من مخرجات الحرب السورية.. جمعية تعدد الزوجات
جمعية تعدد الزوجات ؟؟؟!!!

أدونيس غزالة/ hafryat- انتشر في الآونة الأخيرة  خبرٌ صحفيّ مفاده “إنشاء مكتب تعدّد الزوجات في إعزاز شمال حلب السورية”، لتتلوه تصريحات المؤسسين لهذه الجمعية من داخل مكتبهم وعبر صفحتهم على الفيسبوك، والتي تحدّدت بموجبها أهداف الجمعية وأهميتها؛ إذ اعتبر القائمون على هذه الجمعيّة أنّ هدفها الأول هو هدف توعوي، يسعون من خلاله إلى نشر ثقافة تعدد الزوجات، وإلى تقبّل المجتمع لهذه الثقافة وخاصةً الزوجة الأولى، من أجل بناء أسرة جديدة مع الحفاظ على الأسرة الأولى، وإلى إحياء سنّة تعدد الزوجات في ظروف الحرب والتهجير، أما الهدف الثاني، فهو تزويج الأرامل أمهات الأيتام، وحفظ حقوقهن ومساعدتهن على اختيار الزوج.

وتأتي أهمية الجمعية، بحسب تصريحاتهم، من كونها جمعية تُعنى بحقوق المرأة، وتنشط برفد المجتمع بخليّته الأولى وهي الأسرة، كما أنّها جاءت لتحقيق كرامة المرأة وتمكينها، ودعمها في بناء أسرة وحياة كريمة، ومن أجل ترسيخ قيم ومبادئ المجتمع الأصيلة، ودحض العادات والتقاليد الغربية الهدامة، وبناء وطن متماسك مجتمعياً قوي خلقياً، حيث سيكون هذا المشروع ذا فائدة مجتمعية، نظراً لكثرة الأرامل بسبب الحرب الممتدة لأكثر من عقدٍ من الزمن.

في الحقيقة إنّ هذا الخبر الذي “أثار جدلاً واسعاً بين السوريين”، هو خبر ينتمي لثقافة المكان، له أصوله الدينية وتقاليده المجتمعية، بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له، ولكن في واقع الأمر ما يثير الجدل حقاً، هو الجدل نفسه الذي دار حول هذا الخبر، والذي يشير إلى تخبّط مجتمعي، وهشاشة في الوعي تعمد إلى خلط وقلب المفاهيم، وأخص هنا من أراد أن يُلبس هذه الجمعية اللبوس المدني، بدايةً بمؤسسي الجمعية الذين تكلموا عن حقوق المرأة، ويليهم بعض المثقفين والناشطين النسويين الذين اعتبروا الأمر حرية شخصية وحرية اختيار، انطلاقاً من مرونتهم في قبول الاختلاف.

يقول “جاد الكريم الجباعي” في كتابه من “الرعوية إلى المواطنة”: “يفقد الإنسان قدرته على الرفض والقبول في اللحظة التي تنعدم فيها إمكانية الاختيار إلا بين سيئ وأسوأ”، من خلال هذه العبارة المكثفة يمكننا أن نقرأ الحرية الشخصية وإمكانية الاختيار لدى الأطراف المعنية بفعل تعدد الزوجات، وأن نطرح من خلالها عدة أسئلة: هل من خيار الزوجة السابقة أن يتزوج زوجها امرأة أخرى؟ وبالنسبة للزوجة الجديدة وفي ظل ظروف الحرب، وفي ظل الاستغلال الاقتصادي والجنسي الذي تتعرض له، هل تمتلك إمكانية الاختيار إلا ما بين سيئ وأسوأ؟ بقي الطرف الثالث وهو الزوج، هل يمكن أن نسمي إقدامه على هذا الفعل حرية شخصية؟ بالطبع يمكننا ذلك إذا اعتبرنا أن المرأة ليست سوى متاع، وله الحرية في اقتنائها واقتناء غيرها وغيرها، أو إذا كنا نرى أنّ هذه الحرية مقصورة على الذكر فقط، وبالتالي ينتفي عنها مسمى الحرية لتنقلب إلى استعباد. 

وبالعودة إلى مؤيدي هذا الجمعيّة، فإنّ النظرة المشرقة التي يرسمونها لتعدد الزوجات، وتأطيرها بجملٍ رنانة لما يجب أن يكون، مغمضين أعينهم عمّا هو كائن، تحيلنا إلى ما قاله “دوستوفسكي” في كتابه “المراهق”، “إنّ الواقعية التي لا ترى ما هو أبعد من الأنف، أشد خطراً من الخيال الجامح المجنون لأنها عمياء”، إنها نفس الواقعية التي تعامت عن أسئلة تأخذنا إلى المناخ العنفي الذي سيشكّل الأسرة فيما بعد، فماذا عن العنف  الذي ستتعرض له الزوجة الجديدة من القديمة؟ وماذا عن الزوج البطريركي ومن احتمالية الطلاق؟ وماذا عن استغلاله للمديونية التي تدينها هذه المرأة له بحمايتها وإيوائها، وماذا عن أطفال الزوجة الأولى وأطفال الزوجة الجديدة (الأرملة)، وماذا لو أُضيف لهذا الأطفال الذين سيتم إنجابهم؟ هل سينتج عن هذا الخليط أسرة متماسكة، تساهم في بناء وطن متماسك مجتمعياً قوي خلقياً كما يدعي القائمون على الجمعية؟ 

من الداخل، من واقع الحرب، يمكننا أن نسأل سؤالاً أخيراً لجميع الأطراف، لداعمي ومؤيدي الجمعيّة، وللرافضين والمشككين بها: ما هي القواسم المشتركة التي تدفع إلى تزويج القاصرات وتعدد الزوجات في زمن الحرب؟ الجميع لديه الإجابة جاهزة، فالجوع والعنف والخوف، هي الأسباب التي تقف وراء ما يدفع الأهل لتزويج ابنتهما القاصر، وهي نفس الأسباب التي تدفع المرأة للرضوخ لفكرة الزوجة الثانية والثالثة والرابعة، وبالعودة إلى “جاد الكريم الجباعي”، “لا إمكانية للاختيار سوى بين سيئ وأسوأ”، فإنّ القواسم المشتركة بين القاصرات والأرامل ليست الدوافع السابقة فقط، وإنما الإقامة الجبرية أيضاً تحت مسمى الزواج، والذي ينفي حرية القبول أو الرفض.

هناك الكثير من الردود على إنشاء الجمعية، التي رأت أنه غالباً ما يتم اجتراح الحلول في الضفة البعيدة عن المسببات، منها ما جاء على لسان “معتصم السيوفي” المدير التنفيذي لمؤسسة “اليوم التالي” في رده على إنشاء مكتب تعدد الزوجات: “إنّ كرامة النساء ودورهن في الحياة العامة يجب أن تصان وتعَزّز بصرف النظر عن أوضاعهن الاجتماعية والعائلية، زواج المرأة من عدمه حرية شخصية لا يجب أن يرتبط بها أي كرامة أو دور، أمّا الحريصون على أرامل الشهداء، فليسعوا في حمايتهن وتمكينهن علمياً واقتصادياً وقانونياً بدلاً من استغلال مأساتهن”، إذا ما فهمنا دون تعنت فحوى الكلام السابق، سندرك أنّ الحرية الشخصية للمرأة تنتج عن التمكين الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي والحقوقي لها، مما يجعل من الزواج كحل لمشكلة المرأة، حلاً يغلق الباب على تحقق إنسانيتها.

من المفترض أن نرى ما هو قائم بالفعل من دون تجميله وتزيينه بما نرغب أن يكون، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها من دون أن نُلبسها لبوس الدين أو الحرية الشخصية أو حرية الاختيار أو حتى المعاني الوطنية، فكل ما سبق هي مسميات فضفاضة على هذا الحدث، ففي الحقيقة هذا هو الواقع وهذه هي حدود إدراكه، ولا يمكن أن تكون مخرجاته إلّا بما يناسب مقدماته، ومن يعمل على تلميعه وتبريره فهو يصرّ على المضي بالجميع إلى الهاوية، ومن يذهب إلى رفض مخرجاته، فلأنّه عاجز عن الحل أو لا يريد أن يحمل مسؤولية الحل، وبهذا  يصبح الانحدار واقعاً، إنّه الواقع الذي أشار إليه  “سامر السلمان” مستنكراً في عنوان مقالة له “من جمعيات حقوق المرأة إلى جمعيات تعدد الزوجات”، وإذا استمر هذا الانحدار لن يكون مفاجئاً لنا في المستقبل إذا ما وقفنا أمام عناوين مثل: من جمعيات حقوق الطفل إلى جمعيات الطفل العامل، أو من جمعيات حقوق الإنسان إلى جمعيات الرفق بالإنسان.

جمعية تعدد الزوجات ؟؟؟!!!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015