سنوات من الحرب، سنوات من التغيير
التغيير (المصدر: SyriaUntold)

سلوى زكزك / خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- تلقت نهاد سيلاً عارماً من السخرية، بعد أن قالت عبارةً اختارتها بعناية وتمسّكت بها بثقة “الحرب فرصة للتغيير وخاصةً تغيير مصائر النساء.”

سافر زوجها إلى القرية متذرّعاً بالحرب والخوف على حياته، للمرة الأولى مرّ قرارها بالبقاء هنا عادياً. كانت تعرف منذ وقت طويل أنّ زوجها يريد الهرب منها؛ من علاقتهما الفاشلة كزوجين مُجبرين على العيش معاً، تردّد مراراً في الإفصاح عن السبب الحقيقي لمحاولة الهرب، لكنها كانت تعرف ذلك كما يعرفه هو. لكن الحرب أفصحت عن المكتوم، انتهت العلاقة المخادعة والقسرية تحت مُسمّى النجاة من الحرب، لكنها كانت فعلياً نجاة من علاقة عائمة ومخادعة.

في ظلّ قانون أحوال شخصية يحرم النساء من طلب الطلاق إلا لأسباب قاهرة؛ تتكلّف النساء أعباءً مادية كبيرة، وتلكؤ، وربما سخرية من قضاة المحاكم الخاصة بالطلاق. وفي ظلّ وصمة مجتمعية وتبرير ديني غير مفسّر(ما جمعه الله لا يفرقه إنسان)؛ دفعت الكثيرات من النساء حيواتِهنّ مقابل الركون للأقوى، والأقوى هنا الزوج والمجتمع والمحكمة الروحية. سخر منها المحامي، عندما قالت له: “أريد الطلاق لأني لم أعد أحتمل وجودنا معاً أنا وزوجي.” كان يريد سبباً مقنعاً كي لا تكون الدعوى خاسرة حُكماً،  سببٌ مثل الجنون أو الخيانة المُثبتة بالوقائع.

سخر رجل الدين أيضاً منها، وقال لها: “ستصيرين جدّة وتطلبين الطلاق وكأنه بوابة للحياة؟”

تغيّر الحروب أوضاع النساء، يتركن بيوتهنّ مُرغمات نحو وجهة جديدة، مراحل صعبة من ضرورة التأقلم مع كل جديد. على النساء وحدهن ترتيب العبث، ارتجال عالمٍ موازٍ. لكن البعض وجدن في الجديد فرصةً للتغيير، تغيّر الزيُّ فجأةً بحُكم ضرورة الانتماء للمكان، خطوةٌ تحققت بسرعةٍ كانت تحتاج دهراً كاملاً، وعبرت بسلام. تغيير بسيط في الشكل لكنه أجمل وأكثر راحة.

فجأةً لمعت في ذهن سلمى فكرة قوية وحادّة، سترسل ابنتها لمتابعة التعلّم في المدرسة الثانوية، جفل الأب، راوغ، هدّد. بَنَت الأم والإبنة حلفاً غير قابل للاختراق، اتخذتا القرار مع تعهدات مطمئنة واسعة. ساهم غياب العائلة  الكبيرة بتمرير القرار بسهولة أكبر. واظبت الإبنة على الدراسة، وتجرأت سلمى على طلب المزيد، ستنخرط في مركز تعليمي لتقديم الشهادة الإعدادية، تبلكم الزوج، شعر بالخطر الشديد يعصف بسلطته المطلقة، للحظة بدا وكأنه وحيد وضعيف، رفض بشدّة، هدّد بالطلاق بجديةٍ واضحة. أما سلمى فقد ضاعفت من حزمها، فرشت أمام الزوج مساحة واسعة من التعهدات أيضاً؛ الالتزام بالعمل المنزلي، والحفاظ على حقوق الزوج للتمتّع بها كإمرأة يهمها إرضاؤه، والوعد بفرص عمل مع المعهد تساهم برفد العائلة بدخل أكبر والتخفيف من العبء المادي  المفروض على الزوج وحده.

استنجدت سلمى بكل متاعبها الطارئة لدعم قرارها، الوحدة، الوقت الطويل، ضرورة مساعدة الأطفال الصغار في الدراسة، ووافق الزوج مذعِناً.

احتفلت العائلة بعد عامين بحصول الأم سلمى على الشهادة الإعدادية وحصول ابنتها على الشهادة الثانوية.

هل يمكن تجميل الحرب؟

من المؤكّد أن الجواب هو لا حاسمة، لكنها فرصة للتغيير، تخلخل الثوابت، تعصف بالوقائع، تغيّر ردود الفعل، تكسر الصورة النمطية للحياة، تطيح بروابط مجتمعية واسعة ومركزية.

في الحرب؛ تواجه النساء الحرب وأنفسهنّ مباشرةً، تتعرّى وسائل الحماية المجتمعية وتصبح أضعف وأكثر هشاشةً، لم تعد فرص البقاء مرتبطة بالاختباء والحماية الجسدية المباشرة فقط، بل ترتبط باستثمار هذا الخروج الاضطراري نحو عوالم أشد قسوة لكنها أكثر انفتاحاً أيضاً، عوالم تفسح أمام النساء أبواب التمرّد على حيفٍ مقيم وظالم.

المواجهة حتى لو كانت بدافع الخوف هي فرصة للارتقاء وليست فقط للبقاء.

سلوى زكزك

دمشق 22 كانون الأول 2022

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

التغيير (المصدر: SyriaUntold)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015