لماذا يعتبر المتطرّفون جمال المرأة تهديداً للمجتمعات العربية
لماذا يعتبر المتطرفون جمال المرأة تهديدا للمجتمعات العربية

د. عماد بوظو/ alhurra- أقدم قبل أيام شاب عراقي على قتل شقيقتيه زهراء وحوراء برصاصات في الرأس بينما كن جالسات في غرفتهن للتحضير لزواج إحداهن، دون وجود ما يشير إلى ما يسمى في هذا الشرق البائس “جرائم الشرف” أي وجود شكوك بعلاقة لهما مع رجل غريب، واللافت أن الفتاتين تدرسان القانون في جامعة الإمام الصادق وعلى درجة من الجمال، بينما قال الإعلام إن شقيقهما القاتل مدمن على المخدرات وكان يعذبهن ويحاول منعهنّ من الخروج من المنزل؛ لأنه في هذه المجتمعات المريضة ورغم أن خروج الفتاتين هو للجامعة ولكن جمالهن وأنوثتهن قد يلفت النظر إليهن ويثير تساؤلات الجوار ويجعلهن مادة للنميمة.

وتقدّم هذه الحادثة نموذجاً عن ما يحدث كثيراً في العراق هذه الأيام، ولا يمكن فصلها عن سلسلة جرائم قتل وقعت خلال السنوات الماضية واستهدفت مجموعة من النساء الناجحات والجميلات، كان منهن طبيبة التجميل رفيف الياسري التي توفيت وهي في قمة نجاحها المهني، وقال تقرير الطب الشرعي إنها وصلت للمشفى متوفاة وأرجع الوفاة لأزمة قلبية وهو سبب مستبعد لإمرأة عمرها 33 عاما فقط، كما قيل في موضع آخر أن سبب الوفاة جرعة زائدة من المهدئات! في إشارة إلى تخبّط الذين حاولوا التستر على هذه الجريمة.

وبعد أسبوع واحد وفي ظروف مماثلة توفيت خبيرة التجميل الشابة رشا الحسن والتي قال زوجها إن سبب وفاتها إرتفاع الضغط الشرياني بينما قال تقرير الطب الشرعي إن سبب الوفاة تكلّس في أحد الصمامات وخفقان في القلب، وبعد شهر تم اغتيال تارا فارس 22 عاما وصيفة ملكة جمال العراق لعام 2014 وعارضة أزياء وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي بطلقات في الرأس من مسلحين يستقلان دراجة نارية، بالإضافة إلى عمليات اغتيال أخرى أكدت بأن سلسلة الاغتيالات هذه هي عمليات منظمة تقف وراءها ميليشات  نافذة ترى في نجاح واستقلال وجمال المرأة خطراً على المجتمع.

انتشار هذا النوع من الجرائم وازدياد أعدادها بشكل لافت في العراق خلال السنوات الأخيرة يدعو لتحليل أسبابها ومحاولة فهمها، إذ كيف أصبح جمال المرأة مصدراً للخوف أو تهديداً لقيم المجتمع، وفي هذه الناحية يبدو وكأن هناك شيئاً مشتركاً مع الطريقة التي تعامل فيها الفتيات والسيدات في مصر، حيث تتم محاكمتهن وسجنهن دون اتهامات بالدعارة أو الزنا أو بإقامة علاقات جنسية بل تقتصر “جريمتهن” على تسجيل مقاطع كوميدية أو راقصة على مواقع التواصل الاجتماعي وهن يرتدين ثيابا يتم وصفها أحيانا بخادشة للحياء؛ لأنها عبارة عن ثوب قصير أو بنطال ضيق، ولكن يبدو أن جريمتهن الكبرى أنهن فتيات جميلات.

أي أن هناك قواسم مشتركة بين البلدين أدّت إلى هذه الممارسات المتشددة بحق المرأة، أولها هو استناد كل طرف إلى فتاوى من مرجعياته الدينية، ففي العراق تصدر فتاوى القتل من رجال دين شيعة مرتبطين بالنظام الإسلامي في إيران، حيث تعامل المرأة بنفس الطريقة، وفي مصر يستند إرسال النساء للسجن على فتاوى الأزهر أحد مراجع الإسلام السنّي والذي يشارك ويبارك محاكمة وسجن النساء ليكنّ عبرة لغيرهن، وصحيح  أن الأزهر لا يصدر فتاوى تدعو صراحة إلى قتل النساء، ولكن رؤيته المتشددة لكل ما يتعلق بأمور المرأة أدّت إلى إنتشار العنف الأسري وارتفاع  في جرائم القتل بحق النساء، ففي دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر تبين أن 70 في المئة من “جرائم الشرف” لم تقع في حالة تلبّس وإنما اعتمد مرتكبوها على الشائعات، وأن تحريات جهات التحقيق أكّدت أن 60 في المئة من هذه الجرائم كان سببها سوء ظن الجاني بالضحية والتربّص بها.

كما يشترك الطرفان في النظرة لممارسة المرأة للجنس وكأنها جريمة لا تغتفر وليس بإمكان الزمان أن يمحوها، لذلك يصبح من المبرّر عندهم فعل أي شيء لمنع حصول أي تجربة عاطفية أو جنسية عندها، وبذلك يصلان إلى نتيجة أن الوقاية خير من العلاج، حيث من الأفضل عدم إنتظار الأنثى حتى تقع في الخطيئة وحينها لا ينفع الندم!، والوقاية حسب وجهة نظرهم هي التخلص من المرأة بقتلها في العراق وسجنها أو قتلها في مصر، وضمن نفس مفهوم الوقاية هذا كانت القبائل العربية في “الجاهلية” تدفن الطفلات أحياء بمجرد ولادتهن، وقال القلقشندي إن العرب كانت تئد البنات خشية العار، ويبدو من المستغرب أن تسير مراكز إسلامية معاصرة على هذا النهج لأن هذه  الطريقة استنكرها القرآن، “وإذا الموءودة سُئِلت بأي ذنبٍ قُتِلت” التكوير8.

كما أن الطرفين يتفقان على اعتبار المرأة وجسدها قطعة حلوى ليس بالإمكان منع الذباب من الاقتراب منها، وفي هذه الرؤية لا يمكن لوم الرجال على تصرفاتهم وتحرشهم واعتداءاتهم الجنسية على النساء، فهذه الغريزة قد وضعها الله فيهم والرجل الذي لا يستطيع مقاومتها معذور، خصوصا أن المتحكمين في هذه المجتمعات هم جميعا من الرجال من كبير الأسرة ورئيس القبيلة إلى المفتي الشرعي حتى الحاكم، وهم  يتفهّمون نقاط ضعف بعضهم ويعملون على استخدام المخزون الديني بشكل انتقائي لتبرير تصرفاتهم بحقّ المرأة، مثل وضع اللوم عليها في موضوع الجنس ابتداء من الخطيئة الأولى لحواء التي حرمت الإنسان من الجنة.

كما يتسع مفهوم ممارسة الجنس أو الوقوع في الخطيئة في هذه المجتمعات حتى يشمل المداعبات أو التقبيل أو كشف الشعر أمام رجل غريب، حتى مجرّد لمس اليدين أو الحديث على انفراد وتبادل الرسائل، فكل هذه الممارسات تعتبر علاقات آثمة تجلب العار، وحسب هذا التعريف الواسع تصبح أغلب الفتيات والنساء خاطئات، كما يتسع مجال من يشملهم العار من تصرفات المرأة ليضم بالإضافة إلى عائلتها، قبيلتها وحيّها أو قريتها لهذا يقوم بالانتقام منها أحيانا أفراد بعيدون عنها لا تعرفهم أبداً.

حتى أن مفهوم “العرض” في مثل هذه المجتمعات يشمل كافة نساء البلد أو الدين، فيغضب إبن إحدى تلك الدول إذا تم الحديث مثلا عن ارتفاع نسبة ممارسة الدعارة في بلده أو عند المنتميات إلى دينه، مما أدّى إلى غياب إحصائيات حقيقية موضوعية عن كل ما له علاقة بالنواحي الجنسية في الدول الإسلامية، فلا أحد يعرف مدى انتشار العلاقات الجنسية قبل الزواج أو العلاقات المثلية بين الرجال أو النساء، أو سفاح القربى أو الاغتصاب أو الاعتداء على الأطفال وغيرها من القضايا.

كما أن النظرة للعلاقة الجنسية بعيدة تماماً عن التكافؤ، فالرجل فاعل وممارسته للجنس قد تكون مصدراً للفخر، وتتحدّث كتب التراث الدينية عن فحولة الرسول وقابليته الكبيرة للجنس كصفة إيجابية، كما قال علي بن أبي طالب: “من يطول (العضو الذكري حسب التسمية العاميّة) لأبيه ينتطق به”، أي أنّ فحولة أبيه تؤدي إلى كثرة إخوانه واشتداد ظهره بهم، دون ذكر في المقابل للرغبة الجنسية عند المرأة المسلمة ودورها الإيجابي في العملية الجنسية، فلا تتحدث كتب التراث عن تفاصيل الحياة الجنسية للصحابيات، بل يتم ترك انطباع وكأنهن يترفعن عن الجنس لأنهنّ مسلمات صالحات، إذ بينما رغبة الرجل فحولة ومصدر فخر فإن رغبة المرأة مصدر للخطيئة لأنها قد تجلب العار.

عندما يصل التشدد في قضايا المرأة والجنس إلى إنتشار جرائم قتل النساء يصبح الموضوع ملحّاً على المستوى الإنساني والأخلاقي والقانوني ولا بديل عن مواجهته وفضح ومحاسبة الجهات التي تقف خلفه أو تبرره، كما يجب عدم السكوت عن كل من ينشر الفكر المتشدد بحق المرأة من الأزهر وغيره، ولابد من تفكيك المنظومة المتكاملة لهذا الفكر بعد أن أصبحت انعكاساتها على المجتمعات العربية بالغة الخطورة.

لماذا يعتبر المتطرفون جمال المرأة تهديدا للمجتمعات العربية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015