دروسٌ عن تمكين المرأة من حركة “عمال المياومة” الأردنية
من تظاهرات عمال المياومة/ أرشيف

سارة عبابنة/ حبر- في التاسع والعشرين من آذار 2010 أمضى حوالي المئة من عاملات وعمال المياومة الليل أمام الديوان الملكي للاحتجاج على إقالتهم حينها من عملهم. كانت أغلبية هؤلاء العاملين من النساء من إربد والكرك ووادي شعيب والغور وجرش والسلط. بمعنىً آخر: كنّ نساء من المحافظات، النساء الأكثر اضطهادًا حسب رأي العديد من مجموعات حقوق الإنسان لدينا. فكيف كان من الممكن إذًا لهؤلاء النساء أن يشاركن في نشاطات تتحدى الثقافة السائدة على هذا النحو؟ كيف تمكّنَّ منْ فعل ما لم تفعله أي مجموعة نسويّة أخرى، دينيةً كانت أو علمانيّة؟

هذا المقال مبني على ورقة نشرتها في المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، وهو خلاصة بحث نوعي استمر لمدّة ثلاثة عشر شهرًا ما بين عامي 2011 و2013 في سبع محافظات أردنية.

ما يزال أمام المهتمّين منّا بتمكين المرأة الكثير لنتعلّمه من نساءِ حركةِ عمّال المياومة. تمكّنت الحركة من جذب الكثير من النساء لأنها قدّمت خطابًا وبُنيةَ مرنةً خاطبت النساء بصفتهنّ جزءًا من المجتمعات وأعطت الأولويّة لاحتياجاتهنّ الاقتصاديّة. يُمكن تعلُّم دروسٍ مهمّةٍ عن الإصلاحات المؤسسيّة المُدْمِجة للنوع الاجتماعي إذا ما درسنا خطابَ وبنية حركة عمال المياومة.

في سياق الحراك الشعبي الأردني، صرف كثيرون النظر عن حراكات مطلبية واصفينها بأنهّا حركات ساذجةٌ وبسيطةٌ سياسيًّا. كما لم تنظر إليها الأوساط الحقوقية النسوية على أنها تركز على «حقوق المرأة». الخطاب الحاليّ للمجتمع المدنيّ الأردني، الشبيه بالخطاب العالميّ حول حقوق المرأة، يصرف النظر عن أي قضية تتشارك فيها النساء مع مجتمعاتهنّ باعتبارها قضيةً غير مُرتبطةٍ بالنساء. فلا تُعتبر القضايا نسويّة إلا إن كانت تواجه النساء حصرًا دون بقية أعضاء مجتمعهن. وبالتالي فإن القضايا الأكثر إلحاحًا التي تواجهها النساء جنبًا إلى جنب مع شركائهن في المجتمع من الجنس الآخر لا تسُجّل غالبًا على أنها قضايا نسويّة.

وباستثناء ما كتبه أحمد أبو خليل وأحمد عوض وفداء عدلي، فإن شيئًا لم يُكتب عن حركة عمال المياومة. وبالتالي فإنه من المهم وصف الحركة بالتفصيل لتمكين القارئة والقارئ من معرفة أهمّيّة الحركة وأهمية الدور الذي لعبته النساء فيها. ولاحقًا سأتناول البنية التي وضعتها الحركة والتي مكّنت الكثير من النساء من المشاركة. وأخيرًا، سأناقش الدروس العامّة التي يمكن استخلاصها عن تمكين المرأة من تجربة الحركة.

النقطة الرئيسيّة التي أتناولها هي أنه وبدلًا من اعتبار الحركة ساذجًة سياسيًّا ومحتاجًة للمزيد من التطوير، فإنه بإمكان الحركة أن تُعلّم منظّمات حقوق المرأة الأردنيّة والدوليّة دروسًا مهمّة عن كيفيّة خلق بُنى مساواة على أساس النوع الاجتماعيّ والطبقة الاقتصاديّة.

تقديم عمال المياومة وحركتهم

يعمل عمال المياومة لدى الحكومة والشركات الخاصة مقابل أجرٍ يوميّ، ويمكنهم أن يشغلوا أي وظيفة، كأنْ يكونوا مهندسين وفنّيين وموظّفي سكرتاريا وعمال نظافةٍ وصيانةٍ وميكانيكيين ومراسلين وسائقين وغيرهم. وما يجعلهم عمّال مياومة هو أنهم على خلاف غيرهم من العاملين يتلقّون أجرًا يوميًّا وليس شهريًّا. عمال المياومة الذين يعملون في القطاع العام ليسوا مصنّفين قانونيًّا كعاملين تابعين لديوان الخدمة المدنيّة، بمعنى أن تشريعات الخدمة المدنية لا تسري عليهم، وهم بالتالي لا يتمتّعون بأغلب الحقوق الممنوحة لموظّفي القطاع العامّ، كما يُميَّز ضدّهم في الرواتب والأحقّية في المزايا. وهذا يعني أن الكثير من عمّال المياومة مديونون باستمرار.

قصةُ مزيونة واحدةٌ من بين قصصٍ عديدة لنساء قابلتهن أثناء إجراء البحث، فهي تحمل شهادةً جامعيّة ولكن لم يكن هنالك وظائف للخرّيجين في مكان سكنها. تقدّمت لكل الوظائف الممكنة، وسعيًا منها لتأمين وظيفة جاءت مع أمها إلى عمّان وذهبت من وزارة إلى وزارة للتقديم للوظائف الشاغرة. لم تصدّق مزيونة وعائلتها أنفسهم من الفرحة عندما حصلت على عمل في واحدة من مديريات الزراعة في المملكة بعد طول انتظار، على الرغم من أن هذا العمل كان دون مؤهلاتها. لم تُخبر الوزارة أنها تحمل شهادًة جامعيّة، فقد كانت تعرف أنهم كانوا سيطلبون منها كجامعيّة أن تقدّم طلبًا لديوان الخدمة المدنيّة ليتمّ تصنيفها حسب اختصاصها، وكما تعرف من تجربة أقاربها أنه ونظرًا لعدد المتقدمين الكبير ومحدوديّة الفرص المتوفّرة فإن العمليّة ستتطلب سنوات حتى يردّ عليها ديوان الخدمة، هذا في حال ردّ عليها.

بعد فترةٍ قصيرة من بدْء مزيونة في العمل كعاملة مياومة، تزوجت من جنديّ في القوات المسلّحة. إلا أن وضعها الماديّ لم يتحسّن، نظرًا إلى أن الراتبين مُجتمعيْن لم يكونا يكفيان لتغطية نفقاتهما، خاصةً وأنّ مزيونة تُعيل أمها وإخوتها. كما زادت ولادة ابنتهما الأولى من نفقات الأسرة بشكلٍ ملموس، وللتوفير في فواتير الكهرباء والماء فإن الأسرة تعيش مفرّقة، حيث تسكن مزيونة مع أمها بينما يعيش زوجها مع عائلته.

كانت حركة عمال المياومة مكوّنًة بشكلٍ رئيسيّ من عمال المياومة في وزارة الزراعة. وكان المطلب الرئيسي للحركة إلغاء مسمى عمال المياومة لمخالفته لقانون العمل والعمال، وأن العمل يجب أن يضمن عيشًا كريمًا. وبالتالي كان احتجاج العمّال يتركّز بشكلٍ رئيسيٍّ على الأجور المتدنّية، وقلّة المزايا التي تُمنحُ عادةً للعاملين في القطاع العامّ (كالتقاعد مثلًا)، وغياب الأمان الوظيفي، كما طالبوا بحقهم في تأسيس نقابة عمّالية، بحسب تقرير مركز الفينيق عن الاحتجاجات العمّالية.

حقق عمّال المياومة بعض التقدُّم، فنشاطهم واحتجاجاتهم دفعت الحكومات المتعاقبة للاستجابة إلى بعض مطالبهم، ففي نهاية عام 2007 شكّلت الحكومة لجنة لدراسة ظروف العاملين غير المدرجين في نظام الرواتب. وأوصت هذه اللجنة بشمول كل عمال المياومة في نظام الخدمة المدنيّة بحلول نهاية عام 20099، ونُفِّذت هذه التوصية أخيرًا في شهر آب 20155. كما كانت احتجاجات عمّال المياومة واحدةً من أسباب رفع الحد الأدنى للأجور من 150 إلى 190 دينارًا.

النساء في حركة عمال المياومة

في عيد العمال، الأول من أيار 2006، تجمّع ثلاثة عشر عامل مياومة في أول اعتصامٍ لهم أمام وزارة الزراعة، سبعة من المعتصمين كنّ من النساء، بحسب ما قاله محمد السنيد، الناطق الرسمي باسم حركة عمّال المياومة، في مقابلة مع الباحثة. وبعد ذلك بأسبوعين تجمّع ثمانية وستون شخصًا لاعتصامٍ ثانٍ، وكان من بينهم عشرون امرأة تقريبًا.

تشكّلت لجنةٌ في الاعتصام الثاني من ممثلين عن كل محافظة ليصبحوا ضبّاط ارتباط ينظّمون العاملين من مناطقهم، ومنذ البداية ضمّت هذه اللجنة رجالًا ونساءً. «سُكيْنة» كانت واحدة من النساء العضوات في هذه اللجنة، وهي أرملةٌ وأمٌ لثلاثة أبناء وشهدت الحراك من بداياته. ثم اختارت اللجنةُ محمد السنيد ليكون الناطق الرسمي باسمها.

استجابةً لمطالب المعتصمين، قرر رئيس الوزراء معروف البخيت أن يلتقي مع العمال. وفي اجتماع لمجلس الوزراء تمّت صياغة خطة من ثلاث مراحل لتثبيت كل عمال المياومة الذين بدأوا العمل قبل الأول من تشرين الأول 2006 ومنع تعيين المزيد من عمّال المياومة. وعندما ماطلت الحكومة في تنفيذ الخطّة ذات المراحل الثلاث، لجأ العاملون إلى المزيد من الاعتصامات، بحسب السنيد.

عُيِّن نادر الذهبي رئيسًا للوزراء في تشرين الثاني 2007، واختار سعيد المصري ضمن طاقمه الوزاري ليشغل منصب وزير الزراعة. وكان المصري على علمٍ بأن أعضاء البرلمان كانوا قد مُنِحوا في السابق عددًا «غير رسميّ» من الأشخاص الذي يمكن لكلٍّ منهم أن يعيّنوهم كعمّال مياومة، بحسب قوله في مقابلة مع الباحثة. تواصل المصري مع الذهبي ليطلب منه تعيين بعض الأشخاص في وزارته كعمّال مياومة لاعتقاده بأن هذا سيخفف من الفقر في المنطقة، ووافقه الذهبي الرأي. ولم يبدُ أن الذهبي أو المصري كانا على علمٍ بالوعد السابق الذي قدّمته الحكومة للحركة بالتوقف عن تعيين العمال على نظام المياومة. وعندما وصل خبر توفّر فرص عملٍ في الوزارة، جاءت الكثير من النساء اللواتي قابلتهنّ إلى عمّان للتقدُّم للعمل.

في الرابع عشر من كانون الأول 2009 حل سمير الرفاعي مكان الذهبي رئيسًا للوزراء. وبعد تعيينه بفترة قصيرة طلب الرفاعي من المصري صرف العمّال الذين قام بتعيينهم نظرًا لمحدودية الموارد، وبناء عليه تم فصل 256 عاملًا في الأول من كانون الأول 2010، وهذا ما حرّك الموجة الثانية من الاعتصامات.

في بدايات سنة 2010 كان أغلب العمّال الذين شاركوا في موجة الاعتصامات الأولى -ومن بينهم سكينة- قد تثبّتوا. وبالتّالي فقد كانت أغلبيّة العمال النشِطين في موجة الاعتصامات الثانية ممن تمّ تعيينهم حديثًا وفصلهم. وكان الكثير من هؤلاء العمّال من النّساء. في الكرك وحدها كان هنالك 56 امرأة بين الثمانين عاملًا الذين عيّنهم المصري. التعديل الذي طرأ على اللجنة كان انعكاسًا للبنية الجديدة للحركة، فضابطات الارتباط وعضوات اللجنة عن محافظات إربد وعجلون والكرك كنّ جميعًا نساءً، لينا وأماني ونهى الشمايلة.

قررت اللجنة الاعتصام كلّ ثلاثاء أمام المباني الحكومية ذات العلاقة في العاصمة. ولكن الحركة اصطدمت بعقبةِ نقصِ الموارد، فالكثير من العمّال كانوا يجدون صعوبة في جمع المال الكافي للذهاب إلى عمّان للمشاركة في الاعتصام. لذلك طلبت لينا، وهي أرملة والمربية الوحيدة لأولادها، من أعضاء البرلمان في منطقتها أن يساعدوا العمّال. وفي مناسبة أخرى باعت جرة غازِ الصوبّة التي كانت تستخدمها لتدفئة أطفالها.

كانت الاعتصامات تُعقد أمام وزارة الزراعة ولاحقًا أمام رئاسة الوزراء. وفي كلِّ اعتصام كان ممثلو الحكومة يخرجون، للقاء بعض الأعضاء (دائمًا مع السنيد ولينا وسكينة والشمايلة)، أو لتقديم الوعود للمعتصمين، وفي اجتماع عُقِدَ مرةً مع ممثلين عن الحكومة بعد أحد الاعتصامات، شعرت العاملات بالغضب، ووجدن أنه حان الوقت لاتّخاذ إجراءات احتجاجيّة أكثر حزمًا. اقترحت أماني، ضابطة الارتباط عن محافظة عجلون في ذلك الحين، أن يعتصم العمّال ويبيتوا أمام الديوان الملكيّ.

بات العمّال والعاملات أمام الديوان ليلة 29 آذار 2010، واستمرّ الاعتصام حتى اليوم التالي، وكان هنالك تقييمات مختلفة لعدد المُعتصمات من النساء. بحسب الشمايلة فقد بلغ عدد المشاركات من الكرك وحدها الأربع وعشرين امرأة. كما قالت أن ثلثي المعتصمين المئة كنّ من النساء، إلا أن العدد تناقص ليلًا لتصبح النساء نصف الحضور.

استجابةً للمبيت، سمحت الحكومة لمئتي عامل من أصل 256 أن يعودوا إلى عملهم في الأول من أيار 2010 (وهم من لا يحملون شهاداتٍ جامعيّة وبالتالي ليسوا مؤهّلين للتعيين في الدرجة الثالثة والثانية من نظام الخدمة المدنية). وترى كل النساء اللواتي قابلتهنّ أنّ المبيت أمام الديوان هو الذي أجبر الحكومة على إعادة العمّال الذين تمَ صرفهم من العمل.

تم استكمال خطة الحكومة لتثبيت عمال المياومة في الأول من آب 2015. وبالإضافة إلى عمال المياومة في وزارة الزراعة تم تثبيت كل العمال ممّن كانوا خارج جدول التشكيلات كموظفين تابعين لديوان الخدمة المدنية، باستثناء العمالة الموسميّة. وبحسب السنيد، تم تثبيت 50 ألف عامل منذ بدء نشاط الحركة، ومن بينهم الـ4800 عامل مياومة الذين يعملون في وزارة الزراعة.

أسباب المشاركة الكبيرة للنساء

عندما يتمّ الحديث عن تمكين المرأة في الأردن، تُذكر عادةً العشائريّة والقيم التقليدية على أنها العوائق التي تحول دون مشاركة النساء الكاملة في مختلف مجالات الحياة. كيف نُفسّر إذًا المشاركة النشطة للنساء الريفيات وبنات العشائر في حركة عمال المياومة؟ كيف قامت هولاء النسوة بأكثر احتجاج راديكالي على المستوى الثقافي؟ أرى أن السبب الرئيسي لحضورهن هو تأكيد الحركة، في خطابها وفي بنيتها، على قضية واحدة، وهي الحقوق الاقتصاديّة للعاملين.

أغلب المشاركات في حركة عمال المياومة، إن لم يكن جميعهنّ، يعملن لأنهنّ مضطرّاتٌ للعمل. فرواتبهنّ مهمّة جدًا حتى تتمكن عائلاتهنّ من الصمود لآخر الشهر. وانصبّ اهتمام الحركة على تحسين الأوضاع الاقتصاديّة للمشاركين فيها من خلال التثبيت، والذي يضمن أحقيتهم في العلاوات والتقاعد والتأمين الصحّي. تركيز الحركة على الهمّ الاقتصاديّ هو ما دفع الكثير من النساء اللواتي قابلتهنّ إلى الانضمام إليها.

العمال والعاملات ضمن حركة عمّال المياومة طالبوا بأجرٍ معيشيّ. نهى الشمايلة كانت من قادة حركة عمال المياومة وضابطة الارتباط عن محافظة الكرك. ورغم أنها حصلت على ثاني أعلى علامة على محافظة الكرك في الثانوية العامة (الفرع الزراعي) إلا أنّها لم تتمكن من دخول الجامعة بسبب الوضع المادي لعائلتها. عملت بدايةً في مزرعة مملوكة لإحدى أكبر شركات الدواجن في الأردن براتب 90 دينارًا شهريًّا، ورغم أن الراتب كان أدنى بكثير من الحد الأدنى للأجور إلا أنها كانت بحاجته لتعيل أخاها الصغير ذا الإعاقة وأختها غير المتزوّجة.

تراجعت حالتها المادّيّة أكثر وأكثر عندما طالبت الشركة عاملاتها بالعمل في الورديّة الليليّة. الشمايلة التي كانت تعرف أن قانون العمل الأردني يحمي النساء من العمل ليلًا، اعترضت على قرار الشركة. فتمّ فصلها مع ثلاث عشرة عاملة أخرى. وبقيادة الشمايلة قامت العاملات بتقديم شكوى ضدّ الشركة في محافظة الكرك، وقالت إنه «كان هناك في تواطؤ من مديرية عمل الكرك مع شركة الدواجن بدليل مخالفة العمل الليلي، لما أقول لك لا يجوز اني اشغل المرأة في ساعات متأخرة إلا بموافقتها شخصياً وموافقة وزير العمل خطياً، لم يكن هناك موافقة شخصية ولا موافقة وزير عمل، وتم العمل الليلي، إذن ماذا يعني هذا؟ …. (شركة) الدواجن كانت تهددهم إنه أنا في حال إغلاقي رح أفصل كل عمالي. فزي ما تقولي بمسكوا المواطن من ايده اللي بتوجعه». أعادت الشركة العاملات المفصولات لكن مع حسم جزء من راتب العاملات اللواتي رفضن العمل ليلًا. «كانوا يحسموا علي 40 دينار ومرات 50 ومرات 60 دينار حسم شفت نهاري، يعني أنا وصلت مرحلة إنه أستلم من راتبي 40 أو 45 ليرة»، تقول الشمايلة.

في أغلب العائلات التي ينتمي إليها عمال المياومة كان الرجال والنساء متساوين في الأهمية كمعيلين للأسرة. وفي سعيهم لتحقيق المزيد من العدالة الاقتصادية نال المشاركون والمشاركات في الحركة دعم عائلاتهم ومناطقهم. وفي كثير من الحالات كانت النساء هنّ المعيلات الرئيسيات لعائلاتهنّ.

أثناء إجرائي للبحث، استخدم الأشخاص الذين قابلتهم لغةَ الحقوق، إلا أن الحقوق التي طالب بها السنيد ونساء مثل الشمايلة كانت مختلفةً عن الحقوق السياسيّة التي جرت العادة على تناولها في عالم ما بعد الحرب الباردة. تلك كانت حقوقًا اقتصاديّة: الحق في العمل، والأجر المعيشيّ، ومستوى حياة كريمة، والتأمين الصحّي، والسكن.

كثيرًا ما تعاملت مؤسسات الدولة مع موضوع عمّال المياومة وكأنه هبة أو صدقة لمساعدة المواطنين الفقراء، وهذا ما يرفضه العمّال. هنا يجب علينا التوقف عند قصة أبي محمد سنيد. كان جد محمد يمتلك 433 دونم في منطقة مليح وذيبان و1000 رأس غنم. بعد وفاة والده أكمل أبو محمد فلاحة الأرض ورعي الغنم. لكن عندما بدأت الحكومة ضخ مياه المنطقة إلى عمان سنة 1992 لم يتبقَ لدى الفلاحين المياه الكافية لسقاية أراضيهم، وفي نفس الوقت ارتفع سعر الشعير، فاضطر أبو محمد أن يطعم أغنامه التبن مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم. هذا أجبر أبو محمد أن يبيع الغنم ويبحث عن عمل، ولم يجد سوى العمل كعامل مياومة في مدينة جرش براتب 72 دينار شهرياً. وبهذا انتقل أبو محمد وعائلته إلى الفقر الوظيفي.

الشمايلة تحدّثت عن أهمّيّة وجود قوانين تضمن للعمّال حياةً كريمة، أمّا سُكينة فانتقدت الفكرة الليبرالية للحقوق السياسيّة التي تتبناها أحزاب سياسيّة كثيرة، فمثلًا قالت: «نحن لا نتمتع بأبسط حقوق المواطَنة (…) يا أخي أنا قلت لك أعطيني حق التصويت؟ (…) أنا ما بدي أنتخب، خذوه هذا الحق مني لأنه مسلوب (…) إنت فارض رأيك سواء أعطيتني هالحق والا لأ، أنا ما بدي اياه، وبالمقابل بدي حق ثاني بدي أعيش صح بدي أركب سيارة (…) اتركني أعيش».

فيما يخصّ الخطاب، طالبت حركة عمال المياومة بالعدالة الاقتصاديّة. المشاركات أكّدن أنهن غير مهتمات بالإصلاح السياسي بل بقضيّة حقوق العمّال بحد ذاتها بصفتهنّ عاملات. وتحدثن عن حقهم الطبيعي كمواطنات في المشاركة في هذا النوع من الاحتجاج العمّالي. فخطاب الحركة وإجراءاتها اعتمدت على الواقع المعاش بدلًا من الأيدولوجيا، ولكن هذا لا يجعلها حركةً ساذجة سياسيًّا. بل على العكس، فقد كان هذا الأسلوب المتماسّ مع الواقع هو من أوجد بُنية الحركة التي كانت ملائمة للكثير من النساء العاملات أكثر من مجموعات ليبرالية ويسارية تؤكد مساواة المرأة نظريًا ولكن عمليًا كل أعضائها ذكور. الأطر الأيديولوجيّة غالبًا ما تبدو جيدةً على المستوى النظري ولكنها غير مُهيّأة لتمكين النساء والرجال عمليًّا.

بنية التنظيم المرنة والنواحي اللوجستيّة

أثناء فترة عملي الميدانيّ (بين تشرين الثاني 2011 وشباط 2013) كان تمثيل النساء عاليًا في الحركة، حيث شغلنَ مواقع مهمة وشاركن في اتخاذ القرارات. فقد كانت أماني مثلًا من اتّخذت قرار الاعتصام بالمبيت أمام الديوان الملكيّ.

ومن بين الأسباب التي أنجحت عمال المياومة في جذب المشاركات النساء هو البنية المرنة للحركة، والعديد من إجراءاتها غير الرسميّة والممعنة في المرونة. مثلًا: تكوين شبكة هاتفية، اللقاءات العفويّة تقريبًا أثناء الاعتصامات، التنظيم مع أفراد العائلة أو من خلالهم، والعمل من البيت. سأتناول كل واحدة من هذه الإجراءات على حدة لأبين كيف سهّلت مشاركة النساء.

نظّمت الحركة نفسها من خلال شبكة هاتفية، حيث كان السنيد في المركز وكان هنالك ضابط ارتباط لكل محافظة، وكان ضباط أو ضابطات الارتباط يناقشون القضايا مع الناشطين في مناطقهم ومن ثم يوصلون النتائج إلى السنيد. وعند التخطيط للاعتصام، كان ضباط الارتباط يتواصلون مع العمال، ومن خلال هذه البنية اللامركزية تمكنت الحركة من التوائم مع الظروف الصعبة التي كانت تواجههم دائمًا.

شبكات الهاتف مكّنت بعض المشاركات من تجاوز حدود منطقتهنّ الجغرافيّة، ومن المشاركة الافتراضيّة بالاحتجاجات بينما يبقين في بيوتهنّ مع عائلاتهنّ.

المدافعون عن حقوق النساء يؤكدون عادًة على ضرورة النظر إلى النساء على أنهنّ أفراد، ولسن محض امتدادٍ لأُسرهنّ. ويؤكدون أن النظر إلى النساء على أنهن أمهات وأخوات، وليس على أنّهن أفرادٌ لهنّ حقوقهنّ أمر يتعارض مع تمكينهنّ. لطالما ناقشت باحثات النسويّة الدور الذي تلعبه الأسر، في مجتمعات الشرق الأوسط، في تقييد وتمكين الأفراد في آنٍ واحد، وبالتالي فإن النظر إلى النساء على أنهنّ أفراد سيحدّ من خيارات النساء. وبحسب سعاد جوزيف «الأفكار التي تُعرّف الذات من خلال الصلات والعلاقات تشكّل حقوقًا (…) الحقوق المرتبطة بالعلاقات تفترض أن إحساس الشخص بالحقوق ينبع من علاقاته. أي أنه وبالاهتمام بهذه العلاقات يصبح للفرد حقوق». فعاملات المياومة الناشطات بالإضافة إلى كونهن عاملات هنّ أيضًا بنات وأمهات وزوجات وأخوات. وغالبًا لم يكنّ قادرات على الانتقال إلى الأماكن التي كن يُرِدن الذهاب إليها متى ما أرَدْن الذهاب، بسبب عدم توفُّر المال ولأنهنّ يلعبن أدوارًا في مجتمعاتهنّ تصعّب من حركتهنّ. تمكنت النساء من الاستمرار في الحركة بسبب العمل ضمن إمكانات العلاقات العائلية بدلًا من تحدّيها. وحتى المشارِكات ممن لم يتحملن مسؤوليات أساسية أو دورًا رئيسيًّا في الحركة شعرنَ بأنهنّ جزء منها، فعن طريق زملائهنّ وعن طريق المكالمات الهاتفيّة من السنيد ظلّت العاملات على اطّلاع على آخر الأخبار.

طريقة تنظيم الاجتماعات غير الرسميّة لعبت دورًا أيضًا في مشاركة النساء العالية، فالاجتماعات لم تكن تُعقد إلا في وقت قريب من موعد الاعتصامات، وهكذا لم يكن على عمال المياومة أن يضحّوا بالكثير من الوقت الذي يخصصونه لعائلاتهم، على خلاف غيرهم من الناشطين ممن يلتقون بعد العمل أو لا يجتمعون إلا في عمّان. لم يكن لدى حركة عمال المياومة المال اللازم لاستئجار مكان للاجتماعات. بعض اجتماعات الحركة كانت تتمّ على رصيف مجمّع النقابات المهنيّة في عمّان، لأنّ الجميع كانوا يعرفون المكان. وكانت هذه الاجتماعات تُعقد في حال كان العمال في عمّان للاعتصام. وما سوى ذلك فقد كان العمّال في المحافظات يجتمعون في الشارع قرب الموقع الذي نظّموا الاعتصام فيه. من المهم جدًا أن نستوعب أهمية هذه الطريقة في عقد الاجتماعات خلال الاعتصامات والاحتجاجات، فالنساء (والرجال) لم يكونوا مضطرين لإنفاق مبلغٍ لحضور الاجتماعات شخصيًّا وكان هذا عاملًا مهمًّا مكنهم من المشاركة.

السبب الثاني وراء نجاح الحركة في جذب الكثير من النساء هو تعاونها مع العائلات بدلًا من التعامل مع النساء كأفراد فقط. فقد سعت الحركة بشكل فاعل إلى ضم عائلات العاملات إلى بنية الحركة، وكان السنيد يحرص على الاتصال بأزواج زميلاته. كانت مشاركات كثيرات يأتين إلى عمّان برفقة أمهاتهنّ وأزواجهنّ وأطفالهنّ مما أشْركَ العائلة كلها في الحركة. وأثناء الاعتصامات كان أزواج عاملات المياومة يلتقون بزملاء زوجاتهنّ لأول مرة غالبًا، وكان من شأن هذه اللقاءات أن تعزز الثقة. بشكل عام، كانت عائلات العاملات شريكةً ليس على مستوى الحركة فحسب، بل وفي حياة العمل لهؤلاء العاملات. الحركة لم تبتدع شيئًا جديدًا عندما أدمجت العائلات في نشاطاتها، بل بنت على عادة موجودةٍ سلفًا. والعائلات كانت تشارك لأن قضية العاملات كانت قضية المجتمع بأكمله.

ومع ذلك فإن بعض عاملات المياومة لم تتمكنّ من حضور الاحتجاجات والاجتماعات بسبب صعوبة التنقّل وحيدات، ولذلك فقد وجدت العاملات غير القادرات على الحضور أساليب أخرى للمشاركة من البيت. رويدة التي انتقلت إلى بيت أهلها بعد انفصالها عن زوجها، كانت متحمّسةً جدًا لقضية عمال المياومة، ونظرًا لأن والدها لم يسمح لها أن تنضم إلى الآخرين في الاحتجاجات، قررت رويدة الاتصال بالسنيد لتعرض عليه أن تكون المنسقة الإعلامية للحركة، وهي مَهمّةٌ لم تكن موجودًة قبل ذلك. قبل كل اعتصام كانت تتصل بمراسلي وسائل الإعلام المختلفة لتعلمهم بمكان وموعد الاعتصام، وكانت تنشر بيانات صحفيّة في يوم الاعتصام، كما كانت تنسّق مع لينا والسنيد، وكانت تعطي أرقام هواتفهم للصحفيين لإجراء المقابلات، كما كانت تدير صفحة العمّال على فيسبوك.

الخلاصة: التعلُّم من صاحبات الشأن

السبب وراء نسبة النساء العالية في حركة عمال المياومة هي الطريقة التي نشطت بها الحركة والطريقة التي تتحدث فيها الحركة عن نشاطها. انضمّت نساء كثيرات إلى الحركة وشغلن مواقع قياديّة فيها لأنها ركزت بشكل أساسيّ على التمكين الاقتصاديّ، ولأنها عملت مع القيود الاجتماعية ومن حولها. مقاربة الحركة القريبة من الواقع مكّنت المشاركين من التفاوض حول الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة. كما كانت الحركة مدركة للقيود الموجودة ومكّنت المشاركين من وضع طريقة للعمل من خلال القيود.

عند وصفهم لمشاركتهم في الحركة، قالت المشاركات أن عملهن لم يكن عملًا سياسيًّا. لو أخذنا الأمور على إطلاقها، فقد يبدو أنهن خائفات من الظهور بمظهر سياسيّ نظرًا لأنّ الكثيرين ما زالوا يدفعون ثمنًا باهظًا لنشاطهم السياسيّ في الأردن. ولكن بالنظر إلى الشجاعة التي أبدتها المشاركات في كسرهن للتابوهات الاجتماعية ومطالبتهن بالحقوق، يمكن أن نفهمَ رفضَهن للجانب السياسيّ على أنه انتقاد لفكرة السياسة بالطريقة التي تُمارَسُ فيها في الأردن.

لم تصف المشاركات عملهن بالـ«سياسيّ» لأن المعنى المألوف للكلمة كما تستخدمها الأحزاب السياسيّة في المدن، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات غير الحكومية، لا يخاطبهن ولا يصلهن. فأولويات هذه المجموعات كتغيير قانون الانتخاب مثلا لا تتطرق لأولويات العاملات الأساسية والتي تطابق الأولويات الشعبية ألا وهي العدالة الاجتماعية. ومع ذلك فقد كان عمل حركة عمال المياومة سياسيًّا واضحًا. وقد كانت سياستهم من سياسة الحياة اليوميّة. كانت التجربة هي من تملي على الحركة أجندتها بدلًا من الأيدولوجيا. ومن خلال عملهن وخطابهن، فضّلت المشاركات مقاربة سياسية قريبة من الواقع تمكن الناس من التعامل مع همومهم، وأبرزها هو الحرمان الاقتصاديّ. لقد كانت نوعًا من السياسة التي كانت تُشْعِر النساء براحة أكبر وتُمكنهنّ من الكلام بسلطة حتى وإن افتقرن إلى الإعداد السياسيّ «الملائم».

كذلك يمكننا أن نستخدم مثال حركة عمال المياومة لمراجعة الطريقة التي نتصوّر فيها «قضايا النساء» في الأردن (وفي العالم). فهناك قائمة خفيّة بالمشاكل التي تواجه النساء في الأردن، وصارت هذه المشاكل تعتبر «قضايا النساء». من أبرز القضايا على القائمة قضية العنف على أساس النوع الاجتماعي، والقيود القانونية التي تواجه النساء، والسلوكيات الاجتماعية التمييزيّة ضد النساء. ونظرًا إلى أن نساء حركة عمال المياومة لم يواجهن بشكل مباشر أيًّا من هذه القضايا، لم يُعتبر نضالهنّ جزءًا من قضايا المرأة.

لم تقف أيٌّ من المنظمات غير الحكومية الداعمة للمرأة أو أيٌ من اللاعبين في المجتمع المدنيّ بجانب النساء في حركة عمال المياومة. ما هي الحال التي وصلت إليها حركتنا النسائية إن كنّا غير قادرات على أن نرى مجموعةً، أغلبها من النساء، كمجموعة تعمل على قضايا النساء؟ ورغم أن المشاكل الموجودة على «قائمة قضايا النساء» مهمةٌ طبعًا، إلا أنها ليست الأكثر إلحاحًا بالنسبة لأغلبية النساء الأردنيات. المشكلة الأكثر إلحاحًا هي الفقر والنضال من أجل راتب يغطي احتياجات الحياة.

وهنا لا أتكلم عن الفقر الذي تكافحه المنظمات الدولية بإعطاء النساء قروضًا وتمويلًا للمشاريع الصغيرة. تفترض هذه المشاريع أن النساء يواجهن الفقر بمفردهنّ، وتعتبرُ الكثير من المنظمات غير الحكوميّة ومنظمات حقوق المرأة الفقرَ مشكلةً فرديّة تواجهها النساء لأنهن نساء. ورغم أن للفقر جانبًا جندريًّا، إلا أنه ليس من الصحيح أن أغلب النساء فقيراتٌ لأنهن نساء، فهنّ فقيرات لأن مجتمعاتهنّ أُفْقِرت، وعندما يُفْقَر المجتمع تكون نساؤه وأطفاله فقراء كذلك. ولا يتم تمكين هذه المجتمعات عن طريق تمكين المرأة بل عن طريق محاربة سياسة الافقار والبنى التحتية المفْقِرة.

أغلب المنظمات غير الحكومية التي تركز على قضايا النساء لا تقوم بعمل تحليلٍ للمشكلة البنيويّة التي أفقرت مجتمعات بأكملها وبالتالي أُفْقِرت النساء فيها. المشكلة مع قائمة «مشاكل النساء» هو أنها تحتوي فقط على المشاكل التى لا تشترك النساء فيها مع مجتمعاتهن. المشاكل المشتركة بين النساء ومجتمعهن غائبةٌ عن القائمة. و هذه هي المشاكل الأكثر إلحاحًا على النساء. إن فقر الكثير من الأردنيات ليس بسبب قمع رجال مجتمعاتهن لهن بل بسبب سياسات محددة كسياسة ضخ مياه المحافظات إلى عمان التي أدت إلى إفقار الفلاحين في هذه المناطق ومن ثم إفقار الفلاحات أيضًا. من الأولى أن تتصدى منظمات حقوق المرأة لهذه المشكلات البنيوية وأن تحاربها بدلًا من محاربة رجال هذه المجتمعات الذين هم أيضًا يعانون من التهميش والاضطهاد. وعلى جميع المنظمات المعنية بالتمكين الإصغاء لصاحبات الشأن. فعاملات المياومة قلن بوضوح أنهن لا يردن صدقات بل يردن أن يعملن وأن تضمن المواطنة حق عمل يؤدي إلى حياة كريمة.

إن لم تتمكن الحركة النسائية الأردنية والدولية من التعامل مع مشاكل المجتمع والإصغاء لصاحبات وأصحاب الشأن، ستظل غائبةً عن القضايا المهمة التي تواجه أغلب النساء وبالتالي ستظل مهملة من قِبل الأغلبية العظمى من النساء.

من تظاهرات عمال المياومة/ أرشيف

من تظاهرات عمال المياومة/ أرشيف

*سارة عبابنة أستاذة مشاركة وباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015