المسكوت عنه فى مكاسب المرأة التونسية
مكاسب المرأة التونسية

مزن حسن/ الشروق- فى 26 يوليو من عام 2017 صدق مجلس نواب الشعب فى تونس على قانون لمكافحة العنف ضد النساء. وبشكل يدعو لدهشة البعض، فقد حصل القانون على إجماع الأعضاء ممن حضروا الجلسة وعددهم 146عضوا وعضوة.

لقد جاء هذا المشهد الملهم ليحقق استحقاقا أصيلا للمرأة التونسية فى حمايتها من العنف، وبشكل يدعو للمزيد من الأمل، فقد تبع تونس بلدان أخرى مثل لبنان والأردن؛ وقد قامت الدولتان بإلغاء المادة التى كانت تنص على إمكانية زواج المغتصب من المغتصبة.

لقد جاءت تلك الأحداث مثيرة لاهتمام المحللين، الذين انقسموا فى نسب ما حدث إلى تطور الدول والبنية الداخلية للمجتمعات فى محاولات إقرار حقوق أكثر للنساء، وآخرون ربطوا ما بين بلوغ تلك الاستحقاقات والضغوط الدولية التى تجبر الدول على تغيير قيمها لمجرد أن تراضى «الغرب» والمجتمع الدولى!

وفى ظل كل تلك النقاشات بدا جليا كيف أغفل البعض الإجابة عن أسئلة مهمة وبديهية حول تلك الإصلاحات التشريعية على غرار كيف لدول قد تصنف على أنها لا تحترم حقوق النساء أن تتنازل ولو بإجراءات بسيطة عن جزء من قناعتها لتعطى حقوقا أكثر للنساء؟ وكيف وصل مجلس النواب التونسى لإقرار قانون لمناهضة العنف ضد النساء؟ وبالمثل كيف حدث التعديل التشريعى داخل كل من البرلمان اللبنانى أو الأردنى؟
***

وهنا، وفى محاولة لفهم كيف تم ذلك فلا بد من تذكر سنوات طويلة من نضال نساء وحركات اجتماعية نادت بتلك الحقوق وتم تجاهلها أو استهدافها لسنوات طويلة كى نستطيع فى النهاية الحكم على عملية التغيير التى حدثت. وهنا فالتذكرة نابعة من حقيقة أن التغييرات المجتمعية لا تحدث بين ليلة وضحاها، وأنه لا يمكن قصرها أو نسبها لفاعل وحيد مؤثر فيها. لذا، فإن رؤية البعض أن تلك الاستحقاقات فى البلدان المشار إليها هى قرار فوقى من الدولة تم بشكل سلطوى أو كإملاء على تلك الدول من «الخارج» يعد إجحافا وظلما لدور نساء وحركات أتت من رحم مجتمعاتها وناضلت داخلها لتستقطب كتلة ما تستطيع بها التأثير لبلوغ أحد أشكال التغيير.

ويظهر الفرق واضحا بين تركيبة دول تغيرت وتسعى لبلوغ نموذج الديمقراطية التشاركية مثل تونس عن غيرها، خاصة إذا عرفنا أن إقرار قانون لمناهضة العنف ضد النساء هو مطلب أساسى للحركة النسوية التونسية منذ أكثر من عشر سنوات، وجاء إقراره اليوم بمشاركة نساء دخلن المعترك السياسى وأصبحن جزءا من برلمان منتخب مثل السيدة بشرى بلحاج حميدة مثلا. فالقانون التونسى لم يمر فجأة، لكن حدث هذا عبر مسار تفاوضى وحملات تغيير وضغط داخلى من الحركة النسوية ونقاش لأكثر من 25 جلسة داخل مجلس النواب، وقد سبق كل هذا الدفع بضرورة وجود قانون لمناهضة العنف ضد النساء فى تونس منذ عام 2006، وحركة نسوية كان لها دور فى تغيير نظام الحكم فى ثورة 2011، ومن ثم خاضت نساء تونس صراعا ضد تيارات الإسلام السياسى أثناء مناقشة الدستور التونسى، حول مبدأ المساواة بين النساء والرجال وليس التكامل الذى اقترحته التيارات الإسلامية. وهكذا فقد خاضت النساء من جميع التيارات معركة من أجل إقرار مبدأ التناصف والذى سمح لنساء من جميع التيارات السياسية التواجد داخل مجلس النواب التونسى، وقاضية وهى الأستاذة كلثوم بن كنو التى كانت مرشحة سابقة للرئاسة فى انتخابات 2014، ومن ثم جاءت معركة إقرار قانون لمكافحة العنف تم التصويت عليه من النواب (نساء ورجالا) من مختلف التيارات السياسية، وبما فى ذلك حركة النهضة الإسلامية ومثالا على ذلك نائبتها محرزية العبيدى والتى صرحت بتشرفها بالتصويت على القانون.
***

وبالنظر إلى كل من الأردن ولبنان فقد كان هناك مسار مشابه نسبى. فالمطالبات بالاستحقاقات النسوية كانت منذ سنوات عدة، استخدمت فيها أدوات مختلفة كالعرائض والمسيرات وخطابات للحكومة ومجلس النواب. كذلك، فقد مرت لبنان هى الأخرى بحراك واسع لسنوات طويلة، قبل إقرار قانون لتجريم العنف الأسرى فى عام 2014، حيث نُظمت عدة تظاهرات ومسيرات وغيرها من الفعاليات (بالطبع تعديل مادة لا يتساوى مع إقرار قانون وذلك لاختلاف طبيعة الدولة هنا عن تونس). وهكذا يبدو لنا كيفية تصور أن هناك برلمانيين قاموا من تلقاء أنفسهم وفجأة بالقيام بهذا الفعل هو تصور قاصر ضمنيا كونه يتجاهل دور الحركات النسوية ونضال نسائها لتحقيق حياة أفضل للنساء فى البلدان المشار لها.

لكن الأزمة لا تتوقف هنا فحسب. إذ بينما نتابع كل تلك الأحداث فى منطقتنا نرى كيف أننا نقف مكتوفى الأيدى ولا نستطيع خوض مثل تلك النضالات فى مصر، كدولة لم يتحقق فيها استحقاق تشريعى واحد ذو شأن لنساء مصر فى السنوات الأخيرة. فما زال قانون مفوضية مكافحة التمييز حبيس أدراج مجلس النواب، ومثله قانون مناهضة العنف ضد النساء وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وحتى اليوم ما زالت نساء مصر لا تستطعن التعيين فى مجلس الدولة كقاضيات، رغم وجود استحقاق دستورى بأحقيتهن فى هذا التعيين. وحتى اليوم، فما زال لدينا كذلك، ومنذ سنوات، استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة لا نعرف كيف يتم تطبيقها.. وغيره الكثير.

وهكذا يبدوا لنا واضحا أن الفهم الصحيح يقودنا لإدراك أهمية الاحتياج لمساحة حرة فى وطننا لتطوير حركة نسوية تستطيع الضغط لتحقيق مكاسب لنساء هذا الوطن، اللاتى يعانين كل يوم من أشكال للتميز والعنف وعدم المساواة. وكذلك مدى الاحتياج لحركة ديمقراطية تدعم مطالبنا وتناضل معنا وتعتبر تلك القضايا فى صلب عملها وإيمانها السياسى بتطور هذا الوطن وتحسين أحواله، واحتياج آخر لنساء قويات تعتبر أن نضال النساء من أجل حقوقهن لا ينفى وجودهن السياسى بل يدعمه ويزيد من قوته، واحتياج آخر كذلك لتحقيق استحقاقات ملموسة وليس مجرد كلام ووعود عن احترام النساء وأدوارهن وريادتهن.

وفى النهاية، وإن كان لنا أن نشيد بنضال وشجاعة نساء تونس والأردن ولبنان عبر سنوات، وهن نساء ما زلن يؤمن بأنه إذا الشعب أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، فكل الأمانى فى حركة ودور نسوى وإيمان بحياة مشابهة لنساء مصر.

مكاسب المرأة التونسية

مكاسب المرأة التونسية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015