النساء السوريات .. شاهدات على الموت وكوارث الطبيعة
دور بارز للنساء بعد الزلزال (أ ف ب)

رنيم خلوف/ sharikawalaken- فجر السابع من شهر شباط/فبراير 2023، هو اليوم الذي غضبت فيه الطبيعة في سوريا وتركيا، وزلزلت الأرض.

يوم شعرتُ بعدم الشعور، اهتزَّ كل شيء تماماً. مشاهدٌ لن ينساها العقل ولا القلب. الموت الذي يطوف حول الناس جمعياً دون استثناء.

نساءٌ يصرخن بصوتٍ مرتفع، وإحداهن تحمل طفلين والثالث ممسكٌ برجلها. بينما تحاول إخراج أبنائها من منطقةٍ عشوائية اهتزت كلها.

في حين لم تنسَ امرأة أخرى، على الرغم من اهتزاز الأرض، قارورة المياه وعلبة حليب.

ربما تبدو الجمل غير مترابطة. لكنّه فعل الخوف الذي أثّر على حياة السوريين والسوريات، وما زال مستمراً.

في هذا التحقيق، مجموعة شهادات لواقع النساء السوريات بعد الزلزال، وشهادات لناجيات ومتطوعات، وناشطات مدنيات يقترحن حلولاً.

تجارب بعض النساء السوريات الخاصة

الشعور الحاضر واحدٌ بين كل المحافظات التي عاشت تفاصيل الكارثة. لكن ردود الأفعال والشهادات هي التي اختلفت.

صبا منصور، مراسلة تلفزيونية من اللاذقية، شاركت تجربتها مع “شريكة ولكن”. فقالت: “بدأت أخاف حين سمعت صوت ريحٍ للمرة الأولى قبل الزلزال. شعرت أن غضب الله وقع في هذا اليوم”.

وأضافت: “في البداية اعتقدنا أنها هزّات عادية، فأمسكت أنا وأختي ببعضنا، وكانت الجدران تضربنا من مكانٍ إلى مكان. فقدت أختي الوعي بين يدي، حاولت إيقاظها، وسحبتها على سلم البناء. كان الموت قريباً جداً، مثل أفلام الرعب. بيتنا مهدّم أو شبه مهدّم”.

وأوضحت صبا أنها كانت تغطي تفاصيل الحرب كصحافية لـ12 عاماً، لكن اليوم، “أصبحتُ الحدث ومن تنقله معاً. تماسكت من جديد، ووقفت إلى جانب إخوتي وأخواتي، وقدمت لهم/ن الدعم النفسي، على الرغم من نزوحنا الإجباري”.

ولاء تميم: “أصعب 30 ثانية في حياتي”

وفي قصة أخرى من اللاذقية، المدينة الساحلية المنكوبة، تحدثت الناشطة المدنية والصحافية ولاء تميم عن تجربتها لـ”شريكة ولكن”. فقالت: “في هذا اليوم غادرت منزلي إلى بيت خالتي، بدأت الجدران تتقاذفنا يميناً وشمالاً. زحفنا على الدرج أنا وابنة خالتي. كانت أصعب 30 ثانية في حياتي”.

واقترحت ولاء أن يسمي علماء/عالمات النفس هذا الإحساس بـ”شعور الـ30 ثانية”. كما أشارت إلى أنه “إحساس لا يمكن وصفه، ولا أدري إن كنت سأتمكن عاطفياً، أو إن كنت أملك القدرة على الدخول إلى منزل خالتي ثانيةً”.

إذ أكّدت أنها “رأت مشهداً صعباً جداً، وهو تهدّم بناء صديقتي سلمى. وهن/م العائلة الوحيدة التي خرجت من البناء كاملةً من دون أن يموت أحد أفرادها”.

كما أوضحت أنها رأت “ماضي صديقتي وطفولتها وذكرياتها منهارة. فأمسكت بشنطةٍ مدرسية على ما يبدو أنها لطفلٍ كان يدرس ويحضّر لامتحانٍ ما، وبقايا ورقةٍ كُتب عليها نتائج لعبة شدّة لم تكن مكتملة. بقيت الأوراق وغاب الأشخاص”.

وفي المقلب الآخر للزلزال، يوم اهتزّت الأرض تحت أقدام سكّان مدينة حلب، شهدت فاطمة ألماً شديداً. وتحدّثت لـ”شريكة ولكن” عن تجربتها بصوتٍ يملؤه كل وجع الأرض. فشرحت أنها فقدت 11 فرداً من عائلتها.

“توفيت أمي، وإخوتي وأخواتي. بقي لي أخ واحد فقط، وهو في العناية المشددة”، قالت فاطمة.

وذكرت أن والدتها “حاولت حين اتصلت بها أن تأخذني لأنام معها في السيارة، لكن زوجي رفض، وأشار إلى أن منطقتهن/م غير آمنة”. وأضافت: “توفيت أمي بعد الزلزال الكبير، وهي تحاول أن تُحضر ملابسها من المنزل شبه المهدّم. لا أتذكر سوى أقل من دقيقة، يملؤها الخوف، وما بقي من صوت أمي”.

وختمت قائلةً: “أتمنى لو أنه كابوس طويل، لكنني سأكون قويةً من أجل عائلتي”، بينما اختلطت دمعتها مع غصةٍ كبيرة.

هل كانت الحرب بروفا لمصيبةٍ أكبر لتجهيز النساء السوريات لمزيدٍ من الكوارث؟

على الرغم من كل الكوارث التي مرّت على سوريا منذ العام 2011، لم تقف النساء مكتوفات الأيدي منذ اليوم الأول. كل واحدةٍ تصرّفت بحسب موقعها وعملها ووصولها. كثيرةٌ هي المشاريع النسوية الفردية والجماعية، التي انطلقت منذ صباح الاثنين الأسود، وما زالت مستمرة حتى اليوم.

هايدي حافي، مُؤسّسة مجموعة “حقّانيات” على فيسبوك، والناشطة على السوشيال ميديا، تكفّلت بتأسيس فريقٍ من النساء، وجمع المساعدات لإرسالها إلى المناطق المنكوبة. وفي مقابلة لـ”شريكة ولكن”، أوضحت أن مهمتهن حالياً “هي أن نطبطب على جراح الناس، ونقدم ما نستطيع تقديمه. والنساء السوريات يفكّرن في أدق التفاصيل عند كلّ تبرع”.

بينما فكّرت صاحبات مشغل “سبل” في مدينة النبك، في ريف دمشق، بطريقةٍ مختلفة. وشرحت حنان خزنة، وهي إحدى المشاركات في المشغل، لـ”شريكة ولكن أن الفكرة “ولدت من الحاجة إلى الملابس في هذا الظرف الكارثي”.

لذلك فكّرن في تحويل إنتاج المشغل إلى ملابس داخلية، وأطقم صوف للنساء والأطفال/الطفلات والرجال أيضاً.

بينما قالت حنان إنه “لم تتردد أي عاملة في المدينة في العمل لقاء أجرٍ بسيط. وتطوّعت لهذه المهمة فتيات من الثانوية المهنية، للتفكير بطريقةٍ لتأمين الدفء للناس المتضررين/ات”.

لم تكن النساء في المناطق المنكوبة، واقفات على الأطلال من دون تصرّف. إذ أطلقت الباحثة التاريخية روبي توما، ابنة مدينة حلب، مبادرة فردية تحدثت عنها لـ”شريكة ولكن”. فقالت: “شعرت كأنه يوم القيامة، خوف ورعب وبكاء. لكن ماذا أفعل؟ هل أقف صامتة؟”.

وأوضحت أنها “متخرّجة من الكلية، اختصاص تاريخ، وحالياً في سنتي الرابعة في كلية الحقوق، وحالتي المادية متواضعة جداً. فمررتُ على المستشفيات، تبرّعت بالدم، ومشيت بين الناس، واستخدمت خبرتي للكشف عن المنازل المتصدعة، وخبرات الجهات المختصة”.

كما أضافت أنها “طبطبت على النساء والأطفال والطفلات في مراكز الإيواء. فنساء كثيرات زادت نكباتهن، وفقدن المعيل، خصوصاً في الأحياء التي انهارت، وهي الأحياء الفقيرة شرقي المدينة، وباتت النساء أكثر حاجة لعمل يكفل حقوقهن ومعيشتهن”.

مبادرات نسائية فردية لمساعدة النساء السوريات

وفي اللاذقية، لم تجلس الصحافية المنكوبة صبا منصور مكتوفة الأيدي. بل تابعت عملها، ونقلت أوجاع الناس، وناشدت العالم من أجلهن/م. وفي حديثها لـ”شريكة ولكن”، قالت إنه “على الرغم من فقدان النساء السوريات لمعيلهن، وعلى الرغم من وجود قاصرات، شاهدنا قصص نجاحٍ لهن أثناء الحرب”.

واعتبرت أن “السوريات يستطعن دائماً الوقوف مجدداً بعد كل مصاب”. كما أوضحت أن “هناك الكثير من النساء المتضررات، لكنهن أثبتن فعلاً للمرة الثانية قوة إرادتهن وعدم استسلامهن للكوارث التي تصيبهن منذ بداية الأزمة”.

بينما أكّدت أنها شَاهدت قصصاً كثيرة، منها مثلاً قصة سيدة ستينية أنقذت نفسها بنفسها من الزلزال، على الرغم من الضرر الكبير الذي لحق بجسمها. وكانت مصمّمة على العودة إلى حياتها وعملها.

وقالت صبا إن “النساء السوريات أصبحن قويات جداً بعد كل ما مررن به، ولسن بحاجةٍ إلى معيل. كل ما يهمهن أن يظهرن لأطفالهن/طفلاتهن أنهن لسن ضعيفات، وقادرات على احتضان ما تبقى منهم/ن بكل حب”.

من جهتها، عملت ولاء تميم على مبادرة لإيصال احتياجات النساء والفتيات إلى مراكز الإيواء، من فوط صحية، ومعقمات، وصابون. وحجابات للنساء المحجبات، وملابس داخلية. وأرجعت السبب إلى “اتجاه غالبية الناس إلى تأمين الملابس والطعام، بينما الأشياء التي نوزّعها لا تقل أهمية عن الطعام والشراب بالنسبة إلى النساء والفتيات”.

رأي مدنيّات!

“منذ بداية الحرب وحتى اليوم، لم تُجَهّز مراكز الإيواء بطريقةٍ تناسب النساء ومساحتهن الآمنة”، قالت الناشطة المدنية أنوار العبد الله.

وأوضحت أنوار أن “النساء اليوم بحاجة إلى مكانٍ آمن، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالأمراض النسائية والحيض، والنظافة الشخصية”. إذ شرحت أنه ما زال “أمراً محرجاً في المناطق المحافظة، خصوصاً النساء اللواتي وضعن أطفالهن/طفلاتهن حديثاً، يوم الزلزال، أو قبله بأيامٍ قليلة”.

بينما أكدت أن “الكارثة وقعت، والتخطيط الآن يجب أن يكون لمرحلة ما بعد الزلزال، من الدعم النفسي، ودعم النساء والفتيات”.

من جهتها، اعتبرت الناشطة المدنية رنا الشيخ علي، أن الحاجة الآن هي للـ”خطط الإغاثية الحساسة لاحتياجات النساء والفتيات بعد أزمةٍ طويلة”. وقالت إن “المؤشرات كانت واضحة، بمعنى أن مراكز الإيواء يجب أن تراعي الاحتياجات الجسمانية للنساء”.

وتحدّثت عن “حاجة النساء والفتيات إلى النظافة الشخصية، والفوط الصحية، والمعقمات، والمناشف”. وهذه المتطلبات غير موجودة اليوم بشكلٍ كافٍ، ولا يكفي التفكير بالطعام والشراب واللباس فقط على الرغم من أهمية هذه الأمور، بحسب رنا.

وأضافت أن “الخطط الحكومية، وخطط المنظمات الدولية، يجب أن تُوضع بناءً على احتياجاتٍ مدروسة. والأولوية يجب أن تكون للنساء المتضررات، وغيرهن ممن فقدن معيلهن، والفتيات الجامعيات وغيرهن”.

واقترحت رنا التفكير بصناديق لدعمهن والاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل “هاييتي” في التعامل مع هذه الكوارث، مع مراعاة الحساسية الجندرية.

فماذا ينتظر النساء السوريات بعد من اختباراتٍ للموت والحياة معاً؟ سؤال بعهدة الرب.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

دور بارز للنساء بعد الزلزال (أ ف ب)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015