فيروس كورونا: المساواة في الأجر بين الجنسين تبدو أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى
Illustration: MAKERS/Nathalie Gonzalez

feministconsciousnessrevolution- لا يقتصر ظلم المرأة المجتمعات الأبوية على العنف الجسدي والمعنوي فقط، بل يمتد إلى العنف الاقتصادي، خاصةً عندما يتعلّق الأمر بالتمييز في رواتب العمل بين الرجل والمرأة اللذين يعملان في المهنة نفسها، وهذا يعود لطبيعة تعامل الرأسمالية مع قوى العمل النسائية كيد عاملة رخيصة.

ومع زيادة العبء على النساء لاحتواء أزمة كورونا في أماكن العمل و المنزل، يأتي وباء فيروس كورونا ليضع بالفعل ضغطاً إضافياً وتجليّاً أكبر لمظاهر عدم المساواة القائمة في المجتمعات العربية والمقرّرة وفقاً لقوانين تعاقب النساء على طبيعتهن الأنثوية وتربطهن بالهشاشة والنقص. هذه الفجوة تأتي متعلّقةً بأي شيء آخر عدى الكفاءة المهنية والجد والتفوّق.

تشكّل النساء -تقريباً- نصف القوى العاملة في المجتمعات العربية – ومع ذلك عليها العمل – حتى اليوم- لأكثر من سنة لكسب نصف ما يكسبه الرجل خلال عامٍ كامل.

في التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الصادر عن سنتي 2018/ 2019، تحتل منطقة -الشرق الأوسط و شمال أفريقيا- مراتب متدنية عالمياً في المساواة بين الجنسين في الأجور، يشير نفس التقرير أنّ الفجوة تضيق بشكل أكبر أيضاً عند الفرص والمنح والتسهيلات الاقتصادية المُقَدَّمة من طرف الحكومات العربية، حيث تشكّل الفرص المالية الممنوحة للرجال ثلاث أضعاف تلك الممنوحة للنساء في منطقة -الشرق الأوسط و شمال أفريقيا-، أما الشريحة الضيّقة العاملة من النساء فيتركّز عملهن في الأنشطة الضعيفة والمتوسطة الأجر، بالإضافة إلى تحمّلهن شؤون الرعاية الأسرية بدون مقابل.

بحسب مؤشر الرواتب العالمي 2018، تتقاضى النساء في موريتانيا 43% من راتب الرجال، وفي السعودية 56%، وفي المغرب 57%، وفي الجزائر 58%، وفي لبنان 61%، وفي اليمن 65%، وفي الكويت 66%، وفي الأردن 68%، وفي البحرين 69%. أما في الإمارات، فتتقاضى النساء 74% من راتب الرجال، مقابل 77% في مصر وقطر، و79% في عمان.

ولا يمكن تحليل الفجوة في الأجور من دون النظر إليها من زاوية الرأسمالية والنظام الأبوي المؤسَّس على قيم الطبقية والتفاوت، والمبرَّرة بالأفكار الدينية والاجتماعية الذكورية التي ترسّخ التراتبية بناءاً على التقسيم الجندري للأدوار، الذي رجّح الكفة حتى داخل الطبقات العمالية المسحوقة لصالح الرجال. كما أنّ هذه القيم الذكورية ساهمت في تقليص فرص ولوج النساء للعمل تماماً كما أثّرت على فرصهنّ داخله.

وقد ساهم إسناد النظام الأبوي والرأسمالي مهام الرعاية المجانية للأسرة وكبار السن داخل المنزل للنساء وتصوير الرجل كالمعيل الأساسي للأسرة، في جعل عرق المرأة وجهدها في جميع قطاعات العمل غير مرئي أو مقدّر وأقل من جهد الرجل.

ففرض العمل الرعائي المجاني على المرأة وتخفيض أجرها في العمل، يصبّ بدون شك في مصلحة رأس المال الذي يستغلّ هذا الإقصاء والتمييز في عملية نموّه، والحفاظ على مظاهر الطبقية التي تستند بشكل أو بآخر على التراتبية داخل الأسرة وبين الجنسين.

الخطر يتضاعف على النساء المنتسبات لقطاع الرعاية الصحية:

تأتي جائحة فيروس كورونا لتكشف عن التفاوت الاقتصادي المؤلم في معظم الدول العربية. بعض العمال هم بالفعل قادرون على العمل من المنزل، ودفع تكاليف رعاية الأطفال وتخزين الطعام وتوفير الإمدادات الاحتياطية اللازمة والحصول على تأمين صحي وتغطية مادية آمنة. لكن البعض الآخر وبنسب كبيرة ممن يشكّلون الطبقة العمالية والفقيرة، فقد تمّ تسريحهم/ن مؤخراً من وظائفهم/ن ذات الأجر المنخفض تطبيقاً لسياسة التباعد الاجتماعي أو تقشّفاً خوفاً من مخاطر الكساد الاقتصادي.

النساء هنّ بشكلٍ غير متناسب يشكّلن نسبة كبيرة من هؤلاء العمال الموجودين/ات في القاع وممن تمّ التخلي عنهم/ن بشكلٍ جائر وغير قانوني، هذا التسريح لا يؤثّر على العاملات بشكل استثنائي بل يمتد ليؤثّر على حياة الكثير من العائلات، لأنّ النساء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يشكّلن نصف القوى العاملة وأحياناً كثيرة تكون المرأة المعيلة –الوحيدة أو المشتركة في نصف العائلات التي لديها أطفال.

تخاطر النساء العاملات وخاصةً -المنتسبات للقطاع الصحي- بحياتهنّ بسبب تواجدهنّ في الخطوط الأمامية داخل المستشفيات، ولأنهنّ في الغالب هنّ الممرضات وعاملات التنظيف والمسؤولات عن الغسيل في العيادات، والقائمات بمهام الرعاية غير المأجورة.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ النساء في المنطقة العربية يشكّلن غالبية العاملين في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية بنسبة 70% من بين 104 دول حلَّلت بياناتها المنظمة، هذه الكثافة و التركيز العمالي يضعهنّ في مواجهة الإصابة بالفيروس الحالي. حيث تتم الاستعانة بهنّ بشكل أكبر من العمال الرجال خاصةً عند تقديم الرعاية المباشرة للمرضى، ورغم هذه الاستعانة المكثّفة والمهدّدة للحياة خلال الكوارث والظروف العالمية القاهرة، كان ولا يزال دخل النساء أقلّ من الرجال بنسبة 11% في المجال ذاته.

حسب إحصائياتٍ أخرى للمركز الدولي للأمراض المُعْدِيَة، فإن أغلب منتسبي قطاع التمريض في العالم من النساء، بنسبةٍ تشكّل 87%، مما يضعهنّ في مواجهة خطرٍ أكبر؛ حيث مستويات تعرّض الممرضات للفيروس “أعلى من الأطباء”، لأنهنّ أكثر مشاركةً في الرعاية الحميمة للمرضى، هنّ اللواتي يسحبن الدم ويجمعن العيّنات ويكنّ في خط التماس عند التعامل مع المصابين، بالإضافة إلى دورهِنّ في إرشاد المريض وأفراد عائلته وتعليمهم أساليب الوقاية من العدوى، و تدريب الفئات الأخرى من هيئة التمريض لمواجهة التدفّق الكبير للمصابين.

وزيادةً لمستوى الخطورة؛ أغلب الممرضات في المنطقة لا تتوفّر لديهنّ معدات حماية شخصية كافية. كما أن أغلب الكمّامات المستوردة من الصين لا تناسب حجم وجوهِهنّ، لأنها مصمَّمة في الأصل لتُناسب وجوه الرجال. هذه الملاحظة أكّدت عليها أغلب الدول التي استوردت معدات طبيّة من الصين.

تأثير الجائحة يمسُّ أيضاً وبشكلٍ أخطر النساء الأمهات العاملات في المجال الصحي، فهناك معاناة أخرى تنتظرهنّ نتيجة إغلاق المدارس، وهي عدم مقدرتهنّ على الحصول على إجازة للعناية بأطفالهن، وغالباً يتم تهديدهنّ بالطرد أو الاستبدال في حال أصرّينَ على الحصول على إجازة مؤقتة للتعامل مع مخلّفات الأزمة في سياسة دنيئة تُعاقب النساء على أمومتهن.

لتفشي المرض تأثيرٌ اقتصادي سلبي آخر على النساء اللاتي يشكّلن مجموعة كبيرة من العاملين بدوام جزئي والعاملين غير الرسميين في جميع القطاعات الاقتصادية الغير مُهَيكَلة، فنحن نعلم أنّ هذه الأنواع من الوظائف هي أول ما يتم التخلي عنها خلال الأزمات و الكوارث. وفقاً للإحصائيات الأخيرة لمنظمة العمل الدولية تشكّل النساء عدداً كبيراً من العاملين بغير عقد، مما يعرّضهنّ للتسريح المباشر وقت الأزمة، كما أن النصف الآخر يشغلن وظائف بعقود، ولكن بضماناتٍ شبه معدومة.

يظهر مما سبق أنّ كارثة الكورونا وإن كانت قد أثّرت بالفعل على معظم الطبقات المسحوقة اقتصادياً، وأظهرت هشاشة القطاع الصحي وتأثير السياسات الاقتصادية الرأسمالية على الفئات العريضة من الشعوب حول العالم، إلا أنّ نتائجها ستكون كارثية بشكلٍ مضاعف على النساء؛ نتيجةً لتفاوت الأجور وتهميش جهدهنّ في معظم الوظائف وغياب صروح نقابية قوية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تتعرّض المرأة العاملة للكثير من التمييز في بيئة العمل لا يقتصر على مصادرة حقّها في الأجر المتساوي لقاء الوظيفة نفسها، بل يمتد لسلبها العديد من الحقوق الوظيفية وتعريضها للعنف الجنسي وللمخاطر.

لذلك تصبح العدالة الاقتصادية والاجتماعية مطلباً ملحّاً الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.

Illustration: MAKERS/Nathalie Gonzalez

Illustration: MAKERS/Nathalie Gonzalez 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015