تمكين المرأة في المجتمع العربي “جعجعة بلا طحين”
تمكين المرأة

وفاء علوش\ brocarpress- تمثّل النساء والفتيات نصف سكان العالم، ومن ثم نصف إمكاناته، لذلك فإن المساواة بين الجنسين، إلى جانب كونها حق أساسي من حقوق الإنسان، أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانات المجتمع الكاملة، علاوة على أن تمكين المرأة يحفز الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

يثير مصطلح تمكين المرأة في الأحوال العادية حفيظة المجتمع كونه أصبح متداولاً بكثرة وبات يتصدّر كثيراً من عناوين منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، ويتذرَّع المتحفّظون بأن النساء في المجتمع حاصلات على حقوقهن كاملة، أو يذهب بعضٌ منهم إلى أبعد من ذلك فيرفضون الفكرة من أساسها، على اعتبار أن الإنسان بجنسيه في المجتمع العربي لم يصل إلى مرحلة التمتع بحقوقه الإنسانية كاملة.

وفي ذلك شيءٌ من الحقيقة في بعض الأحوال، فالإنسان العربي وُلِدَ واستمر مسلوب الحقوق وعاجزاً ومكبَّل اليدين ضدّ أي محاولة من أجل المساهمة في نهضة المجتمعات، غير أن ذلك لا يمكن أن يكون عذراً من أجل التعتيم على دور المرأة  أو اقتصاره على مجالات محدّدة، بحجّة أن للمرأة دورها الأزلي في تدبير المنزل أو تربية الأطفال وحضانتهم.

يُعرّف التمكين لغوياً بأنه التعزيز والتقوية، ويمكن أن نستخدم المصطلح على كثير من الفئات الضعيفة والمهمشة اجتماعياً، وفي الاصطلاح أيضاً يمكن تعريف تمكين المرأة بأنه إعطاء مزيد من القوة  المعنوية للمرأة وتعزيز نقاط القوة لديها وكشف مواطن الضعف ومعالجتها، بحيث تتمكّن المرأة من التعريف والابتكار والتعبير عن رأيها، وقدرتها على تحديد الاختيارات الاجتماعية والمشاركة في كل المستويات، والتأثير في قرارات المجتمع، وهذا يمثّل عملية متكاملة تتضمن إعداد المرأة لتصبح فرداً واعياً ومدرِكاً وأكثر فاعلية على الصعد المختلفة.

بدايةً وعند الخوض في هذا المجال لا بد أن تتصدّر في الذهن المسألة العالقة منذ أبد الدهر، وهي مسألة المساواة بين الجنسين وإلغاء القوانين التمييزية بينهما، وهذا ما يعد أولوية واجبة عند البحث في مسألة التمكين، فالدول التي تعاني فجوات قانونية في هذا الخصوص لا يمكن أن تكون رائدة في مسألة التمكين، وعليه علينا أن نبدأ بمسألة تعديل بعض القوانين المجحفة في حق المرأة أو التي تنتهك من حقوقها أو تنتقص منها وتعتبرها كائناً ناقصاً حتى على نطاق مهمتها الأساسية التي أطَّرها المجتمع فيها وهي الأمومة أو الحضانة.

تصطدم مسألة التمكين أيضاً بمعوقات مختلفة علاوةً على المعوقات القانونية أيضاً، فالمعوقات اجتماعية كثيرة وتحدّ من مساهمة المرأة مساهمةً فاعلة، فالمجتمعات على اختلاف شرائحها تنظر للمرأة على أنها مخلوق أدنى مرتبةً من الرجل جسمانياً وعقلياً، الأمر الذي ليس له أساسٌ علمي من الصحة بل يتنافى مع ما وصلت إليه الدراسات الحديثة في هذا المجال.

يضاف إلى ذلك المشكلات التي قد تعانيها المرأة في حال كانت امرأة عاملة، إذ إنها تعدّ كائناً ضعيفاً وغير قادر على القيام بأعباء يختصّ بها الذكور فقط بسبب اعتبارات مختلفة كالقوة الجسمانية وعدم تعرّضهم للحمل واضطرارهم إلى إجازات أمومة وما شابه، وهذا ما قد يتذرّع به أرباب العمل لتبرير فجوة الأجور التي تجعل الرجل يتقاضى أجراً أعلى من المرأة حتى في حال قيامهم بالعمل ذاته.

ينعكس التمكين إيجاباً على الاقتصاد القومي وارتفاع نسبة الناتج المحلي، ذلك أن مشاركة المرأة في مختلف المجالات قد تعيد إلى قوة العمل نسباً كبيرة نسبياً تساهم في رفع مستوى الإنتاج كماً ونوعاً، بسبب أن نسبة النساء مرتفعة أكثر من نسبة الرجال في إحصاءات السكان، فضلاً عن اضطرار المرأة إلى تحمّل مسؤولية نفسها بشكلٍ كامل نتيجة الحروب وموجات النزوح والهجرة وبقاء أغلب الأُسر من دون معيلٍ ذكر.

لذا بدأت مؤخراً الجمعيات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان تنشط للمطالبة بالتمكين بمختلف أشكاله، فالتمكين الاجتماعي يركّز على زيادة نسبة مشاركة المرأة في القضايا المجتمعية، محلياً وعربياً مع التأكيد على دورها المهم في تكوين القيم الإيجابية في مستوى الأسرة والمجتمع، ورفع مستوى الوعي للقضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة، والعمل على توفير الخدمات التي تساعد المرأة على إحداث التوازن في مسؤوليتها ودورها التنموي.

فيما يهدف التمكين الاقتصادي إلى زيادةٍ في حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، ويركّز على مدى استفادة المرأة من عائد المشاركة في التنمية، بهدف زيادة قدرتها واعتمادها على الذات، من أجل مساهمتها في الحياة الاقتصادية.

من ناحيةٍ أخرى، يتبلور التمكين السياسي في دعم المشاركة السياسية للمرأة، من خلال زيادة نسبة تمثيلها في مواقع اتخاذ القرار، وزيادة نسبة عضويتها في الأحزاب السياسية والنقابات، والجمعيات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، وزيادة تمثيلها في المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.

ويجب أن يجري ذلك كله ضمن إطارٍ قانوني لإيجاد ضماناتٍ تحافظ على دور المرأة، وتضمن حقوقها من خلال  العمل على تعديل التشريعات التي تحدّ من دور المرأة وتوعية المرأة العربية في حقوقها القانونية، وتطبيق جميع الاتفاقيات الدولية التي تضمن الحقوق المدنية للنساء؛ سواء في ظلّ الاحتلال أم غيره.

وبالتزامن مع التمكين القانوني، علينا ألا نغفل دور تقوية البنية الأساسية للمنظمات والهيئات التي تسعى إلى النهوض في مجال المرأة، وزيادة دور جميع المؤسسات التي تهتم بها، والعمل على إيجاد شبكة اتصال بين صانعي السياسات الكفيلة بتحسين وضعية المرأة في مختلف القطاعات.

وقد تعدّدت المواثيق والقرارات الدولية المتعلّقة بالمرأة، ومنها القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأوصت هذه المواثيق والاتفاقيات بتمكين المرأة في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية والصحية، إضافةً إلى عقد عددٍ من المؤتمرات الدولية التي تهدف إلى تمكين المرأة، وتفعيل دورها في المجتمع، ومن هذه المؤتمرات مؤتمر المكسيك عام 1975م، ومؤتمر كوبن هاجن 1980م، ومؤتمر نيروبي عام 1985م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر إسطنبول عام 1996م، وعلى رأسها اتفاقية سيداو التي تهدف إلى القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة.

تجدر الإشارة في النهاية إلى أن بعض الدول تدّعي أنها تعمل على مسألة المساواة والتمكين، وأنها ماضية في هذه الطريق الشائكة اجتماعياً، لكن ذلك لا يتعدّى أن يكون مجالاً للحديث والمفاخرة ونشر عناوين إعلامية عريضة لا تطبّق على أرض الواقع بسبب الرفض الاجتماعي المبطن أو التجاهل القانوني في أغلب الأحوال.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

تمكين المرأة

تمكين المرأة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015