الغارديان: معاناة اللاجئات السوريات في مخيم شاتيلا في لبنان
زيارة إلى مخيم شاتيلا/ شارلوته هاوسفيدل

موقع حل.نت/ ترجمة عن موقع صحيفة (الغارديان)- طفلةٌ بعمر الثالثة عشر عاماً تغتصب بشكل يومي لمدة خمسة أشهر، امرأة وحيدة تشاهد والدتها وأختها وأطفالها يفقدون حياتهم جراء قنبلة، أم تبحث في حاويات النفايات على طعام تقدمه لعائلتها.. تلك بعضٌ من القصص التي سمعتها رسامة الكاريكاتير إيلا بارون عند زيارتها لمخيم شاتيلا للاجئين في بيروت حيث قابلت النسوة في العيادة الصحية لمنظمة أطباء بلا حدود (MSF) لتجسد حالاتهم في رسوماتها.

عن الشهادات والحالات التي رأتها في المنظمة نشرت صحيفة الغارديان البريطانية الأسبوع الماضي، تقريراً يتحدّث عن معاناة النساء في المخيم وعن العنف والاستغلال الذي تتعرض له النساء حيث وصلت لحد الاستغلال الجنسي مقابل الغذاء.

أُسّس مخيم شاتيلا، الذي تبلغ مساحته كيلومتر مربع واحد في العاصمة بيروت، في العام 1949 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين. ويقدّر عدد سكانه بـ 14 ألف شخص، إلا أن التوقعات قد تفوق ذلك العدد بضعفين. فبحسب التقرير، نصف سكان المخيم اليوم من السوريين، وهو لا يخضع لرقابة السلطات اللبنانية. واللاجئين السوريين الذين يسعون للحصول على خدمات صحية نفسية من(MSF) في مخيم شاتيلا، تكون معاناتهم من الصدمات الحادة التي تعرّضوا لها بسبب الحرب أقل من تلك التي يعانونها بسبب التغيرات الديناميكية في العلاقات الأسرية والتي كانت نتيجة لنزوحهم.

لقد قابلت (MSF) عدداً متزايداً من النساء السوريات اللواتي تعرّضن للعنف المنزلي والعنف الجنسي. وبدعمٍ من المستشارين في المنظمة تحدّثن عن قصصهن وتجاوزن الأزمة وأصبحن شاهدات على التحديات النفسية والعاطفية التي تواجهها المرأة في مجتمعهم وكيفية التغلب عليها. وقد استندت الغارديان في تقريرها إلى شهادات القابلة والعديد من النسوة ومستشاريهن.

“أريد أن أبدو كسيّدة”

يكشف التقرير على لسان القابلة في المنظمة أن السؤال الأول الذي يُطرَح عليها في كل جلسات التصوير بالموجات فوق الصوتية هو “هل هو صبي أم فتاة؟”. إلا أن القابلة تجيب دائماً بأنها لا تعرف وأنها تعطي الأولوية لصحة الطفل، فتريها جسدها وتشير إلى القدمين والوجه واليدين كما تساعدها على سماع نبض قلب الجنين. لأنّ السيدة إذا كانت حامل بفتاة قد يتسبب ذلك بحدوث توترٍ مع عائلتها.

وتضيف القابلة بأنها تشعر بالسعادة في كلّ مرةٍ تُشارك في توليد طفل، لكن الأمر قد يكون صعباً جداً أحياناً. ففي إحدى المرات رأت لاجئة سورية تبلغ من العمر اثنا عشر عاماً حامل بطفلها الثاني، فمن الطبيعي بالنسبة لهنّ أن تصبحن أمهاتٍ وهنّ صغار، بحسب القابلة. ها هي (د) تبلغ الآن من العمر 16 عاماً, وقد تزوّجت في سوريا بعمر الـ 14, إنها حامل بطفلتها الأولى. تقول (د) لبارون: عندما تقومين برسمي لا ترسميني أرتدي هذا السروال الفضفاض، أريد أن أبدو مثل سيدة!

“الطعام مقابل الجنس”

وبحسب شهادة المستشارة في (MSF), تقول إحدى اللاجئات السوريات عند سؤالها عن ذكرى جميلة تحملها معها من سورية: في اليوم الذي أنهيت فيه امتحاناتي خرجنا جميعاً إلى الحديقة العامة لتناول المشاوي والمثلجات. انظري لدي صورٌ يمكنك أن تريها.

وعن ذكرياتها الجميلة في لبنان تقول: أفضل الأوقات هنا كانت أيضاً في الحديقة عندما نأخذ أنا وزوجي أطفالنا للعب، لكن هذا نادر الحصول لأن على زوجي البحث عن عمل وأنا لا أستطيع الخروج بمفردي مع الأطفال. لذا فإنني أقضي معظم الأيام في الغرفة مع الأطفال، لقد مضى على آخر يومٍ خرجت فيه قرابة الخمسة أسابيع.

وتضيف: عندما لا يكون لدينا ما يكفي من المال لتأمين الطعام أذهب إلى السوق في المساء لجمع الخضروات من حاويات النفايات. غالباً ما يقدّم الباعة الطعام الطازج مقابل الجنس لكنني لن أفعل ذلك. ربما ليس لديّ شيءٌ هنا، لكنني في الوطن، كنت محتشمة ومحترمة، كان لديّ منزلٌ جيد ووظيفة وجيران وأصدقاء. من الصعب التقبّل بأن تلك الحياة قد رحلت.

وعن معاناة هذه اللاجئة تضيف المستشارة: أُخبِرُها بأن الأمر أشبه بالقفز في الماء البارد، تصابين بالبرد بدايةً في هذه البيئة الجديدة المعادية لكنك تدريجياً سوف تتعودين على المضايقة حتى يصبح من السهل تحمّل الأمر. أذكّرها بأنها مرنة، الذكريات الجميلة تدعمنا عندما تكون الأمور صعبة. أنصحها بتكريس وقتٍ محدّد بشكلٍ يومي لمشاهدة الصور وتذكّر الأماكن والأشخاص الذين فقدتهم. ولكن من أجل التأقلم بشكلٍ أسرع مع الوضع الحالي من المهم أن تتقبل حقيقة أن الماضي لا يمكن أن يعود.

“ذكرياتٌ مريبة”

تقول مستشارة (MSF): أحياناً أقول بأن قبول الصدمة أشبه بفتح خزانةٍ مزدحمة بالملابس, تندفع الأشياء في وجهك بشكلٍ فوضوي بمجرد فتح الباب، لذا يجب أن تقوم بفرزها أولاً من ثم طيّها بعناية. تتحدّث بذلك عن معاناة (م) التي سُجِنَت لمدّة شهر في أحد معسكرات تنظيم داعش.

وتضيف المستشارة: أخبرتني (م) كيف شاهدت الكثير من الأشياء المُرَوّعة: أشخاصٌ يُذْبَحون ونساءٌ يتعرّضن للاغتصاب. أخبرتني أنها كانت حاملاً, وبعد ثلاثة أيام من إهمال آلام المخاض أخذوها إلى مستشفى للتنظيم. ومن أجل إجبارها على الولادة بسرعة قاموا بضربها، وكذبوا عليها قائلين بأنّ طفلها كان ميتاً قبل أن يولد, ففقدت ذلك الطفل. لكن عندما جاءت إلى (MSF) كانت حُبلى مرةً ثانية. وكانت هواجس الذكريات المرعبة عن ولادتها السابقة كبيرة، وكانت تعاني من الخوف من أنّ هذه الولادة سوف تكون مثل تلك. كان لا بد من أن أساعدها لرؤية الأشياء المخيفة على أنها في الماضي فقط. عرضنا عليها العديد من حالات الولادة هنا حتى تمكّنت من قبول فكرة أن هذه ليست مثل مستشفى داعش، وأن أطبائنا سوف يكونون رحيمين. وفي النهاية أنجبت (م) طفلاً بولادةٍ طبيعية وبصحةٍ جيدة.

“شاهدت عائلتي تموت ولم أستطيع فعل شيء”

ويكشف التقرير عن معاناة اللاجئة (ت) حيث قالت: عندما سقطت القنبلة على بيتنا، حوصرت ساقي. لم أستطع فعل أيّ شيء, شاهدت عائلتي تموت أمام عيني, أمي وأختي وطفلاي، كانوا يموتون ولم أفعل لهم شيء. حتى قبل الأزمة لم أتمكّن من منحهم ما يستحقون، لم يحصلوا على ما يحتاجون فأوضاعنا المالية لم تكن جيدة.

وعن حالة (ت) تقول المستشارة في (MSF): أحاول مساعدتها للتخلّي عن الشعور بالذنب، لترى أنّ عائلتها كانت متفهمةً بأنها فعلت كل ما بوسعها وكل ما يمكنها من أجلهم. نحن ما نزال نعمل على الفرق بين النسيان والانتقال، فهي اليوم رُزِقَت بطفلٍ آخر وتقول بأنّ الله عوّضها عن بعض ما فقدت.

“اغتصبني صاحب العمل بشكل يومي لمدة خمسة أشهر”

وعن الاستغلال الجنسي في المخيم, يكشف التقرير عن حالة اللاجئة (ن) حيث قالت: نحن أحد عشر فرداً في العائلة, لذلك أُرسِلت للعمل في مستودعٍ خارج شاتيلا في عمر الثالثة عشر، كنت أفرز الملابس وكان صاحب العمل رجل في الخامسة والأربعين من عمره.

وتضيف: كنت اعمل بمفردي في إحدى الليالي عندما اغتصبني أول مرة، لتصبح تلك عادةً يومية، اغتصبني كلّ يوم لمدّة خمسة أشهر. لم أستطيع قول أي شيء؛ خوفاً على عائلتي من معاناة الفضيحة. ولكن في النهاية لاحظت أختي الكبرى كدماتٍ على جسدي، فأخبرتها بكلّ شيء. فأخذتني إلى منظمة أطباء بلا حدود.

وعن حالة (ن) تقول مستشارةٌ في (MSF): عندما وصلت (ن) إلى المنظمة اكتشفنا أنها حامل, وبدعمٍ من أختها قرّرت (ن) الخضوع لعملية إجهاضٍ متأخّر بالرغم من الخطر الكبير عليها.

وتضيف المستشارة أنّ مثل هذه القصص شائعة, حيث يبقى ضحايا الاغتصاب صامتين بسبب المُحَرّمات الاجتماعية بشأن مثل هذه المواقف. وإذا ما كان الحمل ناجماً عن عملية اغتصاب, تحاول الضحية التخلّص منه بنفسها سراً من خلال تناول عقاقير أو التعرّض لسقوطٍ شديد. لكنهم إذا ما لجؤوا إلينا فيمكننا تقديم المشورة لهم. إذا كانت حاملاً يمكننا مساعدتها على مغادرة المخيم والبقاء في مأوى للنساء، حيث يمكنها أن تضع طفلها بدون التعرّض للإدانة من مجتمعها. أما الرجال المُتَورّطين في عمليات الاغتصاب فلا تتم معاقبتهم أبداً.

”أخذوا ابنتي”

لم يسلم الأطفال في مخيم شاتيلا من العنف الجنسي! فالتقرير يشير إلى إحدى الحالات حيث تقول والدة الضحية: زوجي في السجن بسبب الديون، لذا يجب عليّ تربية أطفالي بمفردي. وليس لديّ الوقت الكافي لإحضارهم من المدرسة إلى البيت. اختُطفت ابنتي البالغة من العمر ستة سنوات وهي في طريق عودتها من روضة المخيم. فقد اقترب منها صبيان بعمر السادسة عشرة والثامنة عشرة، وأخبراها أنها إذا ذهبت معهم سوف يعطونها المال والحلوى. اصطحباها إلى مبنىً مهجور، خلعوا عنها ثيابها وعرضوا عليها أفلاماً إباحية. تضيف الأم: لن تعود ابنتي إلى طبيعتها السابقة. إنها تتوتّر كلما رأت فتيةً صغار، تلقي ألعابها وتركض إلى سريرها لتغطي وجهها وتدّعي أنها تريد أن تنام.

وتقول إحدى المستشارات في المنظمة معلّقةً: غالباً ما نجد هذه المواقف في المخيم، وقد سمعت أن ذلك يحدث مع الأولاد أيضاً وليس فقط الفتيات. اليوم أحضروا إلينا فتاةً أخرى تبلغ من العمر ستة سنوات، اغتصبها رجل في الخمسين من عمره. لقد أحدث معها نوعاً من الاختراق، واخبرها أنها إذا ما عادت في اليوم التالي فسوف تحصل على الحلوى.

وتضيف المستشارة: بالرغم من كل ما نراه إلا أنّ هناك الكثير الكثير من الحالات التي تحصل ولا تصل إلينا أبداً، فالأسوأ دائماً يحدث خلف الأبواب المغلقة.

”إذا شاهد رجال داعش امرأةً جميلة فسوف يغتصبونها”

وتختم الغارديان التقرير بالإشارة إلى التأثيرات النفسية للأحداث في المخيم على الأشخاص الذين نجوا من تلك المعاناة. فكانت شهادة إحدى اللاجئات؛ حيث قالت: عندما بدأت الحرب أردت اللحاق بزوجي في لبنان, لكنني حُوصِرت في مخيم للاجئين في سوريا. وإذا ما رأى رجال داعش امرأةً جميلة في المخيم فسيأخذونها ويغتصبونها. كنت خائفةً جداً ولم أفارق خيمتي المختبئة بها طوال الليل والنهار لمدّة شهر. وعندما وصلت أخيراً إلى شاتيلا فقدت ثقة زوجي بي. كان يعرف بأنّ العديد من النساء تَعَرّضن للاغتصاب، لذا كان يطرح الكثير من الأسئلة حول كيفية تمكّني من الوصول إلى هنا بأمان. وعندما أدرك بأني كنت مخلصةً له تمكنّا من أن نكوّن عائلتنا مجدداً. لكنه لا يزال يغضب بسرعة ويعود ليقول أنه ليس ذنبي، هذا فقط بسبب إحباطه من الوضع هنا في شاتيلا.

وتكشف المستشارة النفسية في (MSF) في التقرير بأنّه من الصعب معالجة الأمراض النفسية ما لم تستطع تغيير الظروف المُسَبّبة لها؛ “فحتى العمل هنا في المخيم صعب. كلما احتجت لاستراحة من العمل أخرج إلى الشرفة على سطح العيادة وأنظر إلى هناك, ألا يمكنك رؤية ما يشبه مجرى للدموع أسفل المباني؟ إنها آثارٌ من خزانات المياه لأن الآبار الوحيدة الموجودة هنا مياهها مالحة. يمكنك أن ترى أيضاً كثافة أبراج طيور الحمام وكيف الناس تطعمهم! أليس هذا غريباً بالرغم من فقرهم الشديد؟ لكن ربما يجدون في ذلك شكلاً من أشكال الحرية!”

زيارة إلى مخيم شاتيلا/ شارلوته هاوسفيدل

زيارة إلى مخيم شاتيلا/ شارلوته هاوسفيدل

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015