“العنف ضدّ النساء”
من يحمي النساء من العنف المنزلي المتصاعد؟

سماح عدوان/خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- يعتبر العنف ضدّ النساء من أكثر القضايا التي يعاني منها المجتمع؛ لوجود الكثير من الأسباب والممارسات التي تكرّس هذه الظاهرة وتقوننها، كالعادات والتقاليد التي تعزز سلطة وهيمنة الرجل وخضوع النساء، وأيضاً وجود قوانين تمييزية ضدّ المرأة تكرّس السلطة الذكورية والأبوية وتنتهك حقوق المرأة وكرامتها، إضافةً لعدم وجود قوانين واضحة رادعة لمُرتَكبي العنف ضدّ النساء.

كما يعتبر العنف الأسري الأكثر شيوعاً بين أنواع العنف وله عدّة أشكال منها العنف الجسدي واللفظي والجنسي  والحرمان من العمل والموارد، إلخ.. .

سأتطرّق هنا لخطورة العنف الأسري وأثره السلبي على جميع أفراد الأسرة وعلى المجتمع وليس على المرأة فقط.

حيث نمّط المجتمع المرأة بالدور الرعائي  وربطه بغريزة الأمومة، ونسبه لها على أنه دورها الأساسي كـ إمرأة بغض النظر عن ظروفها وإمكانياتها ومسؤولياتها ورغبتها. وهنا لن أتناول التنميط كنوع من أنواع التمييز السلبي؛ بل سأنطلق من التناقض والازدواجية من بعد هذا التنميط.

الحقيقة تقول: أطفال اليوم هم شباب المستقبل وبيدهم تحويل المجتمع إلى مجتمع متقدّم ومتطوّر، فهم عماد المجتمع إذا ما تم دعمهم و تنشئتهم تنشئة سليمة وصحية؛ حيث يكتسب الطفل المهارات والعادات والقيم والمفاهيم في مرحلة الطفولة وتبقى معه وترافقه مدى حياته، وما نزرعه اليوم سنحصده مستقبلاً. هذه الحقيقة  مؤلمة ومقلقة جداً عند إسقاطها على واقع الطفولة الحالي في سوريا، فعملية رعاية الأطفال تعتبر بمثابة استثمار للمستقبل؛ لذا تتطلب تقديم جميع الحقوق للأطفال بصورة كاملة.

الواقع يقول: بالرغم من أهمية الدور الرعائي إلا أنّ المجتمع أغفل أهمية هذا الدور وحجّمه؛ حيث يُنظَر إليه على أنه ليس عمل حقيقي، بل ربطه بالفطرة البشرية الخاصّة بالنساء، وغضّ البصر عن الواقع الذي تعيشه النساء وعن الانتهاكات التي تتعرّض لها؛ من إهمال وسوء معاملة، واغتصاب زوجي، وحرمان من الحقوق القانونية وحقّ التعليم والعمل والمشاركة، لتصبح مهمة الرعاية والتنشئة في ظل هذه الظروف غير سليمة ومشوَّهة وتشكّل خطراً على الأسرة وعلى واقع المجتمع ومستقبله.

إنّ أخطر أشكال العنف، برأيي وبما يتعلّق بطرحي أعلاه، هو “تزويج القاصرات” لما في عدم أهليتهنّ في الإنجاب و التربية وبناء الأسرة خطرٌ عليهنّ أولاً، وعلى أفراد الأسرة وعلى المجتمع لاحقاً. هنّ ضحية عنف مستمر بدايةً من العائلة؛ التي زوجتهنّ “تزويج قسري مُبكِر”، ولاحقاً “عنف زوجي” من الزوج وأهله في معظم الأحيان، ليصبح العنف استمراراً لـ “موروث اجتماعي” تراه الضحية حقّاً من حقوق الزوج، وليس “سلوك عدواني يسبب أذى جسدي و نفسي” لها بدايةً ثم يمتد خطره ليطال الأطفال. فالأم التي ترى هذا السلوك طبيعي، ستربّي ابنها الذكر على أنه له الأحقّية بتعنيف أخواته وزوجته. وتربّي الإبنة على الخنوع والطاعة وتقبّل العنف الموجَّه ضدّها على أنه حالة طبيعية من حقّ ذكور العائلة. وهذا الواقع يساهم في توسيع حلقة العنف والدوران داخلها.

بالتأكيد هناك العديد من النساء اللواتي يتعرّضن للعنف، يحاولن استدراك هذا الخلل في تربية أبنائهنّ وبناتهنّ؛ إلا أنهنّ بالطبع سيواجهن صعوباتٍ وتحدّياتٍ كثيرة في إصلاح وترميم نمطٍ يعيشه أو يلحظه الأطفال، لأن التربية بالقدوة ترسّخ أنماط ومفاهيم من الصعب جداً استبدالها.

كما نرى أيضاً العديد من الشبان والشابات الذين واللواتي أدركوا أنهنّ وأنهم  نشأوا في بيئة غير سليمة يواجهون تحدّيات كبيرة في حياتهم/ن؛ حيث يمضون شبابهم/ن في ترميم الثغرات النفسية التي سببتها التنشئة الخاطئة والرعاية المنقوصة محاولين/ات التشافي من عُقَد الطفولة، كعقدة النقص وعقدة قلّة تقدير الذات واحترامها والشعور بالدونية وعدم الأمان وقلّة الثقة بالنفس وغيرها من العقد النفسية التي تشكّل عائقاً في حياتهم/ن الاجتماعية والعملية والعاطفية، في الوقت الذي يجب استثماره في تحديد الأولويات وتطوير الذات وتحديد الأهداف والتطوّر والإبداع والسعي لتأمين مستقبل جيد. ولكن يبقى حالهم/نّ أفضل مقارنةً بأولئك الذين واللواتي لم يدركوا هذا الخلل، ويرون في تعنيف النساء واستخدام العنف لحلّ المشاكل الأسرية حالةً طبيعية سليمة وصحية، لما يشكّلوه من خطر على الأسرة والمجتمع خوفاً من احتمالية ممارستهم/ ن العنف أو حتى قبوله والخضوع له.

نظراً لكلّ ما سبق أصبح لزاماً على المعنيين/ات سنّ القوانين لحماية الأسرة والنساء؛ تصون حقوقهنّ وتحفظ كرامتهنّ وتفرض عقوبات صارمة على مرتكبي العنف، ودعم عمل منظمات المجتمع المدني، وتكثيف جهود النسويّات لرفع الوعي النسوي وتعزيز دور المرأة في كافة المجالات وفي أماكن صنع القرار، والتوعية بخطورة العنف الأسري وجميع أشكال العنف والانتهاكات ضدّ النساء والعمل على إيجاد حلول للحدّ من هذه الظاهرة وانتفائها من مجتمعاتنا.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

من يحمي النساء من العنف المنزلي المتصاعد؟
من يحمي النساء من العنف المنزلي المتصاعد؟

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015