تمكين النساء والترجمة
المرأة والترجمة

د. هبة صلاح/ shorouknet- يظلّ التعريف الأمثل للغة بشكل عام أنها وسيلة التواصل بين كل الكائنات، فلكل كائن لغته وإشاراته، سواء فهمناها وأدركنا معانيها أو لا؛ وسيظل التعريف الأمثل للترجمة أنها أداة التعريف باللغات ونقل الثقافات من أجل خلق مساحات للحوار مع الآخر المختلف عنا ربما في الاعتقاد واللون والجنس والثقافة، وهنا يتحقق مفهوم “لتعارفوا”.

من هنا نقول إن المصطلحات الخاصة بكل صنف من صنوف العلوم والتخصصات هي حجر الزاوية في فهم وهضم ما يقدمه هذا العلم من أفكار وتحقيق لأهدافه، ومن ذلك العلوم الاجتماعية التي منها علم النوع أو الجندر، ويندرج تحت أهدافه “تمكين النساء” سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا.

وبعد انتهاء شهر مارس/آذار الذي شهِد احتفالاً واحتفاءً بالنساء على المستويات كافة، دوّنتُ بعض الملاحظات المرتبطة بهذا النوع من التكريم أو الاحتفال، فمن خلال التعامل مع فئات مختلفة من النساء داخل مصر، وجدت أننا نعاني في مجتمعامن إشكالية “الصور النمطية” أو “القوالب الذهنية” التي دائما تقف حجر عثرة في طريق تمكين النساء وخاصة في المناطق الريفية، ووجدت أن أول سبب في تعميق هذه الصور النمطية هي تداول المصطلحات أو اللغة التي يتم من خلالها الإشارة إلى النساء لتقنين هذه القوالب الجامدة.

وجدتُ أن أكثر الأسئلة شيوعاً وخاصة في الاحتفال بيوم “المرأة” هو: ما فائدة أن نخصص يومًا للاحتفال بالمرأة دون بقية العام؟

تبيّن لنا بالبحث أن النساء هن أكثر فئة تتضرر من تداول تلك المصطلحات التي يكون أساسها في أغلب الأحوال لغة الأمثال الشعبية “السلبية”، حيث جاءت الإجابات على سؤال تم طرحه من خلال مبادرة أصواتهن للسلام حول أهم المصطلحات التي ترون أنها سبب في تأخير تمكين النساء حتى داخل الأسرة: فكان منها:

يا مخلّفة البنات يا شايلة الهم للمات!

لما قالولي ده ولد، اتشد ضهري واتسند، ولما قالوا دي بنية، اتهدت الحيطة عليا!

وجدت كذلك ألفاظ بعينها مثل: “عانس”، بايرة”، “أم البنات”، “محجبة معقدة”، “غير محجبة”

وجدتُ أن هناك خلط في مصطلح النوع نفسه، حيث إن الترجمة المتوفرة الآن هي اللفظ المعرَّب “جندر”، وما يقابله في العربية كلمة “نوع” أو التنوع الاجتماعي، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو الحديث عن الجنس “ذكر أو أنثى، وإنما الحديث هو عن الأدوار الاجتماعية التي إن فهمناها بشكل صحيح، ستفتح لنا الآفاق أمام تمكين النساء بشكل أكثر مرونة وأريحية في مجتمعاتنا العربية، نضيف إلى ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في ترسيخ هذة المصطلحات أو اللغة التي يحاول البعض نشرها ودسها من خلال ما يسمونه “الكوميكس”، ومن هنا وجدت أنه لابد أن يكون هناك مواجهة للفكر بالفكر.

إن تغيير الصور الذهنية عن النساء خاصةً في مجتمعنا الشرقي، تبدأ من داخل الأسرة نفسها، فالأم التي تقول لابنتها “أنتِ بنت” وأخوكي ولد، ثم تفضل الابن على الابنة، ترزع داخل البنت إحساس بالدونية، وتجعل الولد دائما يشعر أنه مميز عن أخته، ومن هنا تبدأ سلسلة من المفاهيم والمصطلحات التي ننبه أنها مجرد بناء واهِ نبنيه لأنفسنا بأنفسنا.

المستوى الأعمق من ذلك، هو ما يجده المتخصص من ترجمات الكتب المقدسة في النصوص التي تتعرض للعلاقات بين الجنسين وإدارتها، حيث إن هناك قدراً لا بأس به من الترجمات المتحيّزة للرجال في كتب التراث المسيحي والمسلم وهو ما نطلق عليه Gender-bias، وهذا ما ظهرت من أجله الحركة النسوية الدينية في خمسينيات القرن الماضي لتعيد ترجمة وتفسير النصوص بصورة متوازنة بعيدا عن الانحياز لجنس دون آخر، ومن هنا ظهرت مصطلحات عديدة شكلت فكرة “تمكين النساء” من خلال ما تم تأليفه من أبحاث ومقالات لتناول المصطلحات بشكل صحيح، أذكر منها على سبيل المثال مفاهيم: “المساواة”، “العدل”، “القسط”، “القَوامة”، حيث إن المصطلح الأخير يجمع دائماً مجموعةً لا بأس بها من أهم قضايا تمكين النساء بداية من مفهوم الولاية المُثار حالياً على صفحات التواصل من قبل مؤسسة المرأة والذاكرة، إلى فكرة تولّي المناصب القيادية وغيرها.

ختاماً أقول إنّ عالم المصطلحات هو نقطة البداية التي لابد أن ينطلق منها كلّ باحث وباحثة في مجال النوع وتمكين النساء، لأنه لا يصح أن نسعى في اتجاه التمكين دون أن نُحدث تغير حقيقي فيما يتم تداوله من ألفاظ تجاه النساء في مجتمعنا العربي بهدف التصنيف أو الإقصاء.

د. هبة صلاح: باحثة ومترجمة في علوم الجندر، مؤسسة ومديرة مبادرة أصواتهن للسلام

المرأة والترجمة

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015