لسن كنساء ألمانيا
النساء اللاجئات في ألمانيا/ DW

مقالة رأي للكاتب حسين خيري/ موقع (بوابة الأهرام)- لم يكن الأمر بالبساطة بالنسبة للرجال، عندما يفقدون مقوّمات الحياة، وتتقطّع بهم السبل لإعالة عائلاتهم، فكيف بحال النساء حين تبدّد الحرب كلّ مظاهر الحياة أمامهن، وفي ذات الوقت تُقتَل عوائلهن، فالأرملة والمرأة التي فقدت العائل في المجتمع المستقر، تعاني الشدائد في رعاية أسرتها، فلذلك النساء السوريات يواجهن عقباتٍ أشدّ ضراوةً لبقائهن على قيد الحياة ولبقاء ذويهن، بل قد يتفاقم الوضع سوءاً إذا كانت تتحلّى بالجمال، وتصبح مطمعاً لكثيرٍ من الذئاب البشرية، وعصابات الاتجار بالبشر.

وفي هذا الصدد تقول فتاةٌ سوريّةٌ لاجئة في إحدى الدول العربية، إنّ شاباً تعرّف عليها ووعدها بالعمل والزواج، وانساقت خلفه حتى وجدت نفسها في مبنىً يشبه فندقاً صغيراً، وعرّفها بمديرة الفندق وكلّفتها بتقديم الوجبات للزبائن، وبعد مرور يومين أمرتها بمصاحبة الزبائن والجلوس معهم، فرفضت وحاولت مغادرة المكان.. وسرعان ما تعرّضت للجلد والإهانة، وأُجبِرَت على ممارسة الرذيلة، وتذكر أنّ فتياتٍ ونساءٍ سوريات فارقن الحياة نتيجة التعذيب أو الإجهاض، حتى استطاعت الهروب مع عددٍ من الفتيات.

ومع استمرار انسداد أفق الحياة في وجههن سواء في داخل سوريا أو خارجها، قرّرن التحدّي وتخطّي عقبات الحرب والتشرد، فقمن بابتكار أساليب إبداعية لحماية عائلاتهن من الفقر والضياع، فلجأن إلى فكرة تدوير المخلّفات، وهي عادة ما تستخدمها المرأة الريفية البسيطة في ضغط نفقات المعيشة في كثيرٍ من المجتمعات.

فبجانب توظيف المرأة السورية لهذه الفكرة في توفير الطعام، كتحويل كسر الخبز إلى طعام جديد، ينتجن مشغولاتٍ وإكسسواراتٍ يدويّة من المخلّفات ويسوّقنها، وأحياناً تُعرَض في مزاداتٍ علنية، وبرغم أنها مشروعاتٌ صغيرة، فكثيراً ما تدرّ أرباحاً مناسبة.

وفي الاتجاه نفسه بادرت ناشطاتٌ سوريّاتٌ بتشكيل فرقٍ لمساعدة الأسر الفقيرة، وإيجاد فرص عملٍ للنساء، وكان أبرزها تأسيس مطبخٍ منزلي كبير لإعداد المأكولات من الفطائر والمخلّلات والكبّة وغيرها، ثم تسويقها بالإضافة إلى توفير ماكينات خياطة لهن، لإعادة تطريز الملابس القديمة بشكلٍ جذّاب وعرضها للبيع.

وهناك سيداتٌ تجاوزن فكرة إعادة تدوير المخلّفات، وقمن بشراء خاماتٍ جديدة وبأسعارٍ زهيدة؛ لصناعة مشغولاتٍ وإكسسواراتٍ أكثر جودةً، ومنهن من لم يُحالِفهن الحظ في تصنيع منتجٍ جيد بسبب نقص الخبرة، غير أنّ إصرارهن على النجاح والتقدّم، جعلهن يقدّمن منتجاتٍ متطوّرة ذات تصميماتٍ رائعة تنافس ماركات معروفة.

ولكن تواجههن دائماً عقبة التسويق والتوزيع، وأحياناً تنجح بعض الناشطات في ترويج هذه المنتجات، عبر أصدقاءٍ لهن يقيمون في دول الخليج أو في أوروبا، ويمكن أن تصبح منتجات هؤلاء السوريات تجارةً رائجة إذا وجّه لها قليلٌ من الدعم، وذلك في حالة تولّي هيئاتٍ مسئولية تسويقها وتوزيعها، ومن هنا نناشد منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال في المجتمعات العربية و الإسلامية، وكذلك منظمات الأمم المتحدة، أن يقوموا بدور الوساطة لدى شركات التوزيع في تسويقها.

ولم تقتصر ملحمة النساء السوريات على السيدات أو الفتيات صغيرات السن، بل تضم نساءً كباراً في السن تجاوزن الـ50 عاماً، يمارسن الحياكة والطبخ بأيديهن دون كللٍ، ولك أن تتخيّل أنهن جميعاً يعملن وسط تهديداتٍ واعتداءاتٍ ووسط حصار، وأنّه لدليلٌ دامغ على أنّه من رحم المعاناة تُولَد العزائم، ومحنتهن تتشابه مع كفاح نساء ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد انهيار دولتهن وسقوط أغلب رجالهن صرعى في الحرب، ولكن شمّرن عن سواعدهن لحمل الحجارة وإعادة بناء ألمانيا، غير أن نساء سوريا تفوّقن عليهن، ويقمن بالبناء بين ضربات الصواريخ واستمرار الحرب والأطماع الدولية.

النساء اللاجئات في ألمانيا/ DW

النساء اللاجئات في ألمانيا/ DW

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015