ما الذي يعنيه القرار 1325 للسوريات؟
المرأة السورية وصناعة السلام

كبرياء الساعور/ شبكة المرأة السورية- في العام 2000 اعترفت الأمم المتحدة بالتأثير الخاص للنزاعات المسلّحة على النساء من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1325، ويشكّل هذا القرار الوثيقة الدولية الأولى التي اهتمت بواقع النساء خلال النزاعات المسلحة ليس فقط بوصفهن ضحايا؛ بل أيضاً بوصفهن فاعلات في مجتمعاتهن وينبغي أن يكنّ شريكاتٍ في بناء السلام.

الهدف الرئيسي من القرار كان العمل على وضع حدّ للانتهاكات التي تُمارس بحقّ النساء في الحروب والنزاعات، مشددّاً على الحاجة إلى مراعاة خصوصية المرأة وإشراكها في عمليات حفظ الأمن وبناء السلام خصوصاً في المناطق المُتَضَرّرة من النزاعات، وهو قرارٌ مُلزِم للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويتضمّن القرار عدداً من النصوص المهمة والتي تهيئ الطريق للوصول إلى تلك الأهداف؛ مثل مشاركة المرأة على جميع المستويات صنع القرار، وحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي.

كما يحضّ القرار على العمل لوقف العنف ضدّ النساء من خلال تعزيز حقوق المرأة والمساءلة ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب مثل العنف الجنسي، وتعميم منظور النوع الاجتماعي في عمليات حفظ السلام، بالإضافة إلى توعية قوات حفظ السلام والشرطة والقضاء بخصوصية المرأة في النزاع واتخاذ التدابير لضمان حمايتها والالتزام بحقوق الانسان للنساء والفتيات، والتأكيد على ضمان تمثيل النساء في المجتمعات التي شهدت صراعات مسلحة لإيصال أصواتهنّ ولتكون المرأة جزءاً من جميع مستويات صنع القرار كشريكٍ على قدم المساواة مع الرجل.

لقد مضى اليوم أكثر من ثمانية عشر عاماً على صدور القرار، لكنه مازال يفتقر للآليات والجداول الزمنية لتنفيذه ولم ترقَ جهود الأمم المتحدة لمستوى هذه الوعود، كما أنّ الفجوات التي ظهرت خلال تطبيق القرار تستدعي الحاجة إلى مزيد من الشرح والتفصيل فيه، وبينما لا توجد حتى اللحظة عقوباتٌ للدول التي لا تنفّذ هذا القرار، فإنّ مجلس الأمن مدعوٌ لدعم تنفيذ القرار 1325 وتجاوز المعوقات التي تحول دون تطبيقه.

اليوم وفي بلادنا، النساء السوريات صاحبات مصلحة حقيقية في تطبيق هذا القرار الذي ينصّ على حماية المرأة، لكن ما يجري على أرض الواقع حكايةٌ أخرى، فقد واجهت السوريات مختلف أنواع الانتهاكات، من اعتقال واخفاء قسري، وتعذيب وانتهاكات مبنية على النوع الاجتماعي، خلال قمعها للاحتجاجات، بينما كانت أدنى أسس حماية النساء تغيب عن المجتمعات المحلية، وجرى استهداف النساء بشكل مباشر من المتطرّفين، باعتبارهن الهدف الأول والمستوى الأول الذي تبني فيه مثل تلك المنظمات سلطتها واستبدادها.

وفي الوقت الذي أسهمت ويلات الحرب والحصار وانهيار شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي في تدنّي واقع المرأة، التي وقع عليها عبء هذه الأوضاع بشكلٍ مباشر ومضاعف، مما أدى بالضرورة إلى حرمانها من ممارسة حقوقها الأساسية في الكثير من الأوقات.

وفي المقابل، فإنّ المرأة السورية مازالت تواجه تحدّيات تشكّك في حقّها بالمشاركة السياسية وعملية صنع القرار سواء على صعيد منظمات المجتمع المدني والهيئات السياسية ومختلف التكتلات. فهي لا تحصل على التمثيل الحقيقي والكافي لها سواءً على صعيد تلك المؤسسات، أو على صعيد الاعتراف من تلك الهيئات بهذا الدور والعمل على تطبيق هذا الاعتراف فعلاً.

أما على صعيد التشريعات والقوانين، فإنّ قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات المطبّق في سوريا اليوم، يحمل مواداً تمييزية ومجحفة بحقّ المرأة؛ يحرمها من حقوقها وينتقص من أهليتها، حيث لا تبلغ المرأة سنّ الرشد حتى لو بلغت الستين من العمر بنظر هذه القوانين، التي تكرّس الأدوار النمطية للمرأة.

وفي الوقت الذي حمّلت فيه ظروف الحرب في سوريا، العديد من النساء المسؤوليات الرئيسية في العائلة، إلا أنّ تدني مستويات التعليم او تدني التأهيل المهني الناتج عن التمييز على أساس النوع، أدّى إلى توجّه نسبة كبيرة من العاملات إلى القطاعات الاقتصادية الهامشية، والقبول بظروف عمل سيئة للغاية، سواءً في سوريا أو دول اللجوء المجاورة، وفي حين استهدف عددٌ كبير من البرامج التي نفّذتها منظمات المجتمع المدني هذه الثغرات، إلا أنّ ظروف عمل النساء والتمييز ضدّهن في العمل لا تزال قائمة.

كما أن استمرار حكم الميليشيات وأمراء الحرب، يشكّل عاملاً أساسياً في غياب أيّ قدرة على العمل لتحسين تلك الظروف، وكذلك النظرة التقليدية والأعمال النمطية للنساء في مجتمعنا، ظلّت مسيطرة على مشاريع وبرامج التأهيل، مما وضع العديد من النساء في حلقة مفرغة لا يسعهنّ الخروج منها.

وسيكون الأمر بحاجة إلى تضافر كلّ جهود المنظمات المدنية العاملة في سوريا لكسر هذه الأنماط، سواءً كانت تعمل على برامج تتوجّه للنساء بشكل خاص، أم تلك التي تعمل لدعم وإغاثة وتنمية المجتمعات المحلية بشكل عام.

تحتاج النساء في سوريا إلى التركيز على المشاريع التعليمية التي تساعد في الحصول على خبرات ومهارات نوعيّة تمكّن النساء من الاندماج بالحياة الاجتماعية والقدرة على التأثير في مجتمعاتهنّ، خاصةً وأنّ النساء والفتيات هنّ الأكثر تضرّراً في الحروب والنزاعات.

وبينما لايزال مرتكبو الانتهاكات في سوريا بلا عقاب، فإنّ أحد أهم أوجه القرار 1325 سيكون غائباً،حيث يشكّل الإفلات من العقاب في سوريا، مؤشراً رئيسياً على استمرار الجرائم ضدّ المجتمع والنساء تحديداً، ودليلاً على الانحدار المستمر لأوضاع النساء في البلاد.

إنّ القرار رغم تضمّنه على قدرٍ كبير من الخطاب الداعم للمرأة والسلام والأمن، لكنّ تطبيقه في حالتنا السورية، يحتاج إلى أكثر من الكلام، إذ يلزمه قرارات مختصة بالأوضاع السورية، وخلق استراتيجية واضحة المعالم لمحاربة جذور التمييز والانتهاكات التي تتعرّض لها السوريات بشكل يومي، بالإضافة إلى رعاية تامة من الدول الفاعلة والأمم المتحدة من الناحية السياسية والمالية، لتحقيق حدّ أدنى من الأوضاع تمكّن النساء من القيام بدورهنّ المطلوب في صناعة السلام.

ولا بد من القول إن العمل على خلق منصات سياسية للنساء السوريات ليس التصرّف الوحيد المطلوب لإشراك السوريات بصناعة مستقبل بلادهنّ، فكما من الضروري خلق “كوتا” للنساء في أيّ من النشاطات السياسية أو المسارات التي تُعنى بالحل في سوريا، فإنّ تحقيق شروط الحد الأدنى لعمل ونشاط وحياة النساء بشكلٍ طبيعي في مجتمعاتهنّ، هو شرط لازم لنقول أن السوريات يشاركن في صناعة السلام.

وبالرغم مما سبق لابد من التأكيد على أهمية تفعيل القرار 1325 في سوريا بوصفه أداةً للتغيير والحدّ من الانتهاكات ضدّ النساء بالحرب، والتأكيد أيضاً على أن تمكين النساء للقيام بأدوارهنّ ومشاركتهنّ بجهود السلام والعمل على تأمين الأمن الإنساني وحماية المرأة من العنف والانتهاكات، كلها أهداف عاجلة وملحّة ويجب العمل عليها بشكل واسع من جميع السوريين، وجعلها أولوية أساسية لدى الهيئات السياسية والقوى الدولية الفاعلة في سوريا.

المرأة السورية وصناعة السلام

المرأة السورية وصناعة السلام

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015