“لا للزواج، نعم للحب”.. سوريّات فوق الثلاثين يواجهن ضغوطات الأهل والمجتمع
حملة "زائد 30 وعادي"

الحسناء عدره/ raseef22- لم يعد الموروث الاجتماعي البالي الذي تتعاطاه أغلب المجتمعات العربية بحقّ المرأة خافياً على أحد، حيث تحصر دورها بالزواج والإنجاب وتربية الأطفال، وتدعو لحتمية زواجها وربط قيمتها المعنوية والإنسانية والجسدية بالرجل.

ولا تختلف سوريا عن بقية البلدان العربية بهذا الشأن، حيث يربط الموروث الشعبي الأبوي وجود المرأة في معظم الأحيان بالرجل، فيبقى متفوقاً وتبقى بمكانة أدنى، مهما كانت ثقافتها ودرجة تعليمها.

إلا أن عدّة فتيات سوريات تمرّدن على هذا الموروث وبدأن بمحاولات، وإن كانت متواضعة، في سبيل تغييرها. من هذه المحاولات حملة أطلقتها منظمة “نيسان” النسوية عبر فيسبوك، تحت عنوان “زائد 30 وعادي”، بهدف تخفيف الضغوط التي تتعرّض لها الفتيات ممن تخطّين عمر الثلاثين، لحثّهن على الزواج “كضرورة لا غنى عنها”.

وعن مضمون الحملة، تقول مؤسستها سلمى الصياد، أثناء لقاء مع رصيف22: “تواجه الكثير من الفتيات ممن دخلن العقد الثالث، تنمّراً لفظياً وضغوطات اجتماعية لدفعهنّ نحو الزواج حتى دون الاقتناع بالرجل، لذلك جاءت الحملة لترك حرية الخيار للمرأة، ولفت انتباه المجتمع لقرارات لا تقل أهمية، كمواصلة التعليم أو السفر أو العمل وتبوّء مناصب عليا، والتركيز على أن مستقبل الشابة ليس مرهوناً بالزواج فقط”.

ومن خلال منشورات متنوعة، تحاول الحملة ملامسة أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية، ولفت الأنظار إلى عواقب ممارسة الضغوط بحقّ الفتيات ودفعهنّ للارتباط من أجل الزواج فقط، ما قد يُنتج علاقات فاشلة وانهياراً في المنظومة الأسرية، لا سيما إذا أسفر الأمر عن أطفال، وذلك حسب كلام سلمى.

الدين والقانون كثنائية ضغط

هل من شأن هذا النوع من الحملات المساهمة بتغيير الصورة النمطية إزاء دور المرأة والنظر للزواج كأكبر إنجاز تحقّقه؟

تجيب إحدى القائمات على الحملة دون ذكر اسمها: “نأمل ذلك. أرى أنه يمكن إحداث تغيير في بنية المجتمع لكن بدرجات متباينة، تبعاً لطبيعة الأشخاص والبيئة المحيطة بهم، كما أن التوزّع الجغرافي له دور مهم، فقاطنو المدن أكثر عرضة للاستجابة من نظرائهم في الريف”.

ويشكّل قانون الأحوال الشخصية السوري مع مكوّن الدين، ثنائية تضغط على الفتيات السوريات، وفق حديث الشابة لرصيف22: “بالرغم من التعديلات الإيجابية الأخيرة على القانون، كرفع سن الزواج من 17 إلى 18 سنة، وحظر إتمام عقود الزواج دون موافقة صريحة من صاحبة الشأن، لكنه لا يخلو من الثغرات التي تُبيح للقاضي الشرعي تزويج قاصر بعمر 15 إذا وجد فيها الأهلية للزواج، إضافةً لعدم معارضة النصوص الدينية لذلك. بهذا لا يجرؤ الناس على مخالفة القانون، انطلاقاً من حقيقة أن التشريع والفقه الإسلاميين هما الركيزتان الأساسيتان في سنّ القوانين السورية”.

أغلال اجتماعية

فُوجِئ فريق الحملة عند إطلاقها بكمية الخوف والتردّد المسيطرين على شابات سوريّات من التعبير عن آرائهن إزاء الموضوع المطروح، وعدم قدرتهنّ على تجاوز العديد من العُقد الاجتماعية المزروعة، رغم رفضهنّ الكامل لها.

وعن ذلك يوضح لنا الفريق: “بعد تحديد الفئات المستهدَفة أرسلنا عنوان الحملة لفتياتٍ يتسمن بالانفتاح وعلى درجة كبيرة من الثقافة، سيدخلن عامهنّ الثلاثين، في محاولة لجسّ نبضهن، إلا أن الصدمة كانت هي عدم الرد أصلاً، أو الاستجابة السلبية، ليتضح لنا أنهنّ غير قادرات على مواجهة قيود المجتمع. كما تبيّن من خلال الاستطلاع وجود فجوة كبيرة بين الكلام والفعل، إذ تُطالب كثيرات بحقوقهنّ، لكن سرعان ما يهربن عند أول خطوة فعلية”.

وتتابع إحدى عضوات الفريق: “يبدو أن كسر حاجز الخوف ودفع الأفراد للحديث عن الموضوع بأريحية تامة، يتطلّب سنوات من العمل الدؤوب لاقتلاع الأفكار البالية وأغلال المجتمع، وعند التجرّؤ على مواجهة هذه الأفكار يكون الأمر على الأغلب بأسماء مستعارة، فما بالك عند تنفيذها، فالجهد والوقت حينها سيكونان مضاعفين”.

الزواج ليس مستقبلي بالضرورة

قرّرت هديل، 33 عاماً، المشاركة في الحملة لما تشكّله من أهمية على صعيدها الشخصي، وتتحدّث الشابة عن ذلك لرصيف22 بالقول: “لا تقلّ فكرة الحملة أهميةً عن المواضيع الأخرى التي تتناول قضايا المرأة، كالتعنيف والاغتصاب. أرى ضرورة أن تخرج الحملة للعلن وتسلّط الضوء على حجم معاناة الفتيات السوريات، لا سيما بعد تخطيهن سنّ الثلاثين، سواء من الأهل أو الأصدقاء”.

استقلت هديل عن عائلتها منذ أكثر من عامين، فهي تعيش وحدها وتتمتع بعمل جيد في منظمة الهلال الأحمر السوري وراتب ميسور، ورغم ذلك لم تسلم من الضغوطات الاجتماعية التي ألِفَتها ولم تعد تُلقي بالاً لها.

تقول الشابة “مذ شارفتُ على أبواب الثلاثين بدأ توجيه عبارات تُطالبني بالزواج قبل أن يفوتني القطار، وإنجاب الأطفال قبل فقدان قدرتي على ذلك. حتى والدتي مارست عليّ بعض الضغوط إذعاناً لمعايير المجتمع، لكنها توقفت عن ذلك بعد اقتناعها بقراري”.

تختار الشابة حالياً حياة العزوبية وليست مستعدة للزواج برجل لا تنسجم معه فكرياً وعاطفياً: “من الغباء الارتباط مداراةً للمجتمع. تقترف العديد من النساء هذا الخطأ الفادح بحقّ أنفسهنّ، ليكتشفن ذلك وينفصلن عن الشريك لاحقاً، ثم تلاحقهنّ وصمة المطلّقة بعد أن كانت تطاردهنّ تهمة العانس. وهكذا دواليك، تبقى المرأة في مجتمعاتنا ضمن دائرة التهم وتوزيع الألقاب جزافاً”.

تتابع هديل حديثها: “ما زال المجتمع يفخر بتبعية المرأة للرجل، ويتبنّى فكرة أن الزواج هو قدر الفتاة مهما وصلت إلى مراكز عليا، كما أنّ هناك عائلات تدفع بناتها للزواج هرباً من تكبّد تكاليف معيشتهن، أو انطلاقاً من مبدأ أن الزواج سترة للبنت وراحة لهم”.

نحن لسنا آلة للتكاثر

رفعت شهيناز، 37 عاماً، شعار “لا للزواج، نعم للحب” حسب تعبيرها. جاء هذا القرار بعد خوضها عدّة علاقات عاطفية افتقرت للتفاهم. وبالرغم من الجرأة التي تتسم بها الفتاة، لم تبق بمنأى عن ضغوطات البيئة التي تعيش فيها.

تقول الشابة التي تعمل مضيفة طيران في حديث مع رصيف22: “عائلتي متحرّرة ووالداي من خلفية علمانية، وقد انتقلنا بسبب ظروف الحرب من مدينة حلب إلى حي الميدان، وهو من الأحياء المحافظة في دمشق، وهنا تطاردني نظرات السكان التي تُشعرني بأنني مختلفة عنهم. أكثر ما يزعجني هو اضطراري لمجاملتهم طوال الوقت والإجابة على سؤالهم الشهير: ليش لهلأ ما تزوّجتِ؟ وكأن الزواج هو أساس الحياة”.

تردف الشابة حديثها: “لا يهمّني أن أتزوّج وأصبح تعيسة في زواجي، ومن المعيب أن يكون الإنجاب هو الهدف الوحيد من الزواج. هناك ما هو أسمى من ذلك، كالتقارب الروحي والفكري والاحتواء والقدرة على إسعاد الآخر، لا النظر إليه على أنه آلة للتكاثر البشري”.

تصبّ الشابة اهتمامها حالياً على عملها الذي تحبّ، ولا تُمانع من خوض علاقات عاطفية، لكن دون خطوة الزواج إلى أن تكون على يقين تام من أنه شريك مناسب وداعم أساسي لطموحها ولعملها: “بدي شريك حياة يساندني يوقّف معي، ما بدي عدو وخصم يكون ضدّي”.

الاستقلالية المادية أولاً

رفعت رهام، 34 عاماً، شعار العزوبية عالياً وبإصرار كبير إلى حين لقاء الشريك الملائم لتطلّعاتها الفكرية والمستقبلية، فالشابة، على خلاف ما جرت عليه العادة، لم تتعرّض لضغوط عائلية، بل تربّت، كما تقول لرصيف22، على مبدأ أن تحظى الفتاة بالشهادات العليا قبل الإقدام على خطوة الزواج: “كان والدي يصرّ على إنهاء الدراسة الجامعية والعمل ثم التفكير لاحقاً بالارتباط، الأمر الذي زرع في داخلي هاجس الاستقلالية”.

لا ترفض الشابة التي تعمل في إحدى المنظمات الإنسانية فكرة الزواج من الشخص المناسب، لكنها ترى أن الاستقلالية المادية للمرأة أفضل بكثير من تبعيتها للرجل والارتباط به كيفما اتفق. تتابع قولها: “أريد شريكاً وليس زوجاً يُملي عليّ ما أفعل. ويهمّني التحرّر المادي من سلطة الرجل، والاستقلال الاقتصادي هو أول خطوة لذلك”.

مناهضات للحملة

بالرغم من الأصداء الإيجابية التي تلقاها عادةً هذه الحملات، لكن حملة “زائد 30 وعادي” لم تنل تأييد الجميع، مثل يارا التي تعمل في الشأن المدني.

تقول الشابة، وعمرها 36 عاماً، لرصيف22: “لم يعجبني طرح الحملة، فأنا لستُ مجبرة على تقديم مبرّرات حول عدم زواجي لغاية الآن. وفي المقابل، يوجد العديد من الشبان ممن شارفوا على الأربعين وهم عازفون عن هذه الخطوة، فلماذا لا نطالبهم بمبرّرات؟”.

توافقها في الرأي مناهل، 35 عاماً، وتعمل معلمة في مدرسة خاصة، فترى بأن الحملة تفتقر لعنصر الإقناع والقوة بالطرح، فتضع الفتيات بموقع الدفاع عن النفس لعدم زواجهنّ بعد دخولهنّ عامهنّ الثلاثين، بدل الدعوة لعدم تضييق الخناق عليهن.

وتضيف الفتاة لرصيف22: “مو آخرة الدنيا إذا ما تزوجنا. أعيش بحرية دون تدخّل أحد بقراراتي، والعديد من صديقاتي شعرن بالندم بعد الزواج، حيث خسرن أدنى حقوقهنّ في اتخاذ القرارات، بدءاً من ارتداء الملابس وصولاً إلى مواصلة العمل واختيار الأصدقاء. أغلبهنّ اكتشفن متأخرات أنهنّ فشلن في اختيار الشريك المناسب”.

حملة "زائد 30 وعادي"

حملة “زائد 30 وعادي” 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015