خلافات عائلية في مواقع التواصل الاجتماعي.. حالة صحية أم سلبية؟
خلافات عائلية في مواقع التواصل الاجتماعي

نور رمضان/enabbaladi- لا يكاد يخلو بيت من الخلافات بين أفراد الأسرة، سواء كانوا أزواجًا أم آباء وأبناء، وذلك طبيعي في علم الاجتماع، لكن نشر ما يدور خلف الجدران المغلقة من تفاصيل خاصة بعائلة ما على فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامه كأداة ضغط، يثير التساؤلات عن مدى صحة هذه الظاهرة وتأثيرها على العلاقات الأسرية.

وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات عن الخلافات الأسرية على شكلين: الأول منشور بشكل مباشر من الحسابات الشخصية، والثاني عبر مجموعات في “فيس بوك” أو حسابات في “تويتر” توفر نشر الموضوع من دون ذكر اسم المرسل أو صاحب الحساب، ليتلقى الشخص المرسل نصائح من بقية المتابعين.

وزادت نسبة العنف في سوريا خلال فترة تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، إذ قالت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في سوريا، كارين دادوريان، إن جائحة “كورونا” أثرت بطرق عديدة على السلامة الاقتصادية المجتمعية للنساء حول العالم بما في ذلك سوريا، “كان الحجر تجربة فريدة، أسهمت في زيادة التوترات، وبلورت وفاقمت المعايير والأدوار والمسؤوليات الجندرية لكل من النساء والرجال، وزادت من العنف والسيطرة على النساء والأطفال بشكل خاص”.

الظاهرة في المجتمع السوري

الباحث في علم الاجتماع الدكتور طلال مصطفى، تحدث لعنب بلدي عن أن السوريين يعيشون عبر وسائل التواصل فترة حريات وديمقراطية حُرموا منهم لسنوات، وهذا شيء إيجابي جدًا من كل النواحي، يساعد في تبلور شخصية الفرد من خلال النقاش، لكن هناك ما يمكن أن نسميه ظواهر فردية تستخدم هذه الوسائل بطرق سلبية غير مقبولة اجتماعيًا.

واعتبر الباحث أن الحديث عن المشاكل الشخصية، سواء أسرية أم خلافات في العمل، ونقلها إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي ونشرها للناس، وفتح باب التدخل، ظاهرة سلبية عامة، فالمجتمع السوري اعتاد طوال سنوات أن يسهم في حل الخلافات ضمن دائرة ضيقة من الأقرباء والأصدقاء، وثقافة المجتمع لا تسمح بنشر هذه التفاصيل أمام الجميع.

لكن تشتّت العائلات السورية في مختلف الدول، وعدم وجود أفراد العائلة قرب بعضهم، يدفع بأحد الأطراف إلى نشر تفاصيل خلافاته عبر “فيس بوك”، كنوع من التنفيس الانفعالي لكن ذلك غير مجدٍ أيضًا، بحسب الباحث الاجتماعي، فليس عند السوريين ثقافة العلاج النفسي أو الاجتماعي، وهذا سلوك موجود في البلدان النامية عمومًا، إذ تعتبر هذه المجتمعات أي شخص يراجع عيادة نفسية “مريضًا نفسيًا”.

وفي حال تطورت الخلافات إلى تعرض أحد الأطراف للعنف، ينصح الباحث في علم الاجتماع باللجوء إلى مؤسسات قانونية مختصة بحل هذه المشاكل ومعاقبة مرتكب الأذى، وهذا قد يكون طريقًا للصلح بين الجانبين أو حصول الضحية على حقوقها على الأقل.

ولنشر تفاصيل الخلافات أثر سلبي على الأبناء أيضًا، بحسب الباحث الاجتماعي، إذ يلحق بهم أذى عندما يكبرون إذا كانت هناك مقاطع مصوّرة أو كلام يوثق العنف من أحد الزوجين، ويخلق عندهم موقفًا سلبيًا من أحد الوالدين.

ومن سلبيات النشر أيضًا، بحسب الباحث، تعزيز الخلاف بين الطرفين، لأن 99% من الأطراف لن يكونوا موضوعيين ومنصفين في توصيف المشكلة، ويشير إلى أن معظم الخلافات يتحملها الطرفان، وليس فقط الطرف الذي يمارس العنف، أما حالات التعنيف الفردية فهي استثناء لا تمثل صورة المجتمع.

أداة ضغط ورقابة اجتماعية

بحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات عبر مواقع التواصل على بعض تفاصيل الخلافات التي انتشرت، شجّع البعض على نشر هذه الخلافات لردع آخرين عن ممارسة العنف، تحسّباً لما يشبه “الفضيحة” الاجتماعية أو الإساءة للسمعة. كما تداول ناشطون عبر “فيس بوك” مقطعاً مصوّراً لطفل يهدّد والده بالذهاب إلى ليبيا للمشاركة بالقتال فيها، احتجاجاً على تعرّضه للضرب منه عدّة مرات.

الباحث في علم الاجتماع الدكتور طلال مصطفى يرى أن الشخص الذي اعتاد على ممارسة العنف لا يردعه شيء، بما في ذلك نشر ذلك على مواقع التواصل، كما أن الشخص الطبيعي غير المعتاد على العنف من الممكن أن يلجأ إلى العنف أحيانًا في لحظة.

متى يقرّر الشخص نشر تفاصيل الخلاف؟

الطبيب النفسي والاستشاري وائل الراس يجيب عن هذا السؤال، بأن نشر الخلافات الشخصية على مواقع التواصل ليس حالة معزولة بحد ذاتها، موضحًا أنه يوجد لدى أشخاص  شعور دائم مرتبط بالوسواس القهري لتحديث الحالة بشكل شبه يومي وكتابة الأخبار على مواقع التواصل، ويكون من ضمن ذلك نشر الخلافات الزوجية.

أما الأشخاص غير المرتبطين بدرجة كبيرة على مواقع التواصل، فهم غير مهتمين بنشر الخلافات بدرجة توازي عدم نشر أخبارهم الأخرى.

وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك” حول تأييد نشر الخلافات الأسرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبدى 75% من الأشخاص رفضهم لنشر الخلافات لأنها تسبب تفاقهما، بينما أيد نحو 25% نشرها إذا كانت الطريقة الوحيدة “لرفع الظلم أو تجنب الأذى”.

خلافات عائلية في مواقع التواصل الاجتماعي

خلافات عائلية في مواقع التواصل الاجتماعي 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015