطقة العربية لاعتبارت تتعلّق بالثقافة السائدة.

تقول كارول عوض، إنها ورغم تخصّصها بمواضيع المياه والنظافة، لم تسمع عن هذا الكأس قبل العام الماضي عندما كانت تشارك في إحدى المؤتمرات الدولية “هو شيء نحن غير متعودين عليه وهو ليس شيئاً ضرورياً لمعظم العائلات التي غالباً ما تجد طريقة تدبّر بها أمرها في الحصول على فوط صحية”.

وتغيب فكرة بدائل الفوط الصحية على نحو شبه كامل في المنطقة العربية، لأسباب ثقافية وأخرى تتعلّق بمفهوم العذرية.

وتقول كارول: “رغم أنّي سمعت في المؤتمر تأكيدات أن الكأس لا يؤثّر على غشاء البكارة، إلا أنّ الأمهات يخفَن من أيّ شيء فيه خطر محتمل، ويرَبين الفتيات على عدم الاقتراب من أجسادهن”.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

GETTY IMAGES

GETTY IMAGES

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015