عندما يغتالون النساء بسيف التشريعات
حقوق النساء والتشريع

نون/مصر- “الآن حققت انتقامك”. تقولها نوال لزوجها “طاهر” بانكسار وأسى، وقد أدركت أن زوجها الذي يشغل منصبًا مهمًا في الدولة، استطاع استغلال سلطاته ببراعة في حرمانها من أبسط حقوقها في الحياة، في الطلاق وبدء صفحة جديدة بالزواج ممن تحب، وتربية ابنها “هاني”، أو حتى رؤيته، على الرغم أنها حقوق لم يمنحها لها بشر، بل كانت هبة من الله.

يبدو المشهد التراجيدي السابق من فيلم “نهر الحب”، والذي أُنتج عام 1960، مرشحًا لأن يصبح سيناريو حياة المرأة المصرية، ولكن مع بشائر عام 2017، أي بعد مرور 57 عامًا، والسبب هو الإعلان عن مشروع قانون لتعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي يسقط حق الأم في حضانة أطفالها في حال قرارها الزواج، ويمنح القانون هذا الحق للأب وزوجته.
“شيء مهين للنساء، خصوصًا مع إعلان الحكومة أن عام 2017 هو عام الاحتفاء بالمرأة وحقوقها، ويعبر عن النظرة الحقيقية التي يرى بها المجتمع المرأة، وهي نظرة فيها تمييز وعنصرية، فالقانون الجديد مشكلته أنه لا يكتفي بسلب حق المرأة في الحضانة، بل يسمح للرجل بالزواج من أخرى بعد الطلاق، ولكنه يمنع هذا الحق عن المرأة، وكأنها مواطن من الدرجة الثانية”. انتصار السعيد رئيس مركز القاهرة للتنمية.
***
لا يبدو القانون منصفًا للمرأة، بل قاتلاً لأحلامها في مجتمع يمكن أن يأتي في صفها ولو لمرة واحدة، فإلى جانب ما تتعرض له المرأة من ضغوط يومية في الشارع من تحرش ومضايقات أو في بيئة العمل من عدم مساواة بينها وبين زملائها من الرجال، أو حتى في البيت بتحمل إعالة أسرهن بالكامل بنسبة تصل إلى الثلث بحسب الإحصائيات، يأتي سلب حقها الأخير الذى سنَّه الله في الكون لها، وهو الأمومة، وحقها أن تربي أبناءها حتى تراهم سندًا لها.
“للأسف، من وضع هذا القانون لا يعلم طبيعة المرأة المصرية، فهي قد تتحمل أي شيء في سبيل أولادها، وفي مثال لذلك لسيدة تعاملنا معها في المركز، زوجها كان يضربها باستمرار لدرجة أصابتها بعاهة مستديمة، وأجرت أكثر من جراحة طبية بسببه، ولكنها ترفض اتخاذ أي إجراء قانوني أو طلب الطلاق من أجل أولادها، فالسيدات يضحين بأنفسهن طوال الوقت من أجل الأبناء، وتعديل القانون كان يجب أن يتم بحيث تُمنح الحضانة على حسب مصلحة الطفل”. انتصار السعيد رئيس مركز القاهرة للتنمية.
***
تبدو سخرية القدر أن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم رقم 25 لسنة 1929 والمضاف بالقانون 100 لسنة 1985 تقدمت به النائبة سهير الحادي، سيدة مصرية، تعيش واقع النساء، وتدرك حجم معاناة أي سيدة في الحصول على حقوقها، وكأن المجتمع يخرج لسانه للمرأة ويقول لها “انظرى من سلبك حقك، امرأة مثلك، من بنات جنسك، لم تقدر ظروفك، فهل سنقدرها نحن؟”.
” المشروع به شيء إيجابي، فهو أخيرًا سيجعل المرأة تدرك حقيقة الأمان الزائف الذي يضحك به المجتمع عليها، فحتى لو أصبحت تلك المرأة اللطيفة التي تقول “حاضر ونعم”، فحقها سيتم سلبه، وآخر هذه الحقوق -الحضانة- الذي يرى فيه نسبة من الرجال ورقة ضغط على المرأة لا أكثر من ذلك، لذا فالقانون بمثابة نقطة تحول حقيقية لكي تصبح المرأة المصرية واعية قوية تدافع عن حقوقها ولا تستسلم، ترفض الثقافة التي تسيطر عليها النظرة الدونية للنساء”. نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة.
***
لم تدرك النائبة سهير التي رفضت التراجع عن القانون، كما أكدت في أحد البرامج التليفزيونية، أن مشروعًا كهذا سوف يكون بداية لسلسلة جهنمية لسلب حقوق المرأة واحدًا تلو الآخر، بل أنه قد يصبح سببًا في العودة إلى عصر الحريم مرة أخرى، الذي ناضل قاسم أمين في بداية القرن العشرين من أجل القضاء عليه.
“الأمر هو أن هناك ثقافة عامة في المجتمع معادية للمرأة، في العادات والتقاليد أو السلوكيات، هي الثقافة التي تبرر العنف ضد المرأة، وترفض تعليمها، وتدفعها للزواج المبكر بحجة الدين، وإنجاب أكبر عدد من الأبناء، وإنجاب الذكر للزوج، وهذه الثقافة لن تتغير بالكلمات، بل بالتشريعات والقوانين والمحاكمات الحقيقية لأي من يعتدي على حقوق المرأة إنسانيًا وفكريًا وجسديًا”.دكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي.
إن حرمان المرأة من حقها في البدء في حياة جديدة كريمة معترف بها في المجتمع، والقضاء على شعورها بالأمان، بل ومصادرة إحساس الحب بداخلها، هي أقل نتائج هذا القانون الأعوج.
وقد يتسبب في لجوء بعضهن إلى التحايل على القانون بالزواج العرفي لضمان استمرار حضانة أطفالها.
كما أن القانون قد يتحول إلى سيف مُسلَّط على رقاب النساء المطلقات، فيتم استغلاله في إجبار الأم على التنازل عن حقوقها، بل والتنازل عن نفقة الأبناء أنفسهم من خلال ابتزازها بالبند الآخر في مشروع القانون وهو “حق الاستضافة”.
***
“بعد زواج كان نتيجته 3 أبناء حصل الطلاق، وساعتها طلقني وطلق أولاده، حتى النفقة اللي كانت 3 آلاف جنيه كان رافضًا لها، وسعى ليقللها لدرجة أنه حاول ترك عمله، ومرة تانية حاول يزوِّر في عقد العمل ويقدمه للمحكمة على أنه يقبض 3 آلاف وليس 20 ألفًا، بالذمة قانون إيه اللي يخلي الحضانة للأب بعد الأم”. نادية – ربة منزل عن حالتها كمطلقة.
يخلق هذا القانون مجتمعًا النساء فيه مطية، خائفات مرعوبات من قوانين صماء لا ترحم، ومشرعين قتلوا إنسانية المرأة بسيف تشريعاتهم، ورجال استغلوا قانونًا أعطاهم حقًا ليس لهم فصاروا جلادين، وخالق ينظر بعين حزن وعدم الرضا على شرع وضعه لجعل الناس سواسية، لكن رفضه بنو البشر.
حقوق النساء والتشريع

حقوق النساء والتشريع

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015