فاجعة “وئام ومريام” تهز السويداء.. “أمهات صغار” انتهت حياتهن بأربعة رصاصات
مؤشر السلام والأمن للمرأة/ ترتيب سوريا 2021

ضياء عودة/alhurra- كغيرهن من النساء اللواتي يرغبن بزيارة “بيت العائلة” بين الفترة والأخرى قصدت وئام يامن مسعود وأختها مريام، قبل أيام منزل والدهما في قرية صميد بريف السويداء الغربي، وعلى خلاف ما كانتا تفكران به كروحين على قيد الحياة رحّب بهما الأب بأربعة رصاصات قيل إنها “طائشة” تارة، وخرجتا من بيت النار “قضاء وقدرا” تارة أخرى.

تبلغ وئام من العمر 18 عاما وهي أم لطفل وطفلة، وشقيقتها مريام 16 عاما أم لطفل. الأولى تلقت رصاصة بالرأس والثانية 3 رصاصات أمام أعين أبنائهن الصغار، بحسب ما قال الصحفي ريان معروف والإخصائية الاجتماعية، بلقيس أمان، المطلعان على القضية لموقع “الحرة”، وأشارا إلى أن الأب مايزال حتى الآن متوارياً عن الأنظار. 

هذه الجريمة كانت قد هزت، في الأيام الماضية، محافظة السويداء الواقعة في أقصى الجنوب السوري، وأثارت تفاصيلها المروعة غضب السكان المحليين، والناشطات في حقوق المرأة. 

وعلى الرغم من أن رد الفعل ارتبط بجزء كبير بالطرف المنفذ لعملية القتل “بدم بارد” وهو الأب، إلا أن التفاصيل الأخرى “الحبيسة” التي تراكمت من عمر “وئام ومريام” لسنوات تراها ناشطات بأنها تشكّل “جرائم سابقة تؤسس لجريمة اليوم”. 

وبات من المعتاد على الأوساط السورية أن تشهد بشكل متواتر جريمة قتل تطال النساء هنا وهناك، فقبل “وئام ومريام” كانت جريمة قتل الشابة “آيات الرفاعي” قد هزت العاصمة دمشق. ولغيرها الكثير من ذات النصيب.

وقتلت آيات على يد زوجها وعمها وحماتها متأثرة بالضرب المبرح الذي تلقته، والسبب الوحيد هو أنها “لم تتذكر أين وضعت إبريق الماء الساخن لوالد زوجها ومفك البراغي!”.

وتعيد القصتان المفجعتان التنبيه لمخاطر تحيط بنساء معنفات في المجتمع السوري، تحكمهن قوانين ناقصة، ونظرة اجتماعية في بعض المجتمعات، أدت لتكميم أفواه الكثيرات.

ولم يجد السوري حتى الآن أية حواجز لردع هذه المخاطر المتزايدة بشدة، وبينما يرتبط القسم الأكبر منها بطبيعة هذا المجتمع، تتعلق بظروف الحرب التي تعيشها البلاد، منذ أكثر من عشر سنوات. 

لماذا قتلت وئام ومريام؟ 

في الوقت الذي يصدر فيه أي تعليق من وزارة الداخلية السورية ذكر صحفيون من محافظة السويداء لموقع “الحرة” أن السلطات باشرت التحقيقات لكشف ملابسات حادثة القتل.

ويقول ريان معروف الصحفي في شبكة “السويداء 24” إن المعلومات الأولية تشير إلى أن والد الفتاتين أطلق النار عليهما لأسباب مجهولة ثم توارى عن الأنظار، مضيفا: “هناك تحفظ من بعض أقارب الفتاتين بالإفصاح عن تفاصيل الجريمة، إذ اكتفى أحد أقارب العائلة بالقول إن الحادثة قضاء وقدر”.

ويضيف معروف أنه وبناء على المعلومات التي حصلوا عليها من الطبيب الشرعي وأطباء آخرين في المشفى الوطني بالسويداء، فإن “إحدى الضحيتين أصيبت بعدة رصاصات، ما ينفي فرضية القضاء القدر المزعومة”. 

“عائلة الفتاتين مصدومة من هول الجريمة، والتي لا تصنف ضمن قوائم جرائم الشرف، بسبب غياب أي خلافات مسبقة”.

ويتابع الصحفي السوري الذي تواصل مع أم “وئام ومريام” وزوج إحداهن: “القضية تحمل عدة أبعاد، أولا كون الفتاتين تم تزوجيهن بسن صغير، ومن ثم عانتا من العنف الأسري لفترات تزامنت مع انفصال الأب عن الأم”. 

ويوضح معروف: “الموضوع شائك والمشكلة عميقة. الفتاتان تزوجتا وهن قاصرات. هناك تفكك أسري في العائلة، وبعد انفصال الأم عن الأب اتجهت الأولى لتزوجيهن بسبب ظروف معيشية واقتصادية”. 

وفي بيان نشرته منظمة “اللوبي النسوي السوري” الثلاثاء قالت إن الجريمة المتعلقة بوئام ومريام “بدأت بتزويجهن بعمر مبكر (قاصرات)، ثم استكملت عبر قتلهما على يد الأب”.

وتضيف المديرة التنفيذية للمنظمة النسوية، ريما فليحان: “يتحمل مسؤولية هذه الجرائم إضافة للقاتل المجتمع والقانون والضابطة العدلية، والإعلام والنظام وقوى الأمر الواقع”.

ودعت فليحان إلى “الوقوف ضد العنف، وأن يكون هناك قوانين صارمة ضده، مع وجود منظومة حماية للنساء والفتيات في كل مناطق سوريا، بغض النظر عمن يحكمها كأمر واقع”. 

“ثلاثة جرائم” 

في تقرير لها في نوفمبر 2021 قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن “النزاع السوري المستمّر منذ أكثر من عشرة أعوام، ترك معاناة ستظلّ آثارها ملازمة للعديد من النساء، وخاصةً الفتيات اليافعات منهن”.

وأضاف التقرير الحقوقي أن النساء “يواجهنَ تحديات معقّدة على نحو متواصل، من شأنها أن تغير مجرى نموهنّ وحياتهنّ إلى الأبد، ولعلّ من أبرز تلك التحديات هو الزواج المبكّر والذي يعتبر ظاهرة قديمة في المجتمعات السورية، لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدّة ذلك النزاع”.

وطُرحت قضية زواج القاصرات، في كل محفل دولي ومحلي، كإحدى القضايا الشائكة التي تواجهها المجتمعات منذ زمن بعيد، حتى أصبح الحديث عنها روتينيا، ومملا في بعض الأحيان، وأصبحت معها الاستجابة لأي متغيرات تطرأ على زواج القاصرات شبه معدومة.

وكانت إحصائيات روتينية قد أثبتت في أوقات عدة ارتفاع وتيرة زواج القاصرات بين السوريين، وأيضا القاصرين. 

وينطبق ما سبق على حالة الفتاتين “وئام ومريام”، واللتان وقبل وفاتهما برصاصات الأب عانتا من ظروف التفكك الاجتماعي قبل تزويجهن وهن قاصرات، فضلا عن تعرضهن للعنف الأسري. 

بلقيس أمان أخصائية اجتماعية في “منصة أمان” توضح لموقع “الحرة” أنهم أجروا دراسة اجتماعية عقب الكشف عن جريمة الفتاتين.

واستهدفت هذه الدراسة نشأة الأب”، “حيث تبين أن الأب الذي يقوم بفعل بهذا الأمر هو حكما شخص غير سوي نفسيا. نحن تحققنا من هذا الشيء وعلمنا أنه نشأ في ظروف قاسية، وتم تزويجه بسن المراهقة”. 

وتقول أمان: “هذا الشيء ينم أن الأب ضحية تنشئة أسرية خاطئة، بالإضافة إلى أنه شخص غير متعلم ويقوم بأعمال حرة، وكانت هناك حالة فقر حتى بعد زواجه”. 

والأب والأم سبق وأن انفصلا، لتتجه الأم بنفسها بعد ذلك إلى تزويج “وئام ومريام” بسن صغيرة (زواج قاصرات).

وتضيف الأخصائية الاجتماعية: “بذلك لدينا حالة من التفكك الأسري نتيجة الطلاق، بينما لم تحصل الفتيات على حقهن في التعليم، وعلمنا أيضا أنهن تعرضن بصغرهن لتعنيف أسري من قبل الوالدين”. 

وتعنى “منصة أمان” بقضايا المرأة في محافظة السويداء، من تعنيف وتحرش وابتزاز، وتعمل على علاج هذه المشكلات على أرض الواقع من خلال أخصائيين اجتماعيين وقانونيين ونفسيين.

وقبل شهر طرحت المنصة “فكرة الخط الساخن أو المباشر”، وهو رقم للتواصل مع أي فتاة في حال تعرضها للابتزاز والتعنيف، على أن يتبع ذلك “تصرف سريع”. 

وهذا النوع من المنصات تتركز نشاطاته على “عامل السرية”، بحسب الأخصائية الاجتماعية، حيث تشير: “هناك توثيق للحالات ومتابعة على المدى البعيد لكل واحدة على حدى”. 

وترى أن “التفكك الأسري والعنف وتزويج الفتاتين بسن صغيرة” هي جرائم مرتكبة بحقهن، لكنها لا تمثل الأسباب المباشرة لجريمة القتل على يد الأب.

وزادت: “العوامل المذكورة تهيئ لوجود أب غير سوي نفسيا، ولديه حالة اعتلال على الصعيد النفسي”. 

“جريمة بحق الأطفال” 

وفي شهر أكتوبر الماضي، احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل “مؤشر السلام والأمن للمرأة” (WPS) الصادر عن معهد “جورجتاون للمرأة والسلام والأمن” ومركز “بريو للجندر والسلام والأمن” في الأمم المتحدة.

وحلّل المؤشر وضع المرأة في ثلاثة أبعاد، هي الإدماج (التعليم، الإدماج المالي، التوظيف، استخدام الهاتف المحمول، التمثيل البرلماني)، والعدالة (عدم وجود تمييز قانوني، الانحياز، القواعد التمييزية)، والأمن (عنف الشريك، سلامة المجتمع، العنف المنظم).

وبحسب المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالميا فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليميا فيما يتعلق بسلامة المجتمع.

في المقابل كانت “لجنة الإنقاذ الدولية” قد قالت في الشهر ذاته إن سوريا واحدة من “أصعب خمسة أماكن لتكبر فتاة فيها”.

وبالنظر إلى عنر وئام ومريم (16 & 18) يتضح أنهن لم تصلا إلى عمر الكبر، وبالتالي فإن جريمة القتل تكاد أن تكون فريدة عن تلك التي تم الكشف عنها خلال السنوات والأشهر الماضية. 

وهذه “الفرادة” ترتبط بالظروف الاجتماعية التي عاشتاها منذ الصغر، وصولا إلى تحولهن إلى أزواج وأمهات ولهن أطفال. 

وتعمل “منصة أمان” في الوقت الحالي، بحسب الأخصائية الاجتماعية فيها، بلقيس أمان على البحث عن طريق قانوني لرفع ادعاء ضد الأب القاتل، بسبب غياب أي تحرك من قبل العائلة.

وتشير إلى نقطة أساسية تتعلق بالأطفال الذين شاهدوا الجريمة بأعينهم، موضحة: “يجب أن يتابعوا نفسيا واجتماعيا داخل الوسط الذي يعيشون فيه. لدينا أخصائيين قانونيين يتابعون الموضوع من أجل ألا تنسى القضية”. 

وكتب الكاتب والصحفي السوري، ماهر شرف الدين عبر “تويتر” أن القول بأن الأب “قتل ابنتَيْه بالسلاح وهو تحت تأثير المخدّرات -حتى لو كان ذلك صحيحا- لا يكفي للتعمية على الحقيقة المأساوية المتعلّقة باستضعاف المرأة في مجتمعنا، واستهانة قتلها لأتفه الأسباب”.

وأضاف: “اليوم، هذا المجرم الذي قتل ابنتيه مختبئٌ (عند أحدهم بالتأكيد) وعائلته تتكتَّم على تفاصيل ما حدث، وكأن الفتاتين المسكينتين دجاجتان ذُبحتا وانتهى الأمر!”.

من جانبه اعتبر الحقوقي السوري، ميشيل شماس أن “المسؤولية أولا تقع على القوانين والمشرّعين لهذه القوانين والمطبقين لها، وكما يتحمل الإعلام ومسؤولي المناهج الدراسية المسؤولية في هذه الجرائم، وأخيرا الثقافة المجتمعية”.

وتساءل شماس في منشور عبر “فيس بوك” الأربعاء: “لماذا لا يتم إصدار قانون خاص لمناهضة العنف الأسري، ولماذا لا يتم تشديد عقوبة الضرب المفضي للموت إذا وقعت الجريمة ضمن الأسرة وتعديل المادة 546 من قانون العقوبات؟”.

مؤشر السلام والأمن للمرأة/ ترتيب سوريا 2021

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015