كيف تغيّرت مكانة المرأة عبر الحضارات؟
المرأة تساوي الرجل في الحضارة الفرعونية!

غادة قدري/ arabicpost- المزحات السخيفة التي تكون المرأة محورها لا تروق لي، غالباً ما تستفزّني، خاصةً إن كانت تضع المرأة في مقارنة مع الرجل، مثل أن يقال المصيبة امرأة، والمُصيب رجل، والمرأة حيّة والرجل حيّ، ويتولّى القضاء قاضياً، وإذا تولّته امرأة فهي «القاضية»، وإذا التحق الرجل بالبرلمان أصبح نائباً، ولكن إذا دخلته المرأة أصبحت «نائبة»، والرجل الذي يهوى شيئاً يصبح هاوٍ، أما السيدة فهي «الهاوية».

ويقصد بهذه المزحة أن اللغة العربية ظلمت المرأة فوصفتها بالحيّة كنايةً عن المحتالة والخبيثة، والمصيبة هي ما يفدح الناس من ضرر عظيم، والقاضية هي الكارثة التي تقضي على الناس، والنائبة أخت المصيبة، أما الهاوية فهي من أسماء جهنّم!

وتكشف هذه المزحة السخيفة أزمة الهوية الجنسية والمساواة بين الرجل والمرأة وسبب تدنّي وضع الأنثى، والسخرية من ضعفها، والتقليل من إمكانياتها ومواهبها لدى العرب ووصمها بالعار.

لكني اندهشت بشدّة، إذ اكتشفت أن نضال المرأة ما زال مستمراً في العالم كله، وأزمة التنمّر بالنساء وسلب حقوقهنّ الأدبية والإنسانية ليست محصورةً في الشرق فقط، فما زالت المرأة تبحث لنفسها عن موطئ قدم في عالمٍ احتله الرجال وأحكموا قبضتهم عليه.

وحول ما سبق لفت نظري مؤخراً، ما نشرته الصحفية كاري جرايسي حول كتابها الذي يتناول معركتها الناجحة  في مؤسسة «بي بي سي» المفترض أن تكون مؤسسة بريطانية حيادية وموضوعية، لكن الأمر لم يكن كذلك للأسف على الرغم من أننا في عام 2019، ومن أجل نيل حقوقها مثل زملائها الرجال خاضت جرايسي حرباً كبرى حتى نالت المساواة في الأجر مع الرجال في «بي بي سي».

ويكشف هذا جانباً من الحقيقة المظلمة حول وضع المرأة المتدنّي الذي لم ينتهِ بعد رغم الحضارة ورغم كل المناصب التي اعتلتها المرأة، وتاريخ هذا الظلم ضاربٌ في أعماق التاريخ، ورغم ارتقاء الإنسان لم ينتهِ بشكل كامل.

من المثير للحزن أنّ المرأة كانت في بداية التاريخ مقدَّسةً مستقلة وقويّة، وإذا أتيحت لك القراءة في تاريخ البشرية، ستكتشف كلما أوغلتَ، قبل ظهور الأديان ونشوء الأسرة الأبوية أنّ الذكر والأنثى كانا مكتملان لكلّ منهما قيمته، بل كان الإنسان يقدّر النساء ويحترمهنّ ويهابهنّ لأنهنّ مصدر الحياة وقادراتٍ على الولادة.

المجتمعات الإنسانية البدائية كانت تحكمها النساء كانت أمومية، كان البشر يهابون قوة هذه المخلوقات الغيبية في منح الحياة فقدّسوها وعبدوها، فأصبحن الحاكمات، بسبب تميّزهنّ بالقدرة على الإنجاب، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للأبناء.

إذا نظرنا للفتاة في الحضارة المصرية القديمة سنجدها مرتفعة المكانة، بل كانت الزوجة تُرسم على المقبرة إلى جانب زوجها حتى الأسرتين الثالثة والرابعة 2780 قبل الميلاد، وكانت تتولّى العرش، ويُنسَبُ أطفالها لها، ووصلت السيدة في مصر القديمة إلى منصب الإله، فتاريخ مصر القديم حافلٌ بالآلهات، وكانت تقدّم لهنّ القرابين وتقام من أجلهنّ الأعياد، ومنهنّ إلهة الولادة والعدل والسرور والسماء والكتابة والحصاد والخصوبة والموسيقى والحقول.

أما في عصر اليونان القديم، فقال الفيلسوف أرسطوفان أثناء مأدبةٍ أقامها أفلاطون إنّه لم يكن هناك ذكر وأنثى، وكان يتصوّر أن الخليقة بدأت بجنسٍ أُطلق عليه «أندروجين» يمتلك أعضاء الذكر والأنثى معاً، واعتقد أرسطوفان أن الإنسان كان كرةً بوجهين متقابلين بأربعة أذرع وأربعة سيقان وكانت أعضاؤه التناسلية مزدوجة، إلا أنّ غرور الإنسان اشتدّ لدرجة  تجرّؤه على مهاجمة الآلهة، فقرر الإله الأكبر زيوس، عقاباً له أن يشطره إلى جزأين، وقد قام بالمهمة «الجراحية» أبولون، وهكذا أصبح كلّ نصفٍ يحنُّ إلى نصفه الثاني، وبالتزاوج تتحقق المساواة والوحدة.

ومن خلال هذه النظرية يبدو لنا أن الرجل والمرأة يحقّقان حالة الاكتمال الأولى للبشر من وجهة نظر أرسطوفان.

بيد أن الرجل في بابل وفينيقيا عجز عن فرض الوصاية الجنسيّة على المرأة، فكانت بكارة المرأة ملكاً للإلهة عشتار لا لزوجها، وكانت تهب عذريتها في المعبد، حيث تمارس الجنس المقدّس تحت رعاية الإلهة قبل أن تلتزم بالحياة الزوجية.

وفي قبائل الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقبل فرض نظام الزواج الأحادي، كانت المرأة تقترن بعددٍ من الرجال تختارهم، ثم تنسِبُ المولود لمن تختاره بينهم.

إذا عدنا مرةً أخرى لنتابع الحديث عن مكانة المرأة في عصر مصر القديمة، سنندهش لأننا سنكتشف أن ظهور الزراعة والإقطاع وملكية الأرض، أدّى لانخفاض مكانة المرأة بسبب شهوة الملك والميراث. وتوضح الدكتورة نوال السعداوي هذه الحقيقة، من خلال ما سردته عن المؤرّخين في كتابها «المرأة هي الأصل»، إذ اكتشف المؤرخون أنّ المرأة المصرية القديمة بعد أن كانت تُرسَم على الجدران بحجم زوجها تماماً كدليلٍ على المساواة في المكانة والقدر، أصبحت تُرسَم بحجمٍ أصغر، ومعنى ذلك أنها أصبحت أقلَّ قدراً من زوجها، واستمر هذا الوضع في عصر الدولة الوسطى وحتى عصر الدولة الحديثة بعد ثورة النساء والعبيد عام 1580 قبل الميلاد.

وعادت المرأة للذلّ بعد أن أحكم الرجل قبضته باسم الدين في العصور الوسطى في أوروبا، وكانت المرأة تعذَّب باسم الحفاظ على العادات والتقاليد، ولم يكن يُسمح لها بالتفكير والإبداع أو معارضة زوجها، حتى أنّ بعض السيدات ممن أبدين رأياً في الطب بدلاً من «الماء المقدس» كان يتمّ إعدامهنّ واتهامهنّ بالسحر والشيطنة، لأنهنّ يهدّدن سلطة الكنيسة، وبدلاً من أن يتم تكريم المرأة لأنها صاحبة الرحم الذي يجلب الحياة، تمّ تشخيصها بمرض «الهستيريا» كأحد الأمراض الشائعة للنساء فقط، واعتقدوا أن الهستيريا مرضٌ سببه رحم المرأة!

وكان تشخيص «الهستيريا» وعلاجه روتيناً لمئات السنين في أوروبا الغربية، وفي الطب الغربي للنساء، وأسقطت الجمعية الأمريكية للطب النفسي مصطلح «الهستيريا» في عام 1952.

وبدلاً من أن تُنصِف الحضارة عذاب النساء وتُسهِم في رفع الظلم عنهنّ، وتوقف أنّاتهنّ، ظهر عالم النفس سيجموند فرويد، متصوّراً أن هستيريا النساء تحدث بسبب ما سمّاه «حسد القضيب» وهو أن جميع الفتيات تشعرن بالغيرة من الذكور لعدم امتلاكهن أعضاءً تناسلية مماثلة.

الأمر الذي يعني أنّ الفتاة تعاني شعوراً دائماً بالخيانة، وأن أمّها أخصتها وتغار منها بشدة، وتستمر في البحث عن مقابلٍ لهذا النقص بالتجمّل من أجل الزواج وخضوعها للرجل كي يمنحها الصبي الذي يعوّضها عن العجز.

وفي المقابل، فإنّ كلّ الفتيان يعانون من «عقدة أوديب»، فنجد أنّ الابن يشتهي أمه، ويعيش في ذعرٍ دائم خوفاً من أن يكشف والده ما يُخفيه فيخصيه «عقدة الخصاء». في محاولةٍ للحفاظ على هذا الامتياز وحماية عضوه من البتر، وهو ما يبرّر له الهيمنة وإخضاع المرأة، لتنتقل هذه الصورة عبر الزمن كميراثٍ مشوّه للعلاقة بين الرجل والمرأة والإنسان.

إن الإنسان هو نفسه الرجل والمرأة، هو الإنسان الحر المُحب المُنتج، وهو الأب والأم، والشرف الحقيقي ليس جنسه، إنما هو مبدأه وعمله، ويأسف الواحد منّا أن يجد نفسه على أعتاب عام 2020 وأصوات النساء ما زالت تعلو في كلّ مكان بحثاً عن الكرامة والإنسانية والمساواة!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

المرأة تساوي الرجل في الحضارة الفرعونية!

المرأة تساوي الرجل في الحضارة الفرعونية!

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015