ما الذي يخيف المجتمعات العربية من النسوية؟!
ما الذي يخيف المجتمعات العربية من النسوية

alarab- لا تزال المرأة العربية تناضل من أجل مكانة عادلة في المجتمع الذي تنقسم فيه الآراء حول مفهوم النسوية لأن المصطلح حسب البعض مثال غربي في الأساس. وبدلاً من اعتبار الحراك النسوي الذي ينتزع حقوق المرأة “نضالاً” يصبّ في تقدّم المجتمعات العربية الاجتماعي والحضاري، اتجهت هذه المجتمعات إلى كل السبل والوسائل لقمعه وإقصائه باسم العادات والتقاليد تارةً وباسم الدين أطواراً.

بعد حوالي 100 عام، كتبت علياء الخالدي حفيدة الأيقونة النسوية اللبنانية عنبرة الخالدي، مسرحية وأخرجتها عن جدتها. كانت مسيرة مسرحية “عنبرة” قصيرة، حيث قدّمت 24 عرضاً فقط. لكن علياء تقول إنها أخذت ابنها من المدرسة ولاحظت أن معلمته لم تعد محجبة، قالت مبتسمة “أخبرتني أنه إذا تمكّنت عنبرة من خلع حجابها منذ مئة عام، فيمكنها خلعه اليوم”.

لا يتعلق الأمر بارتداء الحجاب أو خلعه؛ لكن باختيار قناعات تخرج عن الخط الذي يسطّره المجتمع لنسائه، إذ يُنتظر منهنّ أن يكنّ منضبطات للعادات والتقاليد. دخلت عنبرة الخالدي التاريخ وهي في العشرين من عمرها عندما خلعت حجابها خلال محاضرة جامعية عام 1927. وأصبحت رائدة النسوية في لبنان حينها.

كانت ردّة الفعل أكبر بكثير خارج الجامعة. في مذكرات نسوية عربية مبكرة -نُشرت عام 1978- كتبت الخالدي أن المتشددين المحافظين اتهموها بتهديد الأخلاق العامة. وهاجم آخرون النساء في الشوارع لعدم تغطية شعورهنّ ووجوههنّ بما فيه الكفاية. وكتبت الخالدي “ارتُكِبت أفعال إجرامية في الشوارع مثل إلقاء الحامض على السيدات أو تمزيق الحجاب بشفرات الحلاقة”. وقد “كانت الاعتداءات موجّهة بشكل عام إلى النساء، حتى المحجّبات”.وعلى الرغم من الفوضى، لم تشعر بأي ندم. بدا أنّ لفتتها القوية شجّعت النساء الأخريات على خلع حجابهنّ.

استوحت الخالدي تجربتها بشكل خاص من الناشطة النسوية المصرية هدى شعراوي، التي كانت أول امرأة عربية تخلع حجابها بمجرد نزولها من القطار في القاهرة في عام 1923. لم تعرف الخالدي أبدا الشعراوي شخصياً، لكنها اعتقدت أن النسويات العربيات يدنّ لها بدين لتمهيد الطريق إلى الأمام. ومنذ ذلك الحين، لا يزال يربط معارضو حقوق المرأة، الدفاع عن الإسلام بقمع النساء، بوصف “النساء واجهة للدين”.

جدل لا ينتهي

يكتسب الجدل حول النسوية في المنطقة العربية زخماً، وتنقسم الآراء بشدة حول هذا الموضوع. يعتقد البعض أن ما يُسمى بالمفهوم الغربي للنسوية لا مكان له في العالم العربي. ومع ذلك، لا تزال المرأة العربية تناضل من أجل مكانة عادلة في المجتمع.

ويقول أكاديميون إن من يتأمل واقع الحركات النسوية العربية، منذ نشأتها وحتى الوقت الحالي: يدرك أن هناك مسافة شاسعة بين وجودها الإعلامي النخبوي وبين حراكها الواقعي وقربها من قضايا المرأة العربية الجوهرية والحقيقية، إذ أن أجندتها محشوة بقضايا وأفكار لا تمت لواقع المرأة العربية بصلة.

ويعتبر البعض أن وضعية المرأة هي جزء من وضعية الإنسان العربي، المكبَّل بأغلال التخلّف والتهميش الممنهج والإقصاء، ومعالجتها يجب ألا تنفصل عن هذا السياق العام.

ورغم ذلك لا تنفك النساء في المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج يناضلن لتحقيق المكاسب التي يصفها البعض بأنها مكاسب شكلية ومثالية وجاءت فقط لخدمة حكومات أو أنظمة معينة، وهو ما يعني أنّ التقدّم الذي أحرزته النساء في بعض الدول ليس إلاّ محاكاة لنماذج أجنبية لا تمت للمرأة وللمجتمع العربي وعاداته وأعرافه بأي صلة.

واعتمدت عدة دول في المغرب العربي قوانين جديدة لحماية النساء والمحافظة على حقوقهنّ، مما عبّد الطريق أمام المرأة للمضي قُدماً وتحقيق المزيد من المكاسب. وفي مصر تًشير وسائل الإعلام إلى أنّ المرأة المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي حققت العديد من المكاسب. كما حققت المرأة السعودية مكاسب كانت حلماً بعيد المنال إلى وقتٍ قريب.

النسوية والإسلام

قامت الدكتورة مونيكا جالانت رئيسة قسم الأعمال في كلية دبي للطالبات، بتقييم أفضل أشكال النسوية التي تناسب السياق العربي. وفي ورقة بحثية بعنوان “تطبيق النسوية في العالم العربي: وجهات نظر بحثية”، ترى أنه من الممكن للمرأة العربية أن تخلق “حركة تحررية مستدامة من خلال تحدّي الخطابات الأبوية تدريجياً مع الحفاظ على الارتباط بالمعايير المجتمعية الرئيسية”.

وتقول جالانت إنّ المناقشات حول النسوية العربية يجب أن تأخذ في الاعتبار المبادئ الإسلامية، ويجب أن تكون أي حركة نسوية ناجحة تدريجية، ويجب أن تأخذ في الاعتبار وجهات النظر الثقافية.. حتى لا تنفر النساء من مجتمعاتهنّ.

وتضيف “لا تريد النساء العربيات أن يعتبرن أنفسهنّ نسويات لأنه مفهوم غربي للغاية ومعادٍ للرجل”. وبدلاً من ذلك، لاحظت أن النساء العربيات يعملن ضمن التوقعات المجتمعية، ليحصلن تدريجياً على حرية الاختيار لأنفسهنّ من خلال العمل مع ما يتوقعه المجتمع منه.

ويقول بعض الأكاديميين إنه لا يوجد مكان للنسوية الغربية في العالم العربي بسبب الاختلافات الثقافية والدينية القائمة في المجتمعات. ويضيفون أن النساء العربيات يناضلن من أجل مكانة متساوية في المجتمع، ولكن ليس تحت مظلة النسوية؛ لأن المصطلح يشير إلى صراع بين الجنسين وهو في الأساس مثال غربي.

وفيما يعرّف أكاديميون النسوية بأنها حركة تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي من أجل عدالة المرأة من الناحية الاجتماعية، يبقى الغموض يلفّ مفهوم النسوية في العالم العربي ويبدو غير واضح للكثيرين لأنه غير موجود في الثقافة العربية أصلاً، تفهم بعض المجتمعات العربية النسوية العربية من وجهة نظر عربية؛ فيما تفهمها بعض المجتمعات الأخرى مـن وجهة نظر غربية.

من جانبها تقول منى المير باحثة في الترجمة القرآنية، إن سوء التفاهم حول النسوية يمكن أن يدفع البعض في المجتمع الإسلامي إلى “الخوف” من المصطلح. وتشرح قائلة “عندما تريد نقل المفاهيم من لغة إلى أخرى، خاصة من الإنجليزية إلى العربية، يكون ذلك صعباً للغاية”.

وتقول المير إن هناك رغبة بين الرجال والنساء المسلمين في مجتمعها لمعرفة المزيد عن النسوية، وتضيف أن بعض المسلمين ينظرون إليها على أنها حركة “ترفض كلّ الأديان”.

يعتبر سعد الدين الهلال أستاذ القانون المقارن بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن أولئك الذين يميلون للتعبير عن معارضة حقوق المرأة باسم الإسلام يشكّلون “لوبي ديني”. وقال الهلالي إن اللوبي غالباً ما يضم “كبار علماء الدين الذين يظهرون في وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام.. بغض النظر عما إذا كان الرأي مُباحاً دينياً أو مُحرَّماً”.

وبالنسبة لطالبة الصيدلة العراقية سورة سعد فإن المرأة العربية تحتاج أن تقرر ما تريد. وتقول “من واجبنا كنساء أن نعلن أولاً عن الحقوق التي نريدها، وثانياً من مسؤوليتنا أن نظهر أن هذه الحقوق لا تتعارض مع تقاليدنا أو ديننا”.

وأضافت أن البعض يربط النسوية بـ”حق في ارتداء المرأة الملابس كيفما تشاء والذهاب أينما تريد”، مؤكّدة أنّ النسوية “تتعلق باحترامنا ومعاملتنا على قدم المساواة مع الرجال حتى نتمكن من المساعدة في عملية التنمية”.

“الوجه الخفي لحواء”

وصف المراجعون الأدبيون والنسويات كتاب “الوجه العاري للمرأة العربية” للكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي أنه يكشف بوضوح كيفية اضطهاد المرأة في العالم العربي.

تبدو الأطروحة بسيطة ولكنها مدمّرة في استنتاجها: عندما انتقلت المجتمعات من زراعة الكفاف وبدأت في جني ربح من أراضيها، زادت قيمة أراضيها. كلما زادت مساحة الأرض التي تمتلكها، زادت القوة التي تمارسها. لذلك، أصبحت القضايا المتعلقة بالميراث -من سيكون ورثة الأرض- أكثر أهمية.

للتأكّد من أن الشخص الذي يرث أرض الشخص هو ابنه البيولوجي، كان يجب على الرجل التأكد من أن زوجته (أو زوجاته) ليست لديها فرصة لإقامة علاقات جنسية مع رجال آخرين. لأن المرأة فقط هي التي تعرف من هو والد طفلها، فقد أصبح من الضروري التأكّد من أنها لم “تزنِ”. ومن هنا فرض تحجيب المرأة وعزلها.

وعندما تحوّلت المجتمعات الزراعية الإقطاعية إلى مجتمعات رأسمالية حضرية، لم يتضاءل الدافع للسيطرة على النساء وأجسادهنّ.

في بعض المجتمعات أصبح الحجاب أمراً طبيعياً. وفي حالات أخرى كان “نقاء” المرأة مصوناً بوسائل أخرى، مثل ختان الإناث أو الزواج المرتب. النساء اللواتي تجرأن على خرق هذه المعايير، تمّ رفضهنّ ووصمن كعاهرات أو ساحرات أو مجنونات.

جادل الكثيرون أن الكتاب هو اتهام لموقف الإسلام تجاه المرأة. لكنه بعيد عن هذا. على العكس من ذلك، جادلت السعداوي بأن الإسلام ليس هو الذي أبقى المرأة في مكانها، بل هو نظام طبقي أبوي يشمل جميع الأديان. المشكلة ليست الرجال، ولكن النظام الذي يمنع النساء والرجال على حدّ سواء من تحقيق إمكاناتهم. يعاني الرجال أيضاً من نظام أبوي يحدّد ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله.

وأكّدت السعداوي أن هذا النظام ترجع أصوله إلى “المرأة الأولى” الأسطورية، حواء، التي تجرأت على أكل ثمرة ترتب عليها إخراج البشر من الجنة. بسبب هذه “الخطيئة” عوقبت، وكانت آلام المخاض أثناء الولادة واحدة من بين العديد من العقوبات الأخرى التي كان عليها تحمّلها.

منذ ذلك الحين، استمر قمع النساء من قبل الرجال الذين يفضّلون أن تظل المرأة جاهلة. المسيحية واليهودية والإسلام -الديانات الإبراهيمية الرئيسية- جميعها لها قصة حواء حيث تعتبر اليقظة الفكرية للمرأة بمثابة تهديد.

يُنظر إلى النساء اللواتي “يعرفن الكثير” على أنهن خطرات، يحتمل أن يكنّ فاسقات، وقد يصبحن أمهات أو زوجات سيئات. يعاني الرجال أيضاً من نظام أبوي يحدّد ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله. ما علمته السعداوي هو أن اضطهاد المرأة -سواء في المجتمعات الإقطاعية أو الرأسمالية- لا يقتصر على أي دين أو منطقة.

بعض الأنواع الأخرى من الاضطهاد ضد المرأة يمكن أن تكون مدمّرة بنفس القدر. ينتشر الاغتصاب والعنف المنزلي في المجتمعات الغربية كما هو الحال في المجتمعات العربية. لقد أصبح العنف ضد المرأة أمراً طبيعياً لأن النساء يتم تحويلهنّ إلى سلعة في المجتمعات الرأسمالية، ويتم تقييمهنّ فقط على أساس قدرتهنّ على إرضاء الرجال.

استفادت صناعة التجميل من ذلك وأنشأت سوقاً للأزياء ومستحضرات التجميل. ومن هنا جاء الطلب المتزايد بين النساء الغربيات على زراعة الثدي بالسيليكون وحقن البوتوكس، وقبول المواد الإباحية كشكل شرعي للترفيه.

والخلاصة أنه لا يوجد تسلسل هرمي في اضطهاد المرأة وأن النظام الأبوي والنظام الرأسمالي الذي تُبنى عليه قمعي بطبيعته. ومثل النساء في كلّ مكان اللواتي يواجهن التحيّز الجنسي، أحياناً تتقبله بعضهنّ بهدوء لأنهنّ يَرَين أن المعارضة غير مجدية حتى أنها تفاقم الأوضاع السيئة أحياناً؛ بينما تقاوم أخريات بغضب، مطالباتٍ بحقوقهنّ وكرامتهنّ؛ في نفس الوقت كثيراتٌ يخترن العمل بهدوء في الخلفية، والتفاوض بدقة على مسار عقبة الأنا والتقاليد الثقافية.

إن الحقيقة القاتمة للعيش في عالم أبوي تعني أن جنسك هو دائماً شبحٌ يحوم فوق كلّ موقف.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

ما الذي يخيف المجتمعات العربية من النسوية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015