سوريات تائهات في مجاهل الحرب
سيدتان سوريتان في مخيم للاجئين

اامرصد السوري لحقوق الانسان- تحت عنوان «تقدم الفتيات، تقدم نحو الأهداف… حركة عالمية لصالح المعطيات حول الفتيات»، احتُفِل في 11 الجاري باليوم العالمي للفتاة، الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 2012.

وتحمل هذه الدعوة نداء عاماً يحض على تجميع المُعطيات المُتعلّقة بالفتيات اللواتي يُمثلن 1,1 بليون من سكان العالم وتحليلها. وهنَّ جزء من جيل عالمي واسع لديه قدرات ومهارات إبداع غالباً ما يُعيقها التمييز والعنف وعدم تكافؤ الفرص الذي تُعاني منه هذه الفئة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قال في الاحتفالية الأولى للمناسبة: «اليوم العالمي للفتاة، يوم جديد يُحتفى به على الصعيد العالمي لتسليط الضوء على ‏أهمية تمكين الفتاة وضمان تمتُّعها بحقوق الإنسان.‏ إن الاستثمار في الفتاة واجبٌ أخلاقي، وعمل يقتضيه الحدّ الأدنى من العدل والمساواة. وهو إلى ‏ذلك التزام تنصُّ عليه اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضدَّ المرأة، كما أنه أمر بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، والنهوض بالنمو الاقتصادي، وبناء مجتمعات يسودها ‏السلام والوئام».

بين ما قاله بان كي مون حينذاك، وعنوان احتفالية العام الحالي، واقعٌ مأسوي، لا إنساني تعيشه فتيات سورية، أي منذ نشوب الحرب التي لا تزال مُستعرة، بل ويزداد أوارها يوماً بعد آخر. فيلتهم قبل كل شيء، إمكان الحياة بحدودها الدنيا لعموم أطفال سورية، وما خبروه من مختلف صنوف الوجع والقهر والخوف والتّشرّد والفقر والجوع والمرض، لا سيما الفتيات منهم، فقط لأنهنَّ إناث في مجتمع لا يزال رغم الحرب والدمار يأسرهن بقيود لا تُفرض على الذكور، لا بل جعل منهن سلعاً تجارية، تارة تحت مُسمّى الزواج، وتارة أخرى عبر تجارة الأعضاء البشرية، أو تشغيلهن في شبكات الدعارة الدولية (…).

فالمتابع الشارعَ السوري اليوم، لا يحتاج كبير عناء كي يرى فتيات – طفلات يفترشن الحدائق والشوارع والساحات، إمّا بحكم النزوح وعدم إيجاد مأوى، أو بسبب التسوّل، أو بيع العلكة ومسح السيارات، وغالباً ما تقودهنّ هذه الحال إلى سلوك طريق الدعارة سواء عبر وكلاء، أو منفردات. وهناك وجه آخر للمأساة، يتمثّل في زواج الطفلات الذي تفشّى في المجتمع في شكل لافت، حيث ترى أمهات لا يتجاوز عمر الواحدة منهن 15 سنة تحمل طفلاً على كتفها وآخر في أحشائها. وليس غريباً أن معظم هذه الزيجات يتمُّ خارج إطار المحاكم الشرعية لاعتبارات وأسباب عدة، أهمها خوف الشباب من الحضور إلى المحاكم كي لا يُساق إلى الخدمة العسكرية، أو أحياناً بحكم عدم امتلاك الأهل (النازحون أو المهجّرون) الوثائق الرسمية المطلوبة لتسجيل الزواج أو الأطفال لاحقاً.

وبالتالي، نكون في مواجهة ليس زواج غير مُسجّل في الدوائر الرسمية، بل وأبناء مكتومي القيد بحــكم هذا الزواج الذي سيجني الأطفال نتائجه الكارثية، إذ إنهم سيخسرون حقوقهم الإنسانية لأنهم سيقبعون في خانة الكتمان والحرمان من الجنسية، لا سيما أولئك الذين يولدون في مخيّمات لجوئهم ببلدان الجوار. فقد بلغت حالات تثبيت الزواج العرفي (وفق إحصاءات المحاكم الشرعية) نحو 60 ألف حالة، كما بلغت دعاوى إثبات النسب 80 في المئة. كما أننا أمام حالات لا تزال تقبع في خانة التعتيم، وهي حالات أطفال مجهولي النسب لجهة الأب، لأن الأم – الطفلة قد اغتُصبت أو تزوجت وحملت من دون أن يسجّل زواجها في السجلات الرسمية بشاب، إمّا أنه اختُطف أو اعتُقل أو قتُل أو هاجر. فإحداهن (مُغتصبة) لمّا عرفت بحملها هربت من أهلها كي لا يقتلوها، فأنجبت طفلاً لا تعرف اسم أبيه، والدوائر المختصة ترفض تسجيله على اسم الأم لأن القانون لا يسمح بهذا. إنها حالات سرية وخاصة عرفنا بها من مراكز مُختصة بإيواء مُعنّفات.

وقد أفاد القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي بأن قضايا النسب هي خط أحمر، ولا يمكن التعدّي على قانون الأحوال الشخصية، إذ إن حقوق الأولاد محفوظة ضمن إطار قانون الأحوال الشخصية الحالي وفقاً للقاعدة الشرعية الإسلامية، وهي الولد للفراش (الفراش هو فراش الزوجية الناتج من عقد زواج صحيح).

كما لا يمكننا تجاهل ما أصاب سوريات في مخيّمات اللجوء في دول الجوار. فقد سجّلت مؤسسات حقوقية أردنية هذا العام زواج 750 سورية قاصراً بمواطنين من جنسيات مختلفة، معظمهم سوريون. وصرّحت مكرم عودة الرئيسة التنفيذية لاتحاد المرأة في الأردن، بأن الزواج بقاصرات سوريات في الأردن ارتفع في شكل كبير خلال عامي 2014 – 2015، مؤكّدة أن بعض الأسر تتفق مع الزوج على أن يكون الزواج موقتاً، لتبحث الأسرة عن زواج آخر طمعاً بالمال.

ولا يفوتنا إغفال مسألة ارتفاع نسب التسرّب المدرسي أو الحرمان من التعليم، لا سيما للفتيات خلال الحرب السورية، بسبب التهجير والنزوح، فضلاً عن عدم رغبة الأهل بإرسال بناتهم إلى مدارس المناطق التي لجأوا إليها خوفاً من أي طارئ، أو أنهم يعتمدون عليهن في تأمين مصروف العائلة. يُضاف إلى هذا الخوف عدم وعي الأهل بالمأساة التي يُلحقونها ببناتهن اللواتي سيُصبحن يوماً أمهات مسؤولات عن تربية أطفال وسط فراغ من الجهل والأمية، لتتكرر المأساة وتستمر جيلاً بعد آخر.

لا شك في أن أولى الخطوات والأهداف المطلوبة لدعم الفتيات السوريات هي وقف الحرب، والعمل على إعادتهن إلى مناطقهن ومدارسهن، لوقف مختلف أشكال العنف الذي تعرّضن ويتعرّضن له، إضافة إلى وضع بيانات وحقائق جديدة ناتجة من آثار الحرب التي وقعت ضحيتها مراهقات كثيرات.

عندئذ فقط يُصبح العمل لتقويم مختلف أهداف التنمية المستدامة وفق عنوان احتفالية الأمم المتحدة للعام الحالي، قابلاً للتحقيق في ما يتعلق بالفتيات السوريات خصوصاً، والمجتمع برمته عموماً.

سيدتان سوريتان في مخيم للاجئين

سيدتان سوريتان في مخيم للاجئين

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015