قوانين الأحوال الشخصية السورية بين التعديل والإلغاء
في قانون الأحوال الشخصية السوري

رهادة عبدوش/ swnsyria- كثيرةُ هي محاولات تعديل قوانين الأحوال الشخصية السورية لجعلها ملائمةً للقوانين المدنية تارةً ولإتفاقيات حقوق الإنسان وإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإتفاقية حقوق الطفل تارةً أخرى.

وجميع تلك المحاولات كانت تقف عند نقطةٍ لا يمكن تجاوزها لتعارضها مع الفقه الإسلامي الذي هو مصدر أساسي في التشريع في معظم دساتير الجمهورية العربية السورية، وتعارضها مع النظام العام الذي يستقي منظومته من العادات والتقاليد والدين.

جولة تاريخية في تعديلات قوانين الأحوال الشخصية

حاولت حكومة جميل مردم عام 1938 وبناءً على اقتراح المفوض الفرنسي السامي غابرييل بيو تمرير قانون للأحوال الشخصية يستند على القوانين الوضعية في أحوال الإرث والزواج والطلاق ويساوي بين السوريين، فاحتجّ مفتي البلاد وجمعية علماء دمشق، ما أدى بالمفوّض الفرنسي إلى ايقاف العمل بالقانون وأعاد إخضاع المسلمين لمجلة الأحكام العدلية والتي صدرت عام 1867 خلال عهد السلطان عبد العزيز الأول، وبقي العمل بحسب هذه المجلة حتى عام 1949، حين وضع قانون للأحوال الشخصية مستوحى من الشريعة ومقتبس من القانونين الفرنسي والمصري، كما نُظّمت شؤون الطائفة الدرزية بقانون أحوال شخصية موافق لأحكامها.

وهو ما يعمل به إلى يومنا هذا مع تعديلات سنذكرها لاحقاً.

وكما هو معروف فإن مجلة الأحكام العدلية قد وضعتها لجنة من العلماء في الدولة العثمانية، وهي عبارة عن قانون مدني مستمد من الفقه بحسب المذهب الحنفي، وهو مصدر رئيسي في التشريع في سورية، وهنا نذكر أن التحفّظات التي وُضِعَت على اتفاقية السيداو وعلى اتفاقية حقوق الطفل كانت بسبب تعارضها مع الفقه الإسلامي وبالتالي النظام العام في سورية.

عرض موجز لتعديلات قوانين الأحوال الشخصية السورية:

تمّ تعديل قانون الأحوال الشخصية الإسلامي ثلاث مرّات الأول عام 1973، وجاء فيه على سبيل المثال:

  • التقييد على تعدّد الزوجات بوجود المسوّغ الشرعي.
  • يسقط حقّ الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها.
  • تنتهي مدة الحضانة بإكمال “الغلام التاسعة من عمره والبنت الحادية عشرة”، وذلك بعد أن كانت مدّة الحضانة سبع سنوات للصبي وتسع سنوات للبنت.

والتعديل الثاني عام 2003:

  • تم زيادة فترة حضانة الأم لأطفالها، التي نصّت على أن مدة حضانة الأم تنتهي حين بلوغ الغلام سن الـ 13 والبنت سن الـ 15 من عمرها، وللأم أن تطلب من القاضي تسليمها طفلها أو طفلتها دون الحاجة إلى رفع دعوى قضائية.

والتعديل في القانون رقم 4 لعام 2019:

  • وحدة الدين بين الحاضن والمحضون بعد عمر الخمس سنوات إن كانت الحاضنة غير الأم ، أما إن كانت الأم فيمكنها حضانته على ألا تربيه بتربية مختلفة .
  • رفع سن الحضانة للذكر ليصبح للذكر والأنثى 15 عاماً لكن القانون غيّر مجرى الحاضنة ليصبح الأم ثم الأب ثم أم الأم ثم أم الأب وهكذا بدلاً عن أن يصبح مفهوم الحضانة متعلقاً بمصلحة الطفل الفضلى وليس بحسب جنس الوالدين.
  • وبدل من منع الطلاق بالإرادة المنفردة اكتفت بالتخفيف من الشروط التعجيزية للتعويض في الطلاق التعسفي ليصبح هنالك شرط وحيد للتعويض هو التعسّف .
  • وبدلاً من إعطاء المرأة والرجل حقاً متساوياً في الولاية والوصاية جاء التعديل فقط بمنع سفر الأولاد مع أحد الأبوين دون موافقة الآخر في حال قيام العلاقة الزوجية أو في حال الإنفصال وهذا تعديل جيد لكنه غير كافٍ.

بالنسبة لسن الزواج بالرغم من أنّه رفع سنّ الزواج إلى 17 للبنت و 18 للصبي إلاً انّه أبقى على السلطة التقديرية للقاضي في زواج الطفل أو الطفلة بعمر الـ 15 عاماً. وشدّد في عقوبة الشيخ الذي يزوّج خارج المحكمة.

النقطة المهمّة برأيي هي في تعديل المادة /1/ التي عرّفت الزواج بأنه  “عقد بين رجل وامرأة يحل كل منهما للآخر شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”.

(في القانون القديم كان يعرّف عقد الزواج بأنّه عقد نكاح) لم يتم التطرق في أي تعديل  إلى  بيت الحاضنة أو الزيادة والتي هي حالياً 8 آلاف ليرة سورية بالشهر يدفعها الولي (الأب / الجد/العم) كحد أدنى أي (8 دولارات حالياً)، أو صندوق النفقة (مشروع تم العمل عليه لكنه لم ينفّذ).

بالنسبة للقانون الدرزي آخر تعديل عام 1959 ويوجد محكمة مذهبية خاصّة بالطائفة الدرزية.

بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية المسيحية:

أولاً- القانون رقم 31 عام 2006 للطوائف الكاثوليكية

  • كان قانوناً مميزاً من حيث المساواة بالارث والمساواة بالوصاية والولاية والتبني.

لكن تمّ التوقف عن العمل بمعظم ماجاء به ولم يبقى إلا المساواة بالإرث وذلك لأنه يخالف النظام العام فالنظام العام لا يمكن أن يخرج عن الفقه الاسلامي وبالتالي لا يمكن تطبيق التبني، ولا يمكن تطبيق المساواة بين الذكور والإناث بما يخص الوصاية والولاية على الأولاد.

ثانياً-  القانون رقم 7 عام 2012 للطوائف الارثوذكسية:

  • المساواة في الإرث وحقّ الوصية.

كل ما يتعلّق بالوصاية والولاية والقوامة والحضانة والنفقة لها مرجعية واحدة هي الفقه الإسلامي لا يمكن تجاوزه.

أي مثلاُ (عندما تعطي المحكمة الروحية الحقّ لامرأة بالوصاية على إبنها القاصر يجب أن يتنازل الأب أو الجد لأب ولا يحقّ للمحكمة الروحية البتّ بهذا الموضوع رغم أنها فعلت ذلك، لكن كان العميم واضحاً إلى المحاكم الروحية بأنه لا يحقّ لها القرار بالوصاية لأن القاضي الشرعي هو ولي من لا ولي له وللمحكمة الشرعية فقط تعيين الأوصياء).

النفقة تحسب بحسب قانون الأحوال الشخصية الإسلامي ويكون التنفيذ من خلال غرفة التنفيذ الشرعي، هي التي تصدر منع السفر وتطالب الزوج وتلاحقه، حيث لا سلطة للمحاكم الروحية التي عليها مآخذ كثيرة أهمها أنها في الكنائس وأنّ رئيس المحكمة الروحية هو كاهن وليس قاضي، ويحكم رئيس المحكمة بمزاجية مطلقة.

الإلغاء وليس التعديل

لا يمكن تعديل قانون الأحوال الشخصية بأن يصبح ملائماً للاتفاقيات الدولية ولمنظومة حقوق الإنسان لأنّه في الدين لا يجوز تحريم ما حلّل الله، أي لا يمكن إلغاء تعدّد الزوجات، ولا يمكن تجاوز شرع الله، أي لا تجوز المساواة بالإرث بين الذكور والإناث، ولا يمكن اعتبار شهادة المرأة معادلة لشهادة الرجل في القضايا الشرعية، لا بل لا يمكن أن تُعادل شهادة كلّ نساء الأرض شهادة رجلٍ واحد؛ لأنه لكي تكون الشهادة صحيحة بحسب الشريعة الإسلامية يجب أن يكون الشهود رجلين أو رجل وامرأتين ولا يمكن الاستعاضة أبداً عن الرجل في الشهادة ولو بمليون امرأة.

ولا يمكن للمرأة تزويج نفسها دون ولي رغم التعديل الذي طرأ عام 2019 وقال بأنه يجوز للقاضي تزويجها، إن لم يرى مبرراً لعدم موافقة الولي.

ولا يجوز تزويج مسيحي من مسلمة دون أن يشهر إسلامه، ولا يمكن تزويج الدرزي أو الدرزية من مسلم دون إشهار الإسلام، ولا يمكن أن يختار الأبناء دينهم عند بلوغ الثمانية عشر من العمر في حال إختلاف دين الأبوين.

كثيرةٌ هي النقاط التي لا يمكن تحقيقها في ظلّ قوانين تقوم على الدين؛ لذلك التعديل لن يفي بتحقيق مطلب المساواة والعدالة، ولا بدّ من إقرار الزواج المدني أو قانون أُسرة عصري يقوم على فصل الدين عن الدولة، وبالتالي إلغاء المادة الثالثة من الدستور التي تقول:

1- دين رئيس الجمهورية الإسلام.

2- الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.

3- تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يُخِلَّ ذلك بالنظام العام.

4- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.

كي تتحقق المادة الثالثة والثلاثون التي تقول في الفقرة الثالثة: “3- المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.”

معلومات عامة:

لمسيحي سوريا خمسة أنظمة قانونيّة مختصة بالأحوال الشخصيّة للطوائف المسيحيّة وهذه المحاكم هي التّالية:

  • قانون الأحوال الشخصيّة للروم الأرثوذكس.
  • قانون الأحوال الشخصيّة للطّوائف الكاثوليكيّة.
  • قانون الأرمن الأرثوذكس.
  • قانون الأحوال الشخصيّة للسريان الأرثوذكس.
  • قانون الأحوال الشخصيّة للمحاكم المذهبيّة الإنجيليّة.

يوجد أيضاً قانون ومحكمة مذهبية للطائفة الدرزية

قانون خاص للطوائف الموسوية.

محكمة شرعية لجميع الطوائف الاسلامية (شيعة، سنة، علويين، اسماعيليين). 

في قانون الأحوال الشخصية السوري

في قانون الأحوال الشخصية السوري 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015