النسويّة المُعاصرة: نضالٌ حقيقي أم وسيلةٌ للشهرة والتسويق؟
رسوم أنجلينا بامبينا/ شترستوك

دانية أ.موسى/ موقع (مرآة) الإلكتروني- ”النسويّة“… ذلك العنوان العريض الذي يتصدّر صفحات الحراك الأنثوي على الإنترنت، ويؤطّر المشهد الاجتماعي الحقوقي على الأرض في مدن عدّة من بلداننا العربية، تلك “التهمة” التي يدحضها البعض، و”الشرف” الذي يتقلّده آخرون، تلك “الثورة” التي تُعيد تشكيل الواقع النسائي في المنطقة العربية عند فئة، و”الشرّ المطلق” والدعوة المفتوحة للانفلات عند فئة أخرى.. هذا العنوان العريض للجدل القائم منذ زمن هدى شعراوي وصفية زغلول وحتى وقتنا هذا.

ما أن نذكر “النسوية” ورموزها حتى تتبادر إلى أذهان الجميع أسئلةٌ شائكة حول هذه الحركة ونسائها وأجنداتها. هل سَعَين لقلب النظام الاجتماعي وزعزعة الموروث المحافظ؟ هل أَرَدن تحرير المرأة والانتصار لإنسانيتها ببساطة؟ هل دفعتهنّ فطرَتهنّ للمطالبة بحقوقهِن؟ هل كان كلّ ذلك مخطّطاً “رجولياً” لتغريب المرأة العربية؟

حين أثقلت رأسي الآراء المتضاربة التي تمرّ بي في مقالٍ هنا، وفي لقاءٍ تلفزيوني هناك، وفي منشورٍ إلكتروني حيناً أو على هامش حوارٍ على العشاء حيناً آخر؛ أردتُ أن أفتح باب النقاش، أن أسمع الأسباب والمبرّرات حول نظرتنا عن النسويّة، فموقفنا منها، سواءً كان عن إطلاع وقراءة، أو كان عن قناعةٍ شخصية؛ قد يُخبرنا الكثير عما نعرفه عنها، وعما لا نعرفه أيضاً.

استفتاء 

بدايةً طرحتُ استفتاءً مفتوحاً شارك فيه 40 شخصاً، 10 منهم كانوا ذكوراً والبقية كنَّ إناثاً، للإجابة على السؤال التالي: النسويّة بشكلها المُعاصر… نضالٌ حقيقي أم وسيلةٌ للتسويق والشهرة (أو أشياء أخرى)؟.

في الوقت الذي صوّت فيه 38% من مجموع المشاركين والمشاركات في الاستفتاء للخيار الأول “نضال حقيقي”،  صوّت 62% من المشاركين والمشاركات في الاستفتاء للاختيار الثاني “وسيلة للشهرة”، 28% من المصوتين للخيار الثاني كانوا رجالاً ومقابل 34% كنَّ نساءً.


؟نضال حقيقي/ لماذا

تقول آية أحمد (28 عامًا): “الجميل في الحركة النسوية العربية المعاصرة أنها شكلت منبرًا لتمكين المرأة العربية، المحافظة والمتحررة على حدٍ سواء. المرأة العربية تختلف عن غيرها في تفردها بفهم وترجمة مبادئ الحركة، فهي تنتقي ما يناسب مفاهيمها ومحيطها وتترك ما لا يتسق مع نمط حياتها. المرأة اليوم تعرف ما تريد وما تناضل من أجله، لكن يتم أحيانًا استنزاف معاني الحركة ومبادئها لتسويق كل ما نناضل كنسويات ضده. النسوية حراك أسمى من أن يستخدم لتسويق جلسات إزالة الشعر بالليزر ومنتجات شد الوجه والبشرة”.

أما سنة نادر (26 عامًا) ترى في النسوية نضالاً حقيقيًا لأنها: “أصبحت وسيلة لعكس صورة شفافة عن دور النساء في المجتمعات الإنسانية، ذلك الدور الذي تخطى الأمومة وتكوين العائلة والعمل وكسب الرزق إلى النضال السياسي والوطني جنبًا إلى جنب مع الرجل”، وتستشهد سنة بسيدات مثل “سناء محيدلي، التي استشهدت في عمر 15 عامًا فداءً لقضية التغيير التي تؤمن بها” و”بنازير بوتو، وشهد التميمي… كلهن نساء بذرن فكر التغيير في مجتمعاتهن” وتتساءل “أليس  هذا هو الغرض من النسوية؟”.

يعرف أحمد السعود (28 عامًا) بنفسه على أنه “نسوي” ويضيف: “كوني نسويًّا، أنظر إلى بعض المنظمات النسوية إلى كونها ربحية، لكن بعضها الآخر متحرك على الأرض ويسعى لتغيير الواقع، ولو نظرنا اليوم إلى واقع النساء لوجدنا أن المرأة باتت على وعي ذاتي بضرورة المطالبة بحقوقها، دون أن يدفعها أحد إلى ذلك، وهذا مؤشر هام على التغيير والقضاء على الفكر الذكوري السائد”.

ترى أمينة شادي (28 عامًا) أن: “الحركات النسوية مهمة ما دامت لا تجنح إلى مهاجمة الرجل حتى وإن أبدى خوفًا من نجاح المرأة وتحررها فكريًا وعمليًا”، تضيف: “إن هذا الخوف طبيعي في ظل طغيان العقلية الذكورية على المجتمع العربي، لذا علينا أن نتجاهله، ونناضل لننجح بالعطاء والحب حتى آخر رمق، فهذا هو سبيلنا حتى نصل إلى مراكز قرار كبرى”.

وتعترف حلا حرب (19 عامًا) أنها “احتارت عند الاختيار” وعندما سألتها عن السبب أجابت ضاحكة: “أصبح كل متفرغٍ في الحياة ناشطًا نسويًا”، لكنها توضح: “هذا لا يمنع أن النسوية بوجهها الحقيقي هي نضال حقيقي لأن هناك نساء بحاجة للمساعدة في كل مكان، هناك قضايا معلقة، هناك نساء مضطهدات ومعنّفات، وأخريات يُمنعن من الدراسة ويُجبرن على الزواج وهن قاصرات، والرسالة وراء النسوية هي تمكين النساء للمطالبة بحقوقهن وهذه هي جذورها تاريخيًا”.

؟وسيلة للشهرة والتسويق و(أشياء أخرى) /لماذا

تحدثنا نور دبسي (29 عامًا) عن رأيها قائلة: “في الآونة الأخيرة، أصبح هدف النسويات الأول الحض على التمرد والعصيان على المجتمع والرجل، بل وعلى الدين، وانتهاك خصوصية جسد الأنثى بلا قيود”، توضح نور: “أنا مع أن تناضل المرأة من أجل الحرية والمساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات والأجور وفرص العمل، وعدم جعلها سلعة عليها عرض وطلب، لكني في ذات الوقت أرى أن طريقة مطالبة النسويات بحقوقهن مجرّد تمرّد فارغ هدفه إحداث ضجيج في العالم ليس إلا”.

كما يواقفها عماد الشمّاع (29 عامًا) الرأي قائلاً: “كمجتمع مسلم، ديننا وضّح حقوق وواجبات النساء وجعلها بيّنة، أما الحركات النسوية، فلديها أجندات مغايرة لأهدافها المعلنة وبدلاً من المطالبة بحقوق النساء، أصبحت تسعى إلى تحريرهن بشكل سلبي من موروثهن وأصالتهن وهويتهن. نحن بحاجة إلى صحوة دينية أكثر من حاجتنا إلى حركة نسوية مشبعة بالأفكار الدخيلة على ثقافتنا العربية”.

فيما تنفي ياسمين صوفي (22 عامًا) الحاجة إلى النسويات المعاصرة قائلة: “كانت المرأة مربية أجيال في الماضي ليس لها سوى جدران المنزل، أما الآن فقد تعددت أدوارها في الحاضر وتخطت التربية، فدخلت مجال العمل وتقلدت المناصب السياسية”، تضيف: “لم نعد بحاجة لمن يطالب بحقوقنا، فنحنُ على قدرة على انتزاعها انتزاعًا دون مساعدة طرف ثالث”، وتؤكد: “هذا العالم لا يمكنه أن يسير دون جهود النساء، والمجتمع الذكوري لا يمكنه أن يستقيم إلا بوجودنا”.

ترى فجر العلمي (26 عامًا) الموضوع من منظور مغاير قائلة: “تستفزني النسوية، وأنا ضدها كفكرة”، مبررة: “تستفزني فكرة أن الذين يطالبون بحقوق المرأة يريدون مساواتها بالرجل، وكأن الرجل هو المعيار… أليس هذا اعترافًا ضمنيًا بأن المرأة في مرتبة أقل من الرجل؟” وتضيف: “حين نطالب بحقوقنا فيجب أن نطالب بها لأننا نحتاجها، وليس لأنها متاحة للرجل وليست متاحة لنا. إن النسوية شكّلت حزبًا ضد الرجل، وخلقت عداوة بين المرأة والرجل مع أن الرجل هو الأب والأخ والصديق والحبيب والزوج”، وتختم حديثها قائلة: “علينا أن ندعم النساء ونطالب بحقوقهن لأنّهن بشر وليس لأنهن نساء فحسب، علينا أن ندعم الإنسانية بكل أطيافها”.

رسوم أنجلينا بامبينا/ شترستوك

رسوم أنجلينا بامبينا/ شترستوك

وسوم :

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015