نسوية النظرية ونسوية الوعي
النظرية النسوية

نور العنزي/sasapost- انتفضت الحركات النسوية حول العالم ومنذ بداياتها انطلاقًا من مبدأ رفض الإقصاء من قبل الأنظمة الذكورية بجميع اتجاهاتها، وتياراتها، واهتماماتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وجاءت هذه الانتفاضات من أجل إعادة تقييم للوضع السياسي والاجتماعي للمرأة بالدرجة الأساس وإعادة تعديله.

تختلف اعتقاداتنا الشخصية حول مفهوم النسوية وتتشعب إلى حد أننا نصل أحيانًا إلى نتائج إيجابية مثل أن يكون هناك تعددًا وتنوّعًا في انسيابية تأثير هذه الاعتقادات داخل المجتمع. ومن الممكن أن تؤدي كذلك إلى نتائج سلبيّة، كأن تشيع الفُرقة، وعدم التضامن، والانقطاع عن بعضنا البعض كنسويات نتشارك الهموم والظلم ذاته – ومن خلال ذلك نستطيع أن نفرّق بين نسوية النظرية ونسوية الوعي – هذه الفرقة تصل أحيانًا إلى حد الطعن، ووصم الأخريات بأنهن لسنَ «نسويات حقيقيات»، أو «ذكوريات»، وكأن النسوية قالب واحد يجب علينا جميعًا أن نكون داخله، هذه إحدى الفخاخ الإقصائية التي تقع فيها بعضهن، وبذلك يناقضن فكرهن الذي يرفض الإقصاء الذكوري للنساء، وأعتقد أن هذه إحدى أدوات النظام الأبوي التي يجري استخدامها دون وعي، وتشوّه بتأثيرها السلبي صورة الخطاب النسوي فوق التشويه الضاربِ عمقها من قبل المجتمع.

يجب أن يجري التركيز على الآليات الاجتماعية والنفسية المؤثرة على نوعية خطابنا النسوي، وطرائق المطالبة التي لا مناص لها إلا أن تكون ذكية وحذِرة، وكيفية تطويع هذه الآليات بمختلف المجتمعات، وبذلك تتغيّر الخطابات النسوية وتتعدد طرائق مطالباتها.

يخلو خطابنا النسوي الحالي من أيّ حسّ نقديّ! علمًا أن كل الأفكار التي نطرحها، ونناقشها، أو نشارك، بها يجب أن تكون نابعة من رقابةٍ ذاتية وشعور كبير بالمسؤولية، وأن تكون نتاج نظرتنا الفاحصة لها، مثلما نعيد تقييم التاريخ، والعلوم السياسية، والاجتماعية، والنفسية، من منظور نسوي يجب أن نعيد تقييم خطاباتنا النسوية لنرى ما الجدوى منها، أظن أن من كانت تدعو لتوحيد الخطاب كانت تقصد التضامن النسوي، وليس توحيد الخطاب، فالنسوية في أية بقعة من هذا العالم لا تحمل رؤية واحدة، ولا خطابًا موحّدًا، فربما نتفق في الحقوق الأساسية والعامة، ولكننا نختلف في تفصيلها.

يجب أن تكون جميع الخطابات النسوية الواعية مرِنة ومتكيّفة إلى حد ما والواقع المعاش الذي لا يمكن أن تكون بعيدةً عنه فهي تنطلق من خلاله وتحت سلطته!

لو حاولنا أن نطرح سؤالًا حول (ماذا يحتاج الخطاب النسوي في المرحلة الحالية)؟ ربما نحصل على إجابات نعيد من خلالها تقييم نوعية خطابنا وطرائق مُطالباتنا، أودّ أن أفصح عن وجهة نظرٍ خاصة بهذا الأمر كإجابة عن السؤال أعلاه، وهي ليست ملزمة.. تحتاج النسويات (الواعيات) في البدء إلى المرونة، والهدوء، وعدم تبرير الغضب، والألفاظ النابية، والتي غالبًا ما تكون نتاج المنظومة الذكورية واللاتي يساهمن دون وعي في إعادة تدويرها، فلا يعتبر الغضب في النهاية سوى رد فعل، وردّ الفعل غالبًا ما يكون انفعاليًا وصِداميًا وبعيدًا عن المنطق، وبالتالي لن نحصل على نتيجة سوى وصم أكبر للنسويات وللنساء عامة بأنهن عاطفيات وانفعاليات وغير عقلانيات، لا أقول ذلك من أجل أن يبارك المجتمع ما ننشده فهو لن يكترث كما نعلم، بل أقوله كي يصل صوتنا، ونحقق هدفنا بتوعية النساء المسحوقات فكريًا على وجه التحديد اللائي لم يحصلن على فرصة للتعليم ولا يوجد بأدنى منطقة في وعيهن إدراكٌ لما نتحدث عنه، فإذا كان هدفنا الأسمى توعية أكبر عدد ممكن من النساء بحقوقهن، فسيكون ضربًا من الخيال أن نصل إلى هدفنا بهذه الأساليب، فالمرأة الملتزمة بالدين، والمتأثرة بالعُرف الاجتماعي الذي نشأت عليه سترفض هذا الفكر بسبب طرائق وصوله إليها. نحن لا نريد في نهاية الأمر أن يكون كل ما نعمل عليه ونكتب عنه هو مجرد رد فعل غاضب يُقال بطريقة غير مدروسة وخالية من المسؤولية، فنقوم دونما شعور بتسطيح فكرة ضاربة في عمق الوعي الإنساني كفكرة النسوية.

تحتاج النسويات كذلك إلى المعرفة التي تمكنهن من امتلاك أدوات مناسبة تؤهلهن للحديث وللمطالبة بحقوق الأخريات ممن لا صوت لهن، فالتجارب الشخصية وحدها غير كافية لأن نكون ناشطات بهذا المجال، أو أن ندير مؤسسات ومنظمات نسوية، فكل النساء يمتلكن هذه التجربة، علينا أن نمتلك المعرفة لكي ندرك كيفية توجيه المقوَد باتّزان.

فالمعرفة التي نصادفها في مواقع التواصل الاجتماعي أو التي نقرؤها في الكتب النسوية من الممكن جدًا أن تكون وجهات نظر لتجارب ومشاكل تخص مجتمعات تختلف عن مجتمعاتنا، وبالتالي لا نستطيع تطبيق كل ما تُمليه علينا، كما يجب أن لا ننسى أن تلك النظريات، والمدارس، والتيارات، والمذاهب النسوية على اختلافها، واختلاف مضامينها ظهرت في عصر يختلف عن عصرنا المعلوماتي والتكنولوجي. فماذا نفعل نحن الآن؟ نقع في فخ تقديس كل تلك النظريات ونستورد سياقات تختلف أشد الاختلاف عن سياقاتنا الحالية وبنفس طريقة الخطاب وأدوات التعبير على وجه الخصوص.

لم يكن لدى النسوية الغربية واضعة «الدساتير النسوية» انفتاحًا على النساء الأخريات، ولا الشعور بمأساتهن ومعاناتهن، فلماذا ندافع عنها بهذه الروح القتالية بدون أن نعرض ما جاءت به للتحليل النقدي لنفهم كيفية الاستفادة من تجربتها على الأقل!

كما أن جميع المدارس النسوية والمذاهب وضعت قواعدها حسب ما يقتضيه المجتمع الذي كانت بداخله وظروفه، ويجب أن لا ننساق نحن وراء ذلك أونعتبر ما كُتبَ من قبلهم نصوصًا مقدّسة لا يمكن رفض بعض نقاطها، أو تحليلها، أو المساس بها! فنوع الاضطهاد يختلف من منطقة إلى أخرى، وإن تشابهَ في المسمّى، أي لا تجوز معاملة المرأة العربية (الريفية مثلًا) كما تُعامل أية امرأة غربية داخل مجتمعها؛ إذ إن المرأة في المجتمعات المرفّهة تختلف بمعاناتها عن تلك التي نشأت في مجتمعات فقيرة.

يجب أن تكون لدينا نسوية خاصة بنا، تشبهنا، تدرس مجتمعاتنا، لا أن تأتي بقوالب مجتمعات سبقتنا عقودًا في تحقيق أهدافها، وتحاول تطبيقها في هذه المرحلة، ونحن بعد لم نحصل على فتات الحقوق، كما يجب التفرقة بين المعرفة التي نكوّنها من خلال قراءة الكتب النسوية، أو مصادفتها بمواقع التواصل الاجتماعي، وبين تحليل هذه المعرفة والوعي بها، وبكيفية تطبيقها، علينا أن لا نقوم بالنسخ واللصق، بل نطوّع معرفتنا تلك لنجعلها تتماهى مع المجتمع، ولا أعتقد أننا نختلف في المطالب الأساسية والضرورية للمرحلة الحالية التي لو قمنا بالتركيز عليها لحصلنا على نتيجة تؤهلنا للمطالبة بحقوق أكثر، فأنا أتذكر جيدًا كيف حصلنا على التأييد في المطالبة بوضع قانون للعنف الأسري، وكيف تكاتف الجميع لوضع مسوّدة وصلت إلى البرلمان العراقي من أجل التصويت عليها، وهذه خطوة ممتازة وواعية من قبل الناشطات الواعيات ومناصريهم.

في النهاية أنا لست ضد أي شكل من أشكال الخطاب، ولكن توجد هناك ضرورة لتعلّم السير بشكل صحيح نستطيع من خلالها الحصول على نتائج، وأظن أن هذا يشمل أية قضية، وأي خطاب لا النسوية فقط!

سيتشكّل الوعي النسوي عندما نرفض الخطابات المليئة بالمغالطات المنطقية منها والفكرية، والتي تروّج على سبيل المثال لسحب السلطة من يد الرجل، وليس تشاركها، أو تدميرها بالكامل، والتركيز على مبدأ المساواة، وليس التفوّق لجنس دون الآخر، فلا الدورة الشهرية، ولا الحمل، ولا الولادة، يجعلون من المرأة كائنًا يفوق الرجل (حسب وجهة نظر بعض النسويات)، ولا نستطيع اعتبارها ضعفًا (حسب وجهة نظر الذكوريين).

من الضروريّ التطرق إلى ما أسمّيه بـ(الّلوبيات النسوية) كجماعات مستعدة للهجوم في أي وقت ومن أجل أي فكرة تراها صائبة، وهي غالبًا ما تُستخدم من أجل إقصاء النسويات الأخريات عند اختلاف وجهات النظر بينهن، وحتى عند الاختلاف مع بعض الذكور الداعمين لحقوق المرأة، والذين يكرّسون حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل ذات الهدف مستعدين بذلك لتلقّي التوبيخ من قبل المجتمع الذكوري، وللوصم الاجتماعي بأنهم ليسوا رجالًا!

ما زلنا في أول الطريق نفتقرُ إلى التنظيم والتضامن وإلى إستراتيجية واضحة نحقق من خلالها الأهداف المطلوب تحقيقها، نفتقر إلى الوعيِ بمعرفتنا بالدرجة الأولى وكيفيّة استخدام هذا الوعي لكي نستطيع القول إن لدينا حركة نسوية واعية وواضحة المعالم تستفيد منها الأجيال القادمة من النساء كخارطة طريق.

النظرية النسوية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015