سانا مارين… أصغر رئيسة وزراء في العالم
الفنلندية سانا مارين، أصغر رئيسة وزراء في العالم

فنلندا/ وكالات- اختيرت سانا مارين، 34 عاما، لشغل منصب رئيس الوزراء في فنلندا، وبذلك تصبح أصغر رئيسة حكومة ائتلافية تقودها نساء في العالم. وستقود مارين ائتلاف يسار الوسط المكون من خمسة أحزاب ترأسها نساء. كما وتعتبر مارين ثالث امرأة تقود الحكومة في هذا البلد الواقع في شمال أوروبا.

وقد اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارين، التي شغلت سابقاً منصب وزيرة الزراعة والاتصالات، لتولّي مهام منصب رئيس الوزراء بعد استقالة رئيس الوزراء أنتي رينه. كما تتولى فنلندا حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

جرى تعيين مارين رئيسةً للوزراء يوم الثلاثاء الماضي، وبعد يومين وجدت نفسها كتفا إلى كتف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وغيرهما في قمة للاتحاد الأوروبي يحضرها قادة الدول الأعضاء السبع والعشرين. وابتسمت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية في وجه مارين، وحضنتها بحرارة عندما التقتا في القمة ببروكسل.

وقالت مارين، التي فازت في التصويت بفارق ضئيل، “لدينا الكثير الأشياء لنعملها لإعادة بناء الثقة”. وتجاهلت أسئلة كثيرة حول عمرها، قائلةً “لم أفكّر أبداً في عمري أو جنسي، أفكّر دائماً في الأسباب التي دفعتني إلى الانخراط في السياسة وكذلك الأمور التي جعلتنا نفوز بثقة الناخبين”.

كما قالت مارين في مقابلةٍ صحفية: “لا أشعر بأنّي مثلٌ أعلى. ربما أكون كذلك بالنسبة للبعض لكننا جميعاً بشر. ما يهم هو القضايا وليس من هم وراء القضايا التي نعمل جميعاً عليها. أعتقد أن كلّ واحدٍ مهم”.

وذكرت مارين التي بدأت العمل السياسي وهي في منتصف العشرينيات، أنّها اهتمت بتغيّر المناخ وخالجها شعورٌ “بأنّ الجيل الأكبر لا يوليها لاهتمام الكافي”، مشيرةً إلى أنّ “السر وراء نجاحها هو العمل الجاد”.

وبحسب مصادر إعلامية، فإن مارين نشأت في عائلة بسيطة، وربّتها والدتها بمفردها بعدما انفصلت عن والدها وهي في سن صغيرة، لإدمانه على الكحول. وكتبت هي نفسها تقول إنّها «قصة عائلة مليئة بالحزن، ولكن بفضل النظام الاجتماعي لفنلندا والتشجيع من الأساتذة المشجّعين» تمكّنت من تخطي الصعاب، والتخرج من جامعة تامبيري (شمال العاصمة هلسنكي)، لتصبح الأولى في عائلتها التي تتخرّج من الجامعة. وفي سن الـ15، عملت مارين في فرن، وكانت توزّع المجلات لكي تحصل على مصاريف الجيب التي لم تكن والدتها قادرة على إعطائها إياها.

وتروي الرئيسة الشابة أنّها بدأت الاهتمام بالسياسة عندما كانت تبلغ من العمر 20 سنة، من خلال الحركات والمنظمات الشبابية. وفي عام 2012، انتخبت عضواً في بلدية تامبيري حيث كانت تعيش، رغم أنها مولودة في العاصمة هلسنكي. ولم تكن حينذاك قد تجاوزت سن الـ27، وكان هذا المنصب هو الذي شكّل مفتاح صعودها السريع بعد ذلك، إذ إنها ترأست مجلس البلدية -في المدينة التي تعدّ من أكبر مدن البلاد- بين عامي 2013 و2017.

ويروي متابعو مسيرتها أنها رغم صغر سنها عُرِفَت بصرامتها، وقدرتها على إدارة جلسات مجلس البلدية بشكلٍ حازمٍ وفعّال. وينتشر شريط فيديو لها وهي تترأس إحدى الجلسات التي تناقش إنشاء ترامٍ جديد، وتبدو وهي تعبّر عن امتعاضها مراراً من محاولات أعضاء المجلس التسويف وإضاعة الوقت بمداخلات طويلة.

وفي عام 2014، انتُخِبَت مارين نائبةً لزعيم الحزب الاشتراكي، ونجحت عام 2015 بدخول البرلمان للمرة الأولى وهي في سن الثلاثين. وبعد إعادة انتخابها في وقتٍ سابق من العام الحالي 2019، عيّنت وزيرة للزراعة والاتصالات في حكومة رينه، ولم تمض أشهر حتى انتُخِبَت لتحلّ مكانه.

الفنلندية سانا مارين/ إنفوغراف

الفنلندية سانا مارين/ إنفوغراف

وليست سانا مارين وحدها من جذب انتباه العالم إلى فنلندا، بل واقع أن الأحزاب الأربعة الأخرى التي تشاركها الحكومة تقودها نساء، ثلاثٌ منهنّ شابات مثلها، تتراوح أعمارهن بين الـ32 والـ34 سنة، وأيضاً واقع أن حكومتها معظمهما من النساء، فهي تضم 12 امرأة و7 رجال.

رئيسات الأحزاب المشاركة في الحكومة تسلّمن في الحقيقة مناصب وزارية مهمة. فوزارة الداخلية ترأسها زعيمة حزب «الخضر» البيئي ماريا أوهيسالو (34 سنة)، ووزارة المالية ترأسها زعيمة حزب الوسط كاتري كولموني (32 سنة) التي لعبت دوراً محورياً في إزاحة رئيس الوزراء السابق أنتي رينه، مما مهّد الطريق أمام مارين لترأس الحكومة، كذلك ترأس وزارة التعليم لي أندرسون (32 سنة) زعيمة حزب اليسار.

وعندما وقفت رئيسة وزراء فنلندا الجديدة سانا مارين وسط زعماء الأحزاب الأربعة الأخرى الذين تتشارك معهم الحكومة الائتلافية لالتقاط صورة جماعية تحتفل بها بتسلّمها المنصب، لم تكن تعلم أن الصورة تلك ستحظى بانتباهٍ عالمي، وتُطبع على افتتاحيات صفحات الجرائد في أنحاء العالم من آسيا إلى أميركا.

فنلندا دولة أوروبية شمالية صغيرة، لا يزيد عدد سكانها على الـ5 ملايين ونصف المليون، وليست دولة عظمى تؤثر بسياستها الخارجية، كما أن سياستها الداخلية هادئة لا تجذب كثيراً من الاهتمام العالمي عادة. ولكن هذه الصورة كانت مختلفة، فجميع رؤساء الأحزاب نساء، وكلهن شابات لا تزيد أعمارهن على الـ34، باستثناء إحداهن التي تبلغ من العمر 55 سنة.

ورغم أن العالم طبعها بأنها أصغر رئيسة وزراء في العالم، فإن مارين نفسها تقول إنها لم تُلق انتباهاً يوماً لسنها، ولا لواقع أنها سيدة، بل تفكر بالأسباب التي دفعتها لدخول السياسة. ولكن إذا كانت هي لا تهتم بكونها سيدة شابة وصلت إلى المنصب الأعلى في الدولة، ونجحت بأن تحكم وإلى جانبها سيدات من سنها يرأسن أحزاب الائتلاف، بحكومة معظمها سيدات، فإن هذه الصورة ودلالاتها لم تخفَ حتى على خصومها السياسيين. وكتب رئيس وزراء فنلندا السابق المنتمي لحزب المحافظين ألكسندر ستاب على «تويتر» يقول: «إن حزبي ليس في الحكومة، ولكني أحتفل بأن زعماء الأحزاب الخمسة في الحكومة هن سيدات. هذا يظهر أن فنلندا دولة عصرية متقدمة. غالبية الحكومة التي رأستها أنا كانت أيضاً مؤلفة من النساء. ذات يوم، لن يعود للجنس أهمية في الحكومة. وحتى ذلك الحين، نبقى في الريادة».

وإذا كان هذا الحضور القوي للمرأة في الحياة السياسية بفنلندا قد شكّل مفاجأةً للعالم، فإنّ الأمر يعدّ أمراً اعتيادياً في هذا البلد. فالبرلمان نصفه تقريباً من النساء، بنسبة 47 في المائة، ونصف الموظفين في القطاعات العامة والخاصة أيضاً من النساء. وفي القطاع الدبلوماسي، 45 في المائة من سفراء فنلندا نساء، وأكثر من 50 في المائة من الدبلوماسيين الآخرين هنّ أيضاً نساء. كما أنهنّ يشكّلن ثلث أصحاب الأعمال، وهي نسبة مرتفعة جداً، مقارنةً بدول أوروبية أخرى.

وفي الماضي، وصلت سيدتان إلى رئاسة الحكومة في فنلندا. ففي عام 2003، تولّت المنصب أنيلي ياتنماكي، من حزب الوسط، رغم أن عهدها كان قصيراً جداً، ولم تحكم سوى قرابة الشهرين فقط. ثم في عام 2010، اختارت فنلندا ماري كيفنيامي (أيضاً من حزب الوسط) كذلك لترؤس الحكومة، ولكن هي الأخرى لم تدم في المنصب أكثر من سنة واحدة. والآن، انتخبت فنلندا سيدة ثالثة، هي سانا مارين والتي يميّزها عن الرئيستين اللتين سبقتاها صغر سنها.

ومن جهة ثانية، فلطالما كانت فنلندا من الدول الرائدة في المساواة بين الرجل والمرأة. وبحسب تقريرٍ حول الهوّة بين الجنسين صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، فإن فنلندا حلّت عام 2018 في المرتبة الرابعة من أصل 149 دولة، كما تحتل المرأة مناصب عليا في فنلندا راهناً ضمن قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة.

وفي الواقع، عملت فنلندا منذ فترة طويلة على تحقيق المساواة بين الجنسين. ففي عام 1906، تبنّى البرلمان قانوناً للمساواة، وكان البرلمان الأول في العالم الذي يتبنّى قانوناً كهذا. ومن ثم، سمح القانون آنذاك للنساء بالتصويت والترشّح للانتخابات، أُسوةً بالرجال، فيما كانت النساء في العالم ما تزال عاجزةً حتى عن المشاركة بالاقتراع.

وفي العام التالي (1907)، نظّمت فنلندا أول انتخاباتٍ لها، عندما كانت ما تزال جزءاً من الإمبراطورية الروسية، ووصل إلى البرلمان حينها 19 امرأة، 9 منهنّ كنّ ينتمين للحزب الاشتراكي، و10 للحزب الوسطي وأحزاب يمينية. وعبر السنين، عملت النساء على تحسين قانون حماية حقوق المرأة، وضمان مساواتها في الوظائف مع الرجال.

وفي عام 1917، نظّمت فنلندا أول انتخاباتٍ لها بعدما أصبحت مستقلَّة، وانتُخبت كذلك 17 سيدة للبرلمان من أصل 200 نائب. وبقيت نسبة النساء المنتَخبات تزيد باطّراد كلّ عام، حتى احتللن نصف مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة مطلع هذا العام.

 *جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

الفنلندية سانا مارين، أصغر رئيسة وزراء في العالم

الفنلندية سانا مارين، أصغر رئيسة وزراء في العالم

وسوم :

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015