“المرأة في القوَّات العربيَّة المسلَّحة” ورقة بحثية من إعداد مركز كارنيغي للشرق الأوسط
المرأة في القوَّات العربيَّة المسلَّحة/ مركز كارنيغي للشرق الأوسط

متابعات- لطالما كان انخـراط المرأة فـي الجيوش العربية بطيئـاً وغيـر متسـق ويشـكّل مشـكلة اجتماعية وسياسـية.. وعلى الرغــم مــن ذلــك يشــهد هـذا الوضـع تغيّراً تدريجياً. وعلى الرغم من تزايد انضمام النساء إلى صفوف الجيوش على مرّ التاريخ، فإن الجهود العربية المبذولة حتى الآن لا تكفي لتحويل الدور العسكري للمرأة من الاستبعاد التام إلى الاندماج الكامل.

نشر مؤخراً مركز كارنيغي للشرق الأوسط ورقةً بحثية في 23 صفحة، تحت عنوان «المرأة في القوات المسلَّحة العربية»، والتي تضمّنت العديد من الإحصاءات بغاية دراسة وضع المرأة داخل الجيش الوطني (النظامي) في ست دول عربية، هي: الجزائر، ومصر، والأردن، ولبنان، وسوريا، وتونس. كما تضمّنت الورقة أيضاً العديد من التوصيات بهذا الشأن.

الورقة البحثية التي أعدَّتها الباحثتان دالية غانم ودينا عرقجي، ضمن برنامج العلاقات المدنية–العسكرية في الدول العربية في المركز، تقول: على مدى الثلاثين عاماً الماضية، أثار انضمام النساء إلى الجيوش الغربية نقاشاً محتدماً  بين المناصرين والمعارضين:

– إذ يشدّد المناصرون لاندماج المرأة في الجيش على أهمية المساواة التي تكفل للمرأة الانخراط في الخدمة العسكرية إلى جانب الرجال، بما في ذلك مشاركتها في الأدوار القتالية.

– وعلى الجانب الآخر، يجادل المعارضون بأن وجود النساء داخل القوات المسلحة في حدّ ذاته، بالإضافة إلى ضعفهن الجسماني المُتَصوَّر، يقوّض الروح المعنوية والأداء القتالي داخل المؤسسة التي كان الذكور يهيمنون عليها تاريخياً.

لطالمــا كان التحــاق المــرأة بالجيــوش في البلدان العربيــة خلال الثالثين ســنة الأخيــرة محــل جـدل مكثّـف. مـن جهـة، يؤكّـد المؤيـّدون لالتحـاق المـرأة في الجيــش، على حقّهـا المتســاوي في الخدمــة إلـى جانـب الرجـل، بمـا في ذلـك القيام بالأدوار القتاليـة. ومـن جهـةٍ أخـرى، يزعـم المعارضـون أنّ وجـود المـرأة، إضافـةً إلـى قدرتهــا الجســدية المحــدودة يحــدّان مــن روح العمــل الجماعــي والأداء القتالــي لمــا كان تاريخيـاً منوطــاً بالرجـل لوحـده.

في خضـم هـذا النقـاش، ارتفـع عـدد النســاء اللواتــي يرتديــن الــزي الموحّـد لبلــدان منظمــة حلـف شـمال الأطلسـي مـن 30,000 في عـام 1961 إلـى 288,000 في ســنة 2001. وفي عــام 2018، شكّلت النســاء 40 بالمئة من الموظفين الدوليين التابعين لحلف شمال الأطلسي، مــع 25 بالمئــة في مناصــب عليـا. في حيـن أنّ نسـبة المـرأة المشـاركة فـي الأركان العســكرية الدوليّـة شــكّلت 8.16 بالمئـة مــن الأفـراد.

وعلى سـبيل المقارنـة، فـإن انخـراط المرأة فـي الجيوش العربية لطالمـا كان بطيئـاً وغيـر متسـق ويشـكّل مشـكلة اجتماعية وسياسـية. على الرغــم مــن ذلــك، يشــهد هـذا الوضـع تغيّراً تدريجياً، فحتـى البلـدان التـي تتسـم بســلطة أبويــة نافــذة وفصــل حــازم بيــن الجنســين، مثــل المملكـة العربية السـعودية، سـمحت بتجنيـد المـرأة في المؤسسـة العسـكرية كحـرس للحـدود. ومـع ذلك، يسـتمر الجــدل حــول كيفيــة ومــكان تدريــب المــرأة وتأديتهــا لخدمتهــا، وإلــى أي مــدى يجــب إنخراطهــا.

بالإضافــة الـى ذلـك، يجـب الإقـرار بالجهـود السـاعية إلـى تأسـيس قــوّات مســلّحة في الشــرق الأوســط وشــمال إفريقيــا تشــمل كلا الجنســين.

لقـد إنخـرطت المـرأة فـي القـوّات المسـلّحة العربية على مسـتويات مختلفـة وبطـرق مختلفـة. نتيجـةً لذلـك، يصعـب رسـم خريطـة واضحـة ودقيقـة بيـن دول الشـرق الأوســط وشــمال إفريقيــا.

تركّــز هــذه الدراســة بشـكل خـاص على البلـدان التـي يحفـل تاريخهـا بالنسـاء المنخرطـات في المؤسسـة العسـكرية، والتـي غالبـاً مـا يعـود تاريخهـا إلـى حـروب الاسـتقلال في الخمسـينيات والسـتينيات. عـلاوةً على ذلـك، اقتصـر اختيـار البلـدان في هــذه الدراســة على تلــك التــي تتوفّــر معلومــات حولهـا. بالتالـي، هـذه القائمـة ليسـت شـاملة. فالهـدف الطويـل المـدى لفريقنـا هـو توسـيع التقريـر لتغطيـة كل بلـدان الشـرق الأوسـط وشـمال إفريقيا.

المرأة في القوات المسلحة.. بين جيوش دول الناتو وبلاد العرب

في خضم هذا النقاش، زاد عدد النساء اللواتي يرتدين الزي العسكري في دول منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من 30 ألفًا في عام 1961 إلى 288 ألفًا في عام 2001. وفي عام 2018، أصبحت النساء تشكل 40% من موظفي الناتو الدوليين، وبات 25% منهن يشغلن مناصب مرموقة. فيما استحوذت على 16.8% من المناصب العسكرية الدولية.

بالعودة إلى منطقتنا، تلفت الورقة إلى أن اندماج المرأة في الجيوش العربية غير متناسق وبطيء ومثقل بإشكاليات اجتماعية وسياسية. ومع ذلك فإن هذا الوضع يتغير تدريجيًا، وسمحت دولًا مثل المملكة العربية السعودية، تتبنى معاييرًا أبوية توليها اهتمامًا بالغًا وتطبق فصلًا صارمًا بين الجنسين، بتجنيد النساء في الجيش ضمن قوات حرس الحدود.

ولا يزال النقاش مستمرًا حول كيفية تدريب النساء وخدمتهن، والمكان المناسب لإجراء هذا التدريب والقيام بتلك الخدمة، وإلى أي مدى ينبغي أن يستمر دمج المرأة في صفوف القوات المسلحة. ومع ذلك تؤكد الباحثتان على ضرورة الاعتراف بالجهود المبذولة لفتح أبواب جيوش دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمام النساء، وجعلها مؤسسات تتسع لكلا الجنسين.

1- المرأة في الجيش الجزائري

تشيد الورقة بجهود الجيش الجزائري في تجنيد النساء والاعتراف بحقوقهن، بالرغم من أن الوصول إلى هذه المرحلة استغرق وقتًا طويلًا. ففي عام 2006 كفل القانون للمرأة الجزائرية مكانة مساوية للرجل في الخدمة العسكرية. ومنذ عام 2009 فصاعدًا، تمكنت النساء من الوصول إلى أعلى الرتب في صفوف الجيش. واليوم، أصبح عدد النساء في الجيش الجزائري يزيد بـ30 ضعفًا عن عددهن في بداية تأسيس المؤسسة العسكرية عام 1978، وأضحت أبواب مختلف المدارس والكليات العسكرية مفتوحة أمامهن تمامًا مثل الرجال.

وترصد الورقة بعض التحديات التي لا تزال تواجه المرأة الجزائرية، منها: تواضع عدد النساء اللواتي يرتقين إلى المناصب العليا ومراتب صنع القرار، وإن استطاعت فاطمة عرجون في عام 2009 أن تصبح أول امرأة جزائرية تحجز لنفسها مقعدًا في صفوف الجنرالات، بشغلها منصب المدير العام لمستشفى عين النعجة العسكري، تبعتها فاطمة بودواني في عام 2012، ولحقت بهن ثلاث نساء أخريات في عام 2012.

وتمثّل النساء 17% من إجمالي عدد الأفراد الذي يخدمون في القطاع الصحي العسكري، ويتواجدن أيضًا بكثافة في القطاع التعليمي العسكري، كمدربات أو باحثات أو عالمات، لكنهن يستبعدن من الانضمام إلى سلاح مشاه المدرعات وفروع المدفعية الميدانية المكلفة بخوض مهام قتالية، وأيضًا وحداث القوات الجوية.

وتشير الباحثتان إلى وجود بعض الأسباب التي تُساق عادة لتبرير هذا الاستبعاد، أشهرها: الاختلافات الفسيولوجية بين المرأة والرجل. ونتيجة لذلك، لا تستطيع النساء قيادة العمليات العسكرية، وبالتالي لا يستطعن الارتقاء إلى معظم الرتب الرفيعة التي يشغلها الرجال. وبناء عليه فإنهن غير قادرات على المشاركة في عملية صنع القرار المنوط بها تغيير حياة المرأة ووظائفها داخل المؤسسة العسكرية.

2- المرأة في القوات المسلحة المصرية

على الرغم من أن الدستور المصري يضمن المساواة بين الجنسين (المادة 11)، تقول الورقة إن المواقف السائدة تجاه اندماج المرأة في الجيش يمثل عائقًا أمام الجهود الرامية لتحسين المساواة بين الجنسين في قطاع الدفاع.

في نهاية أربعينات القرن الماضي، أثناء الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، التحقت النساء بصفوف القوات المسلحة المصرية لأول مرة للقيام بمهام متخصصة، واقتصر دورهن على مجال التمريض والمناصب الإدارية. وفي عام 2004 سمحت القوات المسلحة بالتحاق أول امرأة بالمعهد الفني للتمريض العسكري لتصبح ممرضة مظلية.

في الواقع يقتصر التجنيد العسكري على الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة. وبالرغم من أن الدستور لا ينص على أي التزامات تختص بالمرأة، من المتعارف عليه أن النساء يخدمن في الجيش كضابطات متخصصات في الوظائف الإدارية، ويقمن بمهام تمريضية ويعملن كمساعدات في وظائف الخدمة المدنية. وفي حين لا توجد قيود واضحة على ترقي النساء في المناصب داخل الجيش، تشير البيانات المتاحة إلى أن أعلى ضابطة في صفوف القوات المسلحة المصرية هي: الرائد رحاب عبد الحليم.

بيدَ أن وضع المرأة داخل القوات المسلحة المصرية شهد تقدمًا بطيئًا منذ عام 2011. وفي حين قدمت الحكومة وعودًا لتحسين المساواة بين الجنسين في الجيش، إلا أنها لم تبذل جهودًا جادة على مستوى الحجم والنطاق. وترصد الورقة العديد من التحديات التي تواجه النساء في الجيش المصري، ومنها أن المسؤولين العسكريين يميلون إلى تبني معتقدات تحصر المرأة في أدوار محددة تناسب طبيعتهن الأنثوية، وإعفائهن من الاضطلاع بمهام يعتقد أنها حكر على الرجال.

تحدٍ آخر يتمثّل في العوامل القانونية والدستورية؛ فعلى الرغم من أن المادة 11 من الدستور المصري تكفل المساواة بين الجنسين، فإن المادة 10 «تلتزم بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وتحرص على تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية حمايتها» استنادًا إلى مبادئ «الدين والأخلاق الوطنية». وتقول الباحثتان: إن هذه المادة تستخدم كذريعة لمعارضة ترقي المرأة وتعزيز المعايير التقليدية، وتستشهد الورقة على ذلك بفتوى أصدرها الأزهر في عام 2016 تنص على أن تجنيد النساء في الجيش يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأنه يكبدهن معاناة مهينة.

وأخيراً تذكر الورقة أن هناك نقص في التواجد النسائي على مستوى صنع القرار في قطاع الدفاع؛ وترى الباحثتان أن هذا يمكن أن يعوق تقدّم المرأة في تولّي الأدوار وترقيها في الرتب. وتستدل على ذلك بالإستراتيجية الصادرة عن المجلس القومي للمرأة في عام 2017، والتي لم تتطرق إلى دور النساء في الجيش، على الرغم من أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن عام 2017 «عام المرأة المصرية».

3- المرأة في القوات المسلحة الأردنية

تُرَجِّح الورقة أن تنوّع الجنسين في القوات المسلحة يمكن أن يساعد الدولة على التكيّف مع التهديدات الأمنية الجديدة. والأردن مثال جيد على ذلك؛ حيث ارتفع عدد النساء المجندات في صفوف الجيش، وفُتحت أمامهن أبواب الترقي إلى رتب أعلى. ولا غروَ أن يحظى الأردن بنصيبٍ وافر من اهتمام الورقة.

سمح الجيش الأردني بانضمام النساء إلى صفوف القوات الجوية منذ عام 1950، حيث اضطلعن بأدوار تعليمية في المدارس العسكرية، حتى إنشاء كلية الأميرة منى للتمريض في عام 1962. وكان عام 1995 نقطة تحول في مسيرة المرأة الوظيفية، إذ تعزز دورهن في التدريب والتوظيف والترقية والمشاركة داخل الجيش الأردني. وبعد تفجيرات عمان عام 2005 – التي تورطت فيها امرأة عراقية تتبنى أفكارًا جهادية، هي ساجدة مبارك عتروس الريشاوي، وأسفرت عن مقتل 57 شخصًا وإصابة 115 أردنيًا – تنبهت السلطات الأردنية لأهمية الاستعانة بالنساء في الوحدات الجديدة، وخاصة تلك التي تضطلع بمكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الاستخباراتية.

وفي عام 2006 كان حوالي 4883 امرأة تخدم في صفوف القوات المسلحة من أصل ما يقرب من مليون و500 فرد في الجيش: 1203 ضابطة، و2421 امرأة تعمل في الخدمة العسكرية، إلى جانب 1259 امرأة مدنية. وحتى مارس (آذار) 2019، كان الإناث يمثلن ما يقرب من 1.5% من مجموع أفراد القوات المسلحة الأردنية. ويمكن للنساء الانضمام للجيش كموظفات مدنيات أو كضابطات، وكضابطات صف، أو كمجندات، ويتساوين مع الرجال في الرواتب والترقيات ومدة الخدمة العسكرية.

وصاغت لجنة المساواة بين الجنسين مشروع قانون أُقِرّ في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وأطلق رسميًا في مارس (آذار) 2018، بهدف توسيع توظيف النساء في قطاعات ومناصب قيادية جديدة، والسعي إلى تحسين جودة وأداء الجيش عامة، وتدريب وتعليم المرأة خاصة. وتخضع النساء، مثل نظرائهن الذكور، لاختبارات صارمة (الصحة الطبية والعقلية، ومهام القيادة، واللياقة البدنية) للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة.

واليوم يمكن للنساء في القوات الجوية الأردنية الوصول إلى مناصب مختلفة، بما في ذلك تلك التي كانت تقتصر على الرجال، مثل: القوات الجوية، والشرطة العسكرية، ووحدة حماية الحرس الملكي، والاستخبارات العسكرية. وتشارك النساء أيضًا في عمليات مختلفة في الخارج، ضمن الوحدات الطبية، مثل مستشفى الخط الثاني في الكونغو، ومستشفى الخط الثالث في ليبيريا، وضمن القوة المتواجدة في أفغانستان. وتحصل النساء على ترقيات وأجور مثل نظرائهن الذكور، كما يمنحن إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، وإجازة غير مدفوعة لمدة سنتين لأسباب مختلفة، لا تحتسب عند الترقية إلى الرتبة الأعلى.

بالرغم من ذلك كله تقول الورقة: إن المرأة الأردنية لا تزال تواجه العديد من التحديات، وتنصح الباحثتان ببذل المزيد من الجهود لتكثير عدد النساء اللواتي يلتحقن بالقوات المسلحة، إذ لا يزال عددهن «متواضعًا للغاية». وتستشهدان على ذلك بنشر 40 امرأة فقط خلال السنوات العشر الماضية، من أصل 61 ألف و611 جندي يشاركون في قوات حفظ السلام الأردنية، التي تضم الرجال والنساء.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز وجود المرأة في الجيش، تخلص الورقة إلى أنها «لا تزال غائبة عن مواقع صنع القرار في القوات المسلحة الأردنية». كما أن غياب البنية التحتية الكافية لا يزال يمثل إحدى العقبات الرئيسة، وهناك حاجة ماسة لتحسين وإنشاء مرافق نسائية لزيادة اندماج المرأة صفوف الجيش. وهناك أيضًا برنامج JONAP الذي يهدف إلى زيادة النساء في القوات الجوية الأردنية من 1.5% إلى 3% من مجموع الأفراد الذين يخدمون خارج القطاع الطبي العسكري. وفي عام 2017، وضع البرنامج نصب عينيه إنشاء مراكز تدريب وإعادة تأهيل مخصصة للنساء.

4- المرأة في القوات المسلحة اللبنانية

تقول الباحثتان: إن الجيش اللبناني يعد نموذجًا مصغرًا للسياسات اللبنانية غير المتناسقة المتعلقة بالجنس. وتسرد الورقة تاريخ المرأة في القوات المسلحة اللبنانية، منذ فتح الجيش أبوابه أول مرة للنساء في نهاية الحرب الأهلية عام 1990. وخلال التسعينات، قبلت القوات المسلحة اللبنانية أفواج الإناث في مجالات متخصصة محدودة، بدءًا بالوظائف الإدارية، وما تفرع عن ذلك من مشاركتهن في الشرطة العسكرية، والوحدات الرئيسة الأخرى.

وبحلول نهاية العقد الأول من الألفية الثانية زاد عدد النساء، لكن بنسبة متواضعة، مقارنة بإجمالي عدد الأفراد الذين يخدمون في صفوف القوات المسلحة. ومع ذلك ترقت النساء اللواتي التحقن بالجيش اللبناني تدريجياً في الرتب على مر السنين دون عقبات. كما تطورت تصورات المجتمع تجاه انضمام النساء إلى الجيش، بعدما واجهت المرأة مقاومة خلال العقدين الأوليين من داخل المؤسسة العسكرية وخارجها.

وفي عام 2009، وصل عدد النساء في صفوف الجيش اللبناني إلى ألفين، لكنه انخفض إلى حوالي ألف من أصل 70 ألف فرد عسكري قبيل عام 2017، ثم ارتفع عددهن مرة أخرى  إلى 4 آلاف في عام 2019، ليشكلن 5% من إجمالي أفراد القوات المسلحة البالغ عددهم 80 ألفاً.

وتنصح الورقة الجيش اللبناني بتحسين الحوكمة القانونية، وزيادة حجم ونطاق التحاق الإناث بصفوف القوات المسلحة. وتلفت الباحثتان إلى أن القرارات الوزارية المنظمة للتواجد النسائي في صفوف القوات المسلحة قديمة، إذ تعود إلى ثلاثة عقود خلت، وهي قرارات ترتبط بوزير الدفاع الوطني، وتفتقر إلى القوة الملزمة، إذ يمكن لأي شخص يرأس الوزارة إلغاء القرارات القائمة دون موافقة مجلس الوزراء، على عكس القوانين والمراسيم العادية. والتحدي الحاسم الآخر للنساء في الجيش اللبناني بحسب الورقة هو: عدم وجود استراتيجية جنسانية شفافة تحكم رؤيتها التقدمية لتجنيد النساء على المدى القصير والمتوسط والطويل.

5- النساء في القوّات المسلّحة السوريّة

على عكس معظم الدول العربية، تشارك النساء السوريات في أدوار قتالية منذ عام 2013. في تلك السنة، انضمت حوالي 450 امرأة إلى قوات الدفاع الوطني، وفي عام 2015، تشكل لواء من قوات النخبة مكون بالكامل من النساء، يضم 800 امرأة لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)». وانتشرت النساء على خطوط الجبهة في مواقع مختلفة، وتولين مهامًا قتالية مثل القنص وقيادة الدبابات.

وبين عامي 2013 و2016 كانت هناك حوالي 8500 متطوعة، كان بعضن جزءًا من قوات الدفاع الوطني والمليشيات الأخرى التي تقاتل إلى جانب الجيش. وهو التوجه الذي تلفت الورقة إلى أنه يمكن النظر إليه باعتباره إستراتيجية علاقات عامة يتبناها الجيش السوري لتصوير المؤسسة العسكرية بأنها تقدّميه.

على الرغم من ذلك، لا تزال النساء اللواتي يشغلن مناصب رفيعة المستوى في الجيش السوري هن الاستثناء وليس القاعدة. ومن النادر أن تجد نساء في مناصب عليا أو يشاركن في عملية صنع القرار. علاوة على ذلك هناك بلاغات بشأن العديد من حالات التحرّش الجنسي، وتستشهد الورقة على ذلك بفيديو ذاع صيته في عام 2019 يوثّق شكاوى النساء اللواتي يخدمن في اللواء 130 من التحرّش الجنسي، خاصة من كبار ضباطهم.

وتستدرك الورقة: لكن للأسف لا تتوفر بيانات حول معدلات التحرش الجنسي في القوات المسلحة السورية، أو في أي جيش عربي آخر. علاوة على ذلك لا توجد معلومات عن وجود استراتيجية وقائية أو آلية حماية داخل القوات المسلحة السورية. ولأن هذا الموضوع من المحرمات، تقول الباحثتان إنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت القيادة العسكرية تتصدى لهذه المزاعم، أو معرفة كيف تتعامل معها. ولمواجهة ذلك تنصحان بتنظيم حملات تدريب وتواصل لتوعية الموظفين العسكريين بشأن قضية التحرّش الجنسي.

6- المرأة في القوّات المسلّحة التونسية

تؤكّد الورقة على أن تونس واحدة من أكثر الدول العربية تقدمية في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، حتى في الدفاع عن البلاد حسبما ينص الدستور. ومنذ سبعينات القرن الفائت، تمكنت النساء من الترقي في صفوف القوات المسلحة التونسية. ومن الناحية النظرية، تعتبر الخدمة العسكرية مفتوحة على قدم المساواة للرجال والنساء. لكن في الواقع لا تزال الخدمة العسكرية إلزامية للرجال وتطوعية للنساء.

وعلى الرغم من موقع المرأة المتقدم في المشهد التونسي، لا تزال هناك فجوات تعوق تقدمها، تذكر الورقة منها على سبيل المثال: الافتقار إلى سياسة جنسانية شفافة في قطاع الدفاع، وضعف التنسيق المدني – العسكري بين القوات المسلحة والمؤسسة السياسية؛ وهما عقبتان في طريقة تحسين انخراط المرأة في صفوف الجيش التونسي تحسيناً جوهرياً.

وعلى الرغم من التصورات المجتمعية الإيجابية للمشاركة النسائية في صفوف القوات المسلحة، لا تزال هناك فجوة بين الجنسين داخل الجيش التونسي؛ إذ تشكل النساء أقل من 7% من عدد الأفراد في قطاع الدفاع؛ ما يعكس حاجة إلى تحسين مشاركتهن من حيث الحجم والنطاق.

الاستنتاجات والتوصيّات

باستعراض الحالات الست السابقة، تخلُص الورقة إلى أن الجهود المبذولة لدمج النساء في الجيوش العربية كانت نشطة إلى حدّ ما، وبالتالي تتحدّى المعايير المجتمعية التي تعزّز التمييز بين الجنسين، برغم العقبات التي تعرقل اندماج المرأة العربية في الجيوش لأسباب سياسية (استبعادهن من عملية صنع القرار) واجتماعية (التصوّرات المجتمعية المتحيّزة) ومالية (الافتقار إلى البنية التحتية).

وعلى الرغم من هذه التحدّيات، تؤكّد الباحثتان أنّ النساء العربيات في الدول المذكورة أعلاه قطعت شوطاً طويلاً من الهامش إلى مركز القوّات المسلّحة، ولا يمكن تجاهل جهود العديد من الجيوش العربية لتجنيدهن وتدريبهن والاعتراف بحقوقهن، حتى ولو لم يكتمل اندماج المرأة في الجيوش العربية تماماً.

ومن أجل تعزيز التكامل بين الجنسين في الجيوش العربية، وتمهيد الطريق لدمج النساء على نحوٍ أفضل، تنصح الورقة بدراسة إصلاحات محدّدة، تستهدف معالجة التحدّيات المذكورة أعلاه، وصياغتها وتنفيذها:

1- ينبغي أن تضع الجيوش العربية إستراتيجيات جنسانية شفّافة، تساعد النساء على الالتحاق بسهولة والاندماج بفعالية وفق معايير متساوية مع نظرائهن الذكور.

2- يتعيّن على الجيوش العربية أن تبذل جهوداً أكبر لتمثيل النساء كجنود، لترسيخ قيمة المساواة، ومحاربة التصوّرات المتحيّزة. ويمكن تنظيم حملات توعية وورش عمل ومؤتمرات ونقاشات عامة وأبحاث حول مساهمات المرأة في الجيش عامةً، والوحدات القتالية خاصةً.

3- ينبغي على الجيش بذل المزيد من الجهود لتوسيع دور المرأة في المؤسسة العسكرية، التي لا تزال –بالرغم من كل الجهود المبذولة– حصناً يهيمن عليه الذكور. ومن خلال دمج النساء على نحوٍ أفضل، سيطوِّر الجيش ثقافة عسكرية مختلفة، تتيح للنساء المساعدة على إعادة تشكيل العلاقات المدنية العسكرية، وبالتالي تجسير الفجوة بين المجتمع والجيش.

4- عدم الاكتفاء بإصدار القوانين والمراسيم، بل ينبغي إتباع ذلك بإجراءات عملية تكفل المساواة بين الجنسين، وهذا يعني التوقّف عن عرقلة صعود النساء إلى مواقع القيادة. ويجب أيضاً أن تتاح للنساء إمكانية الوصول إلى جميع المناصب والوحدات، بما في ذلك الوحدات القتالية. وهذا يمكن أن يسمح لهنّ بممارسة دور حاسم في عمليات مكافحة الإرهاب، والمساهمة إسهاماً كاملاً كمواطنات في حماية بلادهنّ.

5- ينبغي ترسيخ قيمة المساواة وتفعيلها من خلال التدريب والتقييم المناسبين للنساء، لإعدادهن بفعالية للمشاركة في العمليات الميدانية.

6- على القادة العسكريين تقييم المعدات العسكرية وتكييفها لتتناسب مع أجساد النساء.

وتختم الورقة بالتأكيد على أنّ دمج المرأة في الجيش لا يعني فقط توظيف المزيد من النساء، بل «جعل اهتمامات وتجارب النساء –كالرجال– بُعداً أساسياً في صياغة وتنفيذ ورصد وتقييم السياسات والبرامج في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، بما يفيد النساء والرجال على قدم المساواة»، كما ينصّ بيان الأمم المتحدة.

يمكنكم تحميل الملف كاملاً باللغتين العربية أو الإنكليزية، من خلال زيارة الموقع الإلكتروني لـ (مركزكارنيغي للشرق الأوسط) أو لـ (المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأميركية).

المرأة في القوَّات العربيَّة المسلَّحة/ مركز كارنيغي للشرق الأوسط

المرأة في القوَّات العربيَّة المسلَّحة/ مركز كارنيغي للشرق الأوسط

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015