تجمع فنانات أورنينا تقنيات جديدة لمواجهة آلام الحرب
“تجمع فنانات أورنينا”

سوزان المحمود/annasnews- أقيم في خان أسعد باشا في (دمشق المدينة القديمة) معرض بعنوان “سوريا مهد الحضارات” شاركت فيه أكثر من عشرين فنانة سورية من “تجمع فنانات أورنينا” أنجزن حوالي 100 لوحة تحاكي المنحوتات البارزة المأخوذة من الآثار السورية التي تغطي فترة زمنية من الألف الرابع قبل الميلاد إلى سنة 200 ميلادية ، والموجودة في متاحف برلين، والمتحف البريطاني، واللوفر، ومتحف شيكاغو، ومتحف دمشق، وحلب وتدمر، ومناطق مختلفة من سوريا. اللوحات مرسومة بأسلوب بصري جديد من ابتكار الفنان التشكيلي السوري جورج شمعون مع الفنانة التشكيلية سماهر دلا. هذا الأسلوب يعطي إحساس الحجر القديم بإحفوراته ونتواءاته الخشنة لكن بسطح أملس ناعم كالبلور. وعن فكرة التجمع تقول الفنانة أمل سليمان إحدى الأعضاء المؤسسات للتجمع نحن في معظمنا هواة رسم، لسنا خريجات أكاديمية الفنون الجميلة، نأتي من تخصصات جامعية مختلفة فمنا طبيبات ومهندسات وخريجات علوم تجارية ومختصات بأنواع مختلفة من الآداب الفرنسية والإنكليزية واللغات القديمة والآثار والاتصالات وغيرها.

يقول الفنان التشكيلي جورج شمعون: “في شغلي أركّز على أمرين: المكان والناس الذين مروا من هنا.. من هذا المكان، وطالما كان البقاء للمكان، فيما الشخصيات تبقى مؤقتة فيه، من هنا فإنّ المكان يكتنز بذكرى، وذكريات ناس المكان الذين يعطون القوة والثبات وكذلك الديمومة له، المكان الذي يظهر بهذا الثبات، فيما (ناسه) مجرد أطياف شفافة”.

بينما يقول الفنان شمعون إنهن يتمتعن بالموهبة التي كانت تحتاج إلى صقل وتمرين، السيدات أتين وانتمين إلى مرسم أورنينا الذي تديره الفنانة التشكيلية سماهر دلا، في هذا الوقت الذي كانت تدور فيه رحى الحرب في سوريا كان الجميع يبحث عن منفس روحي للخروج من هذه الأزمة، كان الألم يرهق الجميع لذلك كان اللجوء إلى الفن هو الحل إرضاءً للروح ومتنفساً للذات. اجتمعت أكثر من عشرين سيدة في المرسم يطلبن صقل موهبتهن الجديرة بالصقل والاعتناء، قدمنا القليل من عندنا، وقدمن الكثير من عندهن، وبالمثابرة والعمل الشاق استحققن لقب فنانات. عملنا مشاريع عدة، كان المشروع الأول عبارة عن رسم تشكيلي بالألوان بشكل أكاديمي “الطبيعة الصامتة” ورسم واقعي يعتمد على المحاكاة بعد هذه التجربة تولدت لدينا فكرة أن نقدم شيئاً جديداً وغريباً بدأنا بإجراء عدد من التجارب على مدى سنوات حتى تمكنا أخيراً أن نحاكي إحساس الحجر، أحفوراته ونتوءاته لكن بملمس ناعم.

طبعاً هذا كان للآثار السورية والحجارة الرملية الموجودة في محافظة طرطوس، فمنطقة طرطوس منطقة رطبة تتأثر صخورها بالرطوبة فتبرز نتوءات وأحفورات هي ما أوحت لنا بالعمل على هذه التقنية الجديدة، وأقول إننا نجحنا وأردنا أن ننطلق من هذه التجربة فاخترنا موضوع اللوحات والآثار السورية القديمة التي لم نكن نعلم الشيء الكثير عنها، للأسف الغرب يعرف أكثر منا عنها” وعندما سألنا الأستاذ جورج إن كانوا يعملون من خلال هذه التجربة على توثيق الآثار أجابنا: الصورة كفيلة أن تعمل على التوثيق لكن نحن نعمل بطريقة مختلفة أكثر، جعلنا القيم كامنة في العمل بينما في الصورة الضوئية تكون القيمة خارج الصورة، لكن عندما يتحول الأثر إلى لوحة تشكيلية تصبح قيمتها كامنة فيها إنه الفن، عملنا على هذا الأسلوب البصري الجديد الصعب حتى على التقليد والصعب على المحاكاة، أي عمل ترينه أمامك اليوم في هذا المعرض لو اجتمع كل فناني إيطاليا ليقلدوه وينسخوا منه لن يستطيعوا لأن فيه “تكنيكاً” عالياً أخذ وقتاً طويلاً حتى نضج وخرج بهذا الإحساس، إحساس الحجر عندما تلمسينه، بعض الأشخاص ظنوا أن هذا تصوير، ومنهم من قال إن هذا نحت أي إن هذه منحوتات وليست لوحات. أطلقنا هذه الفكرة والتقنية في الرسم لأن آثارنا سُرقت ونهبت، ولأن بعض الناس وقفوا ضد الجمال وقالوا إنها (أصنام) ودمروها على هذا الأساس فكرنا أن نُحيي المدمّر وأن نبحث عن القطع الأثرية الموجودة في متاحف العالم نستحضرها من خلال اللوحات لنوصلها للمتلقي.

ما الرسالة التي ترغبون في إيصالها من خلال عملكم؟

رسالتنا تقول: نحن سوريون وهذه عطاءاتنا واكتشافاتنا البصرية الجديدة ورغم كل ما حدث في بلادنا لانزال قادرين على إيجاد صيغ بصرية جديدة. البداية كانت من مرسم أورنينا في طرطوس ثم دمشق عاصمتنا ونحن نأمل أن تخرج هذه الأعمال للعالمية ونرغب في ترك بصمة خاصة تمثل نساء سوريات.

ألواح تتكلم

وعن المعارض السابقة للتجمع أخبرتنا الفنانة أمل سليمان أن التجمع عرض لوحات تحاكي الآثار التدمرية بالمتحف الوطني في دمشق، وكان ذلك بمناسبة وصول السقف التدمري من إيطاليا إذ صنع الأصدقاء الإيطاليون نسخة من السقف التدمري الذي تهدم بشكل آلي وأهدوه لسوريا، بعد أن جالوا به أكثر من دولة في العالم، لكن فنانات التجمع خلال شهر واحد أنجزن 25 لوحة وأتينَ بها إلى دمشق لتُعرض في الصالة التي سيوضع فيها السقف التدمري. تقول السيدة أمل صُدِم الإيطاليون بالعمل الذي أنجزناه، وأخذوا يتلمسون اللوحات بإعجاب وعندما أردنا أن نتصور مع السقف التدمري الذي صنعوه طلبوا منا أن نتصور مع لوحاتنا من شدة إعجابهم بها، قالوا لنا أنتن عملتنّ شيئاً غير معمول سابقاً، لكننا اليوم في خان أسعد باشا نقدم معرضاً يخص جميع الآثار السورية من تل حلف، و من ماري، من أوغاريت، من تدمر من دمشق ومن حلب، غوزانة، السويداء ومن الجولان السوري، وطرطوس عمريت أغلب الأوابد في سوريا اللقى الموجودة فيها والموجودة اليوم في متاحف العالم وبمتاحف سوريا لدينا 22 فنانة قدمنَ 86 لوحة.

ويغطي المعرض فترات زمنية مختلفة من الألف الرابع قبل الميلاد إلى سنة 200 ميلادية.

ترى السيدة أمل أن التجمع يمثل المجتمع السوري بكل أطيافه وألوانه. وعندما سألنا هل تعولون على النساء في المرحلة القادمة في بناء وترميم المجتمع؟ قال شمعون: هذا التجمع أحد الإثباتات في التعويل على المرأة، فالمرأة أماً ومربية، هي من تصنع الجمال. يقول الدكتور طه القرني “إن استطعت أن تنشئ فناناً تشكيلياً في دارك ألغيت فكرة الإرهاب من هذه الدار” لأن هذا الفنان يعمل وينتج طاقة إيجابية تترتب مع كل لوحة موجودة وعندما تقتنين لوحة تأخذين طاقة الفنان التي بذلها أثناء العمل إلى دارك. ما نعانيه اليوم أن بيوتنا خالية من الطاقات؛ لذلك تتكون طاقات سلبية لكن إن وجدت اللوحات فإن البيوت تمتلئ بالطاقات الإيجابية، و هنا أريد أن أقول في كتاب الموسيقى الكبير للفارابي قبل ألف عام يقول: النفس قسمان: قسم خير، وقسم شر.. قسم الخير يكبر حين يكبر الإدراك الجمالي الخاص فيه حين يتذوق الإنسان جمالية الشيء تكبر مساحة الخير، ويحصن النفس للقيام بفعل الخير والامتناع عن فعل الرذيلة، ما يحدث اليوم للآسف ليس لدينا وعي بصري، ليس هناك ثقافة بصرية ونعتبر اللوحة شيئاً كمالياً، لكن الفن شيء أساسي يوازي تماماً رغيف الخبز.

هل هناك من يقوم بتمويل مشاريعكم؟

يقول الأستاذ شمعون لا، أبداً. الفنانات جميعهن يقتصدن من مصروفهن الخاص لشراء الألوان والخامات، إن تكاليف اللوحات المعروضة هنا اليوم لا تقل عن عشرين مليون ليرة.

في ظل هذا الحصار كيف تتمكنون من تأمين المواد والألوان الجيدة لإنجاز اللوحات؟

هذا جزء من معاناتنا لا يوجد تسويق للوحات ولا اقتناء.

يتم الإشراف على عمل الفنانات وتوجيههن من قبل الفنان التشكيلي جورج شمعون والفنانة التشكيلية سماهر دلا (والآنسة دلا لها مشاركات في ملتقيات ومهرجات عديدة منها “سمبوزيوم أهدن” في لبنان 2003-2004- معرض ثنائي مع الفنان شمعون في نيويورك 2008، معرض مشترك في حلب مع الفنان جورج شمعون والفنان علي فاضل، معرض في صالة أوركسترا في اللاذقية 2009، وفي هيشون 2009 اللاذقية مهرجان العجيلي للرواية، 2007، الجائزة الأولى الشهيد محمد الدرة عن فئة الهواة 2001 لوحاتها مقتناة في لبنان ودبي وأمريكا). يختار الفنانان الفكرة والموضوع الذي يدور حوله المعرض ويشرفان على تنفيذ هذا الموضوع من قبل الفنانات، فيخرج كل معرض بموضوع وأفكار وتقنيات متسقة. تقول الفنانة دلا إن الرسم كان سبيلهن الوحيد لمواجهة آلام الحرب وترميم جراحهن. ويقول جورج شمعون: في رسالة هوغو للنحات فرومان موريس كتب فيها “إنما نحن أخوة الزهرة يبدعها أكثر من فنان، الشاعر ينحت اللفظة في وصفها، والنحات يضيف عليها من روحه الشعرية”.

قواعد العشق الأربعون

وعن تجربتهن الخاصة لمعرض “قواعد العشق الأربعون” تقول أمل سليمان: أنتجنا لوحات بالضغط على النحاس وبتحويل رواية إليف شافاق إلى نص بصري تعبيري. وقد تم اقتناء إحدى لوحاتي من قبل السفير البلاروسي. وعن معرضهن في يوم اللاعنف ومهرجان الوادي يقول شمعون: طرحنا لمشروع “على الحجر” يجسد إحساس الطفل السوري وما خلّفته الحرب في نفسيته. الأطفال يحبون تسجيل انفعالاتهم على الجدران طلبنا من كل فنانة أن تترجم إحساسها وانفعالاتها لما حدث بسوريا على الجدار، أخرجنا لوحات عُرضت بيوم اللاعنف في مهرجان الوادي بدير مار جرجس 2019، الآن لدينا مشروع جديد “معرض تكعيبي” كله بأسلوب الحجر.

ماذا عن مشاركاتكم خارج البلاد؟

في مهرجان “ملقا” في أسبانيا طلبوا مشاركة السيدة أمل سليمان التي استأذنت التجمع للمشاركة في المعرض، وافقنا لأنه سيكون إعلاناً عن التجمع خارج البلاد شاركت وطُلب منها أن ترشح أحداً من التجمع رشحت السيدتين دانيا هارون والدكتورة زينة عكاري، وقدمت كل واحدة منهن عملين. كان معرضاً عالمياً، فمهرجان “ملقا” فيه مشاركون من كندا وألمانيا ومصر وسويسرا وما قدمته الفنانات من تجمع أورنينا كان مميزاً بالمهرجان. ولدينا فنانات من التجمع مقيمات في العراق والسعودية ومصر.

الفنانات المشاركات في المعرض مع الفنان جورج شمعون هن: سماهر دلا، إحسان إسماعيل، أمل سليمان، إيفا ونس، حسانة هيكل، دانيا هارون، ديمة إبراهيم، رجاء بليون، رشا الناصر، رنا محفوض، ريما ديب، ريم فرفور، د.زينة عكاري، سمراء حسن، فرح منصور، د.لبنى علي، د.لميس عثمان، ليلى أحمد، ماس القيسي، مجد معماري، نور عبد القادر، نور هيكل.

المعارض التي أقامها “تجمع فنانات أورنينا”:

• “ألواح تتكلم” صالة طرطوس القديمة كورنيش البحر2017.

• “من مجاني الإبداع” صالة طرطوس القديمة – كورنيش البحر2018.

• “قواعد العشق الأربعون” صالة طرطوس القديمة – كورنيش البحر ومنفذة بالضغط على النحاس 2018.

• “ألواح تتكلم، تحية إلى تدمر” دير مارجرجس مهرجان القلعة والوادي 2019.

• “تحية إلى تدمر”بمناسبة وصول مجسم المحراب الشمالي في معبد بل في تدمر إلى المتحف الوطني بدمشق 2019.

• “اليوم العالمي للاعنف” صالة طرطوس القديمة كورنيش البحر2019.

• “همسات لونية” صالة طرطوس القديمة كورنيش البحر 2019.

• “ألواح تتكلم” دار أوبرا دمشق 2019.

• “آشافي الروح” المركز الثقافي العربي في طرطوس 2021.

• معرض افتراضي شاركت فيه جميع فنانات تجمع أورنينا في مدينة ستوكهولم في السويد خلال شهر نيسان دعوة من قبل بيت الثقافة السوري 2021.

• “سوريا مهد الحضارات” خان أسعد باشا دمشق القديمة 2021 .

“تجمع فنانات أورنينا”

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015