شادية حبال عالمة سورية تكتشف أسرار نجمنا القريب
شادية حبال؛ سيدة الشمس التي تبحث عن كون بلا ألغاز

جريدة (العرب) اللندنية- “كنت أنظر من نافذة غرفتي إلى السماء، وأفكر في أنه ليس من المعقول أن ينتهي العالم عندها، ولا بد من وجود أشياء خلفها تحتاج إلى أن نتعرف عليها”. كانت هذه هي الأفكار التي تراود عقل العالمة السورية شادية رفاعي حبال في صغرها، قبل أن يقودها القدر والشغف المعرفي إلى أن تصبح إحدى أبرز العالمات في مجال الفيزياء الفلكية.

المعهد العربي الأميركي صنّف حبال في شهر مارس الماضي كإحدى أكثر النساء تأثيرا في مجالها العلمي. فقدرات هذه العالمة رشحتها إلى أن تصل كإحدى النساء القلائل في هذا المجال إلى عضوية كل من “الجمعية الفلكية الأميركية”، “الجمعية الأميركية للفيزياء الأرضية”، “جمعية الفيزيائيين الأميركيين”، “الجمعية الأوروبية للفيزياء الأرضية”، “الاتحاد الدولي للفلكيين” ودرجة الزمالة في “الجمعية الملكية للفلكيين”، مدونة اسمها في قائمة أهم الباحثين في ماهية الرياح الشمسية التي حيرت العلماء لزمن طويل، لكن ذلك كان قبل أن تضع هذه العالمة العربية بصمتها في هذا المجال، داحضة الكثير من الافتراضات السابقة في ما يتعلق بالرياح الشمسية وسرعتها.

رحلة إلى البعيد

في مدينة دمشق عام 1948 ولدت حبال، وهي ابنة عالم النفس السوري نعيم الرفاعي، لتنشأ كما تقول، في أسرة متعلمة مثقفة، تحب العلم وتعتبره أولوية في بناء أفرادها، وليكون حبها لقصة حياة عالمة الفيزياء البولندية الفرنسية ماري كوري التي قرأتها في سن الثانية عشرة، بداية الطريق لتعلقها بالفيزياء، قبل أن تبدأ دراستها الفعلية لها في جامعة دمشق، حيث نالت شهادة البكالوريوس في علوم الفيزياء والرياضيات بداية سبعينات القرن الماضي.

انتقلت حبال بعد ذلك إلى دراسة الماجستير في الفيزياء النووية بالجامعة الأميركية في بيروت، إلا أن الأحداث التي عصفت في العاصمة اللبنانية قبيل الحرب الأهلية اللبنانية، أدت إلى توقف دراستها قبل أن يحملها الحظ إلى أوهايو الأميركية بعد نصيحة أحد المدرسين لها، بأن تتقدم إلى قسم الفيزياء في جامعة سينسيناتي وتجرب حظها في القبول هي وزوجها فواز حبال.

نجحت في الالتحاق بتلك الجامعة سنة 1977 ونالت شهادة الدكتوراه في الفيزياء، منطلقة في مسيرتها العلمية الممتدة حتى الآن بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حياة علمية حافلة بالعديد من الشهادات والمؤهلات خلال نحو أربعين عاما.

أنجزت حبال العديد من الأبحاث والدراسات خلال سنوات عملها كباحثة في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر بداية، ثم باحثة في مركز فيزياء الفضاء التابع لجامعة هارفارد. حصلت على كرسي الأستاذية في جامعة ويلز، وأصبحت محررة مجلة البحوث الجيوفيزيائية في قسم الفضاء، فضلا عن ترؤسها للعديد من الرحلات البحثية لرصد عملية كسوف الشمس بهدف دراسة الهالة الشمسية، كما كان لها دور مهم في التحضير لرحلة مسبار شمسي لوكالة ناسا، والذي يعد المركبة الفضائية الأولى التي تدور داخل هالة الشمس وتقترب منها.

مع يوليسيس وغاليليو

من خلال إبحارها في هالة الشمس قدمت حبال نحو 60 ورقة بحثية في هذا المجال قبل أن تصل إلى قيادة الحركة الأكاديمية النسوية العلمية “النساء المغامرات” التي ضمت جمهرة من النساء الأكاديميات حول العالم.

لعل هذا اللقب “سيدة الشمس“ أحد أكثر الألقاب الملائمة لحبال، كيف لا، وهي التي ظلت مشغولة بالبحث عن الرياح الشمسية وماهيتها. ظاهرة حيرت العلماء الذين افترضوا أن هناك نوعين من الرياح التي تنطلق من الشمس أحدهما بسرعة 800 كيلومتر في الثانية، والأخرى بطيئة ثقيلة الحركة تأتي من المنطقة الاستوائية للشمس.

إلا أن حبال التي استمرت تجاربها وأبحاثها سنوات طويلة، والتي استخدمت خلالها حالة الكسوف الكلي للشمس، تقول إن الكسوف هو الوضعية الوحيدة التي تساعد على البحث في هالة الشمس ومعرفة حركة رياحها وسرعتها، حيث أثبتت، بعد العشرات من التجارب التي اعتمدت فيها على الكسوف الطبيعي ومحاكاة الكسوف بأدوات مبتكرة بشريا، أن تلك الافتراضات التي وضعها العلماء لم تكن صحيحة.

حسب حبال، مكونات الرياح الشمسية، تأتي من كل مكان في سطح الشمس وتعتمد سرعتها على مغناطيسية المناطق التي قدمت منها، وقد أكدت المركبات الفضائية التي تولت رصد الشمس صحة ما أثبتته حبال، مثل تلك التي أرسلتها وكالة الفضاء الأوروبية “يوليسيس” و“غاليليو”، فضلاً عن سفن الفضاء العاملة في مشروع “راصد الشمس” التابع لوكالة ناسا.

عمل حبال يحمل جانباً كبيراً من الإثارة لمتابعيه، فقد كانت كما تؤكّد، بحاجة لنحو عشر سنوات لكي تجمع ساعة واحدة من البيانات حول الشمس مع فريق عملها الذي تنقل معها بين سوريا وليبيا وكينيا وزامبيا وجنوب أفريقيا وأستراليا، متحملة العديد من المصاعب التي كان أولها أحوال الطقس السيئة التي قد تعطل عملية الرصد خلال الكسوف، حيث قامت بدمج تلك البيانات التي حصلت عليها خلال هذه السنوات حاصلة على عملية كسوف مدهشة جدا، مؤكدة أن كل صورة لكسوف الشمس يمكن أن تقدم استكشافاً جديداً.

تقول إن دراستها لم تتوقف عند رياح الشمس، بل تناولت خلال بحوثها دراسة الطبيعة الدينامية للانبعاثات الشمسية في مناطق الطيف الراديوية والضوء المرئي والمنطقة القريبة من موجات الطيف تحت الحمراء وفوق البنفسجية وما يليها، ناهيك عن دراسة الرياح الشمسية الهادفة لتحديد العوامل الفيزيائية المسؤولة عن خواصها وكذلك دراسة سطح الشمس وامتدادات ما ينبعث منه إلى كواكب المجموعة الشمسية.

هرطقة مُؤَكَّدة

الذهول ما يزال يسيطر على متابعي اكتشافات حبال التي تثير الجدل في الأوساط العلمية، فالبعض يصفها بصاحبة الثورة العلمية، وبأن عملها خطوة عملاقة إلى الأمام، بينما وصل الأمر بالبعض إلى وصف ما توصلت إليه حبال بالهرطقة التي يصعب دحضها، بعد أن اكتشفت ما اكتشفته من أسرار الرياح الشمسية وصنعت اتجاها جديدا في فيزياء الشمس، فضلاً عن مساهمتها في تصميم العديد من الكائنات الآلية للاستكشافات الفضائية التي ساعدت في معرفة ماهية تلك الرياح التي اختصت بدراستها.

لقد كان الغموض يحيط بتلك الظواهر بشكل كامل قبل معرفة أن لهذه الرياح الشمسية الدور الأبرز في حماية الحياة في الأرض من الأشعة الكونية المهلكة. وكما يؤكد نايجل كالدر، رئيس التحرير السابق للمجلة العلمية البريطانية، كانت حبال أول من كشف عن أهم مفارقات الهالة الغامضة، وذلك في بحثها الذي نشرته عام 1995 وتوقعت فيه أن تكون البروتونات أشد سخونة بكثير من الإلكترونات في الهالة الداخلية للرياح الشمسية السريعة، ونظمت بالتعاون مع “مركز غودارد الفضائي” و“مختبر الدفع النفاث” التابعين لوكالة ناسا فرقاً جوّالة لرصد الهالة ميدانياً، وقادت هذه الفرق التي ضمّت علماء فيزىاء ومهندسين وطلاباً ساهموا في رصد الهالة خلال حوادث الكسوف في الهند وغواديلوب وعين ديوار في سوريا.

جمعت حبال خلال سنوات عمرها بين كونها زوجة وأمّا لولدين، الأمر الذي يتطلب منها الرعاية الكاملة لأسرتها، والعلم الذي احتاج منها الكثير من الوقت والتفرغ لأجل تحقيق الإنجاز المنشود. تقول إن الأمر لا يتم بسهولة، وأن الكثير من الصعاب تواجه الأم الأكاديمية، إلا أنها طالما اعتقدت أن المساندة الأسرية تلعب دورا مهما في دعم الأبناء المتعلمين لاجتياز مثل هذه الصعوبات، فضلا عن الثقة بالنفس التي يجب أن تتحلى بها الفتاة المتعلمة لأجل اجتياز أي نوع من العراقيل والصعوبات التي قد تواجه طريقها في التعليم ومتابعة الدراسة المتخصصة، وتعتقد أن الثقة وعدم الاستسلام هما أول مبادئ النجاح، كذلك فإن العالمة السورية لم تتخل عن موهبتها في عزف التشيلو وحضور الحفلات الموسيقية التي طالما أحبتها.

شخصية علمية فريدة

لم تغيّر الغربة الطويلة من طبيعة حبال التي طالما اشتاقت لوطنها ولم تتنكر له ولتقاليده وللغته يوما، حيث طالما أعلنت رغبتها بنقل علومها وتوظيفها في خدمة بلادها إلا أن أحلامها اصطدمت بواقع صعب، ففي العام 1977 عادت إلى سوريا وزارت قسم الفيزياء بجامعة دمشق، ثم عادت مرة أخرى في 1999 لتقابل وزيرة التعليم في ذلك الوقت وتعرض عليها أن يشارك بعض مدرسي قسم الفيزياء في أبحاثها، إلا أنهم وصلوا إلى عين ديوار متأخّرين، ما جعل من تعليمهم أمراً صعباً كما تؤكّد حبال.

وفي العام 2007 دُعِيَت مرة أخرى إلى دمشق التي كانت عاصمة الثقافة العربية في ذلك الوقت، وألقت محاضرة فيها قبل أن تجتمع بمسؤولي قسم الفيزياء في الجامعة وتعرض عليهم تطوير المناهج العلمية السورية إلا أن أحداً لم يستجب لعرضها.

وتعد الحرب في سوريا والتي خلفت الآلاف من الضحايا أحد أبرز الأسباب التي تمنع حبال من العودة إلى بلادها، حيث أكّدت مراراً أن فرصة العودة إلى دمشق التي وُلِدَت فيها باتت صعبة بعد أن غيّرت الحرب المعادلة كلها. وقد يكون السفر إلى الشمس وعوالمها أسهل على هذه المرأة من العودة إلى بلادها في مثل هذه الظروف.

تذكر مجلة “ساينس” الشهيرة الناطقة بلسان حال الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم، أنّ بحوث حبال أطاحت بالتصورات التي كانت سائدة من قبل عن مصدر رياح الشمس، مثنيةً على جهودها العلمية الجبّارة، وأن ما قدّمته ليس أقل من ثورة في مجال علوم فيزياء الشمس، في الوقت الذي حصلت فيه حبال على العديد من الجوائز والتكريمات مثل شهادة تقدير المركز الدولي لأبحاث الغلاف الجوي، وشهادة تقدير مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية، فضلاً عن جائزة الرواد من مؤسسة الفكر العربي والذي أقيم في مراكش عام 2004.

ويذكر جود جونسن وهو أحد المهندسين المرافقين لحبال في رحلاتها الاستكشافية، أنها شخصية علمية رائعة في ما يتعلق بإنجازها العلمي أو قدرتها على الحصول على التمويل اللازم للأبحاث، والذي تؤكّد حبال في الكثير من أحاديثها أنه يتم وفق شروط معينة وسط تنافسية شديدة بين الباحثين والعلماء.

أما غانثر هاسينجر مدير معهد علم الفلك في جامعة هاواي فيؤكّد في حديثه عن حبال أنه لأمر هام أن يكون رئيس طاقم التدريس وقائد الكلية امرأة، فهذا الأمر نادر للغاية في مثل هذه العلوم، مشيراً إلى أنّ كون حبال من الشرق الأوسط فهو أمر أكثر أهمية فهي قدوةٌ للأصل الذي انحدرت منه.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

شادية حبال؛ سيدة الشمس التي تبحث عن كون بلا ألغاز
شادية حبال؛ سيدة الشمس التي تبحث عن كون بلا ألغاز

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015