المرأة في المجتمع.. من التمكين إلى التمكّن
المرأة في المجتمع.. من التمكين إلى التمكّن

وفاء علّوش\brocarpress- يمثّل التمكين الاجتماعي خطوة أساسية وأولية في أي اتجاه تمكيني للمرأة على الصعد كافة.

فالتمكين الاقتصادي حاله حال التمكين القانوني والسياسي يصبح غير ذي جدوى في حال كانت المرأة مهمَّشة اجتماعياً وغير مرغوب في مشاركتها الفعّالة في الواجبات والحقوق، أو في حال كان أي خروج لها عن أي مسار اجتماعي يعدّ عصياناً وإثماً تستحق العقاب من أجله.

وحين نتحدّث عن العقاب هنا فنحن نتحدّث عن مجتمع سلطوي برمته من ناحية الذكور أو من ناحية العائلة بإناثها في بعض الأحيان، ممن يعتقدون أن أي خروج على العرف العام جريمة تستوجب تطبيق العقاب، ما يجعل المجتمع خصماً وحكماً في آن واحد.

من هذا المنطلق يبدو التمكين الاجتماعي أشبه بتمهيد الأرض وتعزيز خصوبتها، بهدف غرس محاور تمكينية أخرى تستطيع المرأة من خلالها إثبات حضورها الإنساني ووجودها عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع، إذ إنها والرجل يعدّان صنوان متكافئان ومتماثلان في الحقوق والواجبات لا يمكن أن يتفوّق أحدهما من دون دعم الآخر أو وجوده.

لابدّ إذن مثلما ذكرنا سابقاً في إطار الحديث عن التمكين القانوني من البحث بجدّية عن آليات لتحقيق تمكين المرأة اجتماعياً، وعدم التعامل معها على أنها آلة لإنتاج الأطفال أو حضانتهم فحسب وفي حالات أسوأ اعتبارها آلة جنسية من أجل امتاع الرجل وتحسين شروط حياته.

فالمرأة في كثير من الموروثات الشعبية ما زالت تعدّ رمزاً للغواية، إذ حصرَتها مجتمعات مختلفة في دورها الأنثوي الفزيولوجي، حالها بذلك حال ثديّات الكائنات الأخرى الموجودة على سطح البسيطة، بحجّة حمايتها أو حرمَتها، الأمر الذي قد ينكره أو يستنكره كثيرون منّا، لكنه في الحقيقة ما زال منتشراً في أصقاع كبيرة ومساحات واسعة من الكرة الأرضية.

من زاوية معيّنة نستطيع أن نرى التداخل بين التمكين الاجتماعي والقانوني بطريقة أقرب إلى التماهي، فالمصطلحين مرتبطين بعضهما بالآخر إلى حد كبير بفارق بسيط في مسألة التوقيت من حيث أسبقية أحدهما على الآخر.

فمسألة إنهاء العنف الأسري على سبيل المثال تعدّ من أهم الخطوات من أجل تكوين أنثى سليمة معافاة من الناحيتين الجسدية والنفسية لتكون عضواً فاعلاً في المجتمع، غير أن ذلك يتطلّب وجود قانون وضعي يُجَرّم الجاني بشكل صريح ويمنع انتشار مثل هذه الظواهر في المجتمعات الأكثر انغلاقاً على وجه الخصوص.

فالمرأة في الريف، وعلى الرغم من كونها أكثر إنتاجية وفاعلية في تدبير الأرياف العربية، ما زالت تعاني استبعاداً اجتماعياً في كثير من المناحي والمؤشرات المرتبطة بالصحة والتعليم والإرث.

ينبغي علينا إذن العمل عبر محاور ومسارات مشتركة وبشكل متوازٍ من أجل تحسين الشروط البيئية والاجتماعية التي تحيط بالنساء بشكل عام من خلال:

  • العمل على صياغة رؤية وأهداف واستراتيجية لبناء بيئة اجتماعية إيجابية تتقبّل وجود عنصر جديد في المجتمع، فاعل وقادر على تحمّل مسؤولية نفسه أولاً وتحمل مسؤوليات اجتماعية أخرى ثانياً، وترك الأمور الخلافية غير المجدية من ناحية التشكيك في مقدراتها ووضعها في مرتبة متخلّفة عن أقرانها بحكم جنسها فحسب.
  • تجهيز البيئة القانونية الأكثر مثالية من أجل تقوية وتعزيز الإجراءات الاجتماعية وجعلها أكثر فاعلية، بهدف العمل على إيجاد رادع في حال تجاوز الشرائح الاجتماعية المختلفة لأي من الإجراءات أو وضعها موضع عدم اكتراث.
  • تقديم العون النفسي وتشجيع النساء على ارتياد وحضور ورشات الدعم النفسي التي تقيمها المنظمات المختصة، من أجل تلافي الفجوات النفسية وتجاوز الأزمات التي من الممكن أن يكون العنف المزمن قد خلّفها.

ما تزال المرأة محطّ انتهاك في كثيرٍ من حقوقها كونها تعدّ حلقةً أضعف ولقمةً سهلة المضغ، وللحق أنها قد تعدّ سبباً رئيسياً في تأطير نفسها بهذا الشكل المُجحِف كونها في كثير من الأحيان ما تزال لا تؤمن بمقدرتها وتعتقد في قرارة نفسها أنها عنصر غير ذي تأثير في المحيط. وما زال المجتمع أيضاً ينظر إليها نظرة دونية فيعمد إلى تحجيمها كلما كانت على وشك الخروج من الإطار الموضوعة فيه مسبقاً، فيحاربها بشتى الوسائل وأكثرها ضراوةً.

مهما اختلفت القصص وتعاقبت فإن النساء ما زلن معرَّضات لحملات مستمرة من العنف والإقصاء، أو العمل على تحييدهن اجتماعياً عن طريق انتهاك خصوصيّتهنّ الجسدية باعتداءاتٍ مثل التحرّش والاغتصاب والعنف الزوجي أو الاستغلال الجنسي، ما يجعلنا أكثر مواجهةً لأنفسنا بأنّ ما تشدّقت به السلطات الحاكمة من تمكين كان يقتصر على “مانشيتات إعلامية” من دون العمل على تنمية اجتماعية تتقبّل الغرسة الأنثوية الجديدة، ما يستدعي بشكلٍ عاجل وأكثر جدية الاهتمام بالتعليم والعمل ورفع سوية المجتمع ثقافياً.

نهايةً ربما من البدهي أن نعترف أنّ المرأة نصف المجتمع وأن تعطيل دورها سيعطّل بدوره نصف طاقة المجتمع وسيشكّل عائقاً أمام نهضته وتقدّمه، وأن هذه المقدمة تحيلنا إلى ضرورة البحث عن تمكين المرأة اقتصادياً أيضاً ومحاولة تحريرها من التبعية المالية، ذلك أن استقلالها اقتصادياً قد يقوّي موقفها أمام نفسها ويجعلها أكثر قدرةً على مجابهة المعوقات التي تقف في طريق تمكينها.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

المرأة في المجتمع.. من التمكين إلى التمكّن

المرأة في المجتمع.. من التمكين إلى التمكّن

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015