نوال السعداوي… شكراً لك لأنك أردت لنا أن نلملم “كلنا” التي شتتها النظام الأبوي
نوال السعداوي & النظام الأبوي

هدى شقراني/raseef22- نوال السعداوي؛ المرأة التي لم تخف حتى استدعاء الإله ليقدم استقالته في مؤتمر القمة، فكيف تخاف استدعاء الأبوية لمحاكمتها؟ هي المرأة التي تشكل لديها وعي كامل بعدوها؛ الأبوية. وإدراك العدو جيداً يحرك لدى المعتدى عليه آليات الدفاع اللازمة لمواجهته. هي أصرت على ألا تمكن عدوها منها ووقفت أمامه بشجاعة لا نظير لها. وعي نوال السعداوي ببشاعة النظام الأبوي هو وعي التجربة القاسية مع الأبوية، هو وعي المختونة، هو وعي المرأة العقل في مجتمع يخاف المرأة والعقل. هو وعي يصعب أن يمتلكه رجل الأبوية فائق القيمة، المبجل المدلل داخل هذا النظام في الدنيا وما بعد الدنيا. من الصعب أن ينزل “المدلل” من عليائه ليحاكم هذا النظام. وكيف يحاكم الرجل نظاماً لا يتعرى أمامه كما يفعل مع المرأة؟ لقد تعرى هذا النظام أمام نوال السعداوي وعرته أكثر ووضعته تحت المساءلة والمحاكمة والملاحقة.

مجتمعاتنا التي تحكمها الأبوية، والتي لم يمنع نوال السعداوي من ملاحقتها سوى الموت، تريدنا أن نكشف فقط عما تريد لنا أن نكشف عنه. تريد لنا حياة في العلن على قياسها وتجرنا بذلك للانخراط في حياة في الخفاء على قياسنا نبحث فيها عن “كلنا” ونعيش فيها بـ”كلنا” إن استطعنا إلى ذلك سبيلا. سلخ هذا “الكل” المتمثل في النفس والجسد والعقل عند المرأة والرجل على حد سواء، يخلف تشوهات نفسية تضرب توازننا البشري وتشوهات علائقية تضرب علاقتنا بالآخر. والنساء تحمل الوزر الأكبر من تفتيت “كلها” فتفتيت “كل” المرأة يكون أكثر خطورة من تفتيت “كل” الرجل. ويُضاف إلى وزر هذا التفتيت، وزر التراتبية التي تضعها في مرتبة دونية مقابل الرجل.

نوال السعداوي؛ المرأة التي لم تخف حتى استدعاء الإله ليقدم استقالته في مؤتمر القمة، فكيف تخاف استدعاء الأبوية لمحاكمتها؟ هي المرأة التي تشكل لديها وعي كامل بعدوها؛ الأبوية. وإدراك العدو جيداً يحرك لدى المعتدى عليه آليات الدفاع اللازمة لمواجهته. هي أصرت على ألا تمكن عدوها منها ووقفت أمامه بشجاعة لا نظير لها. وعي نوال السعداوي ببشاعة النظام الأبوي هو وعي التجربة القاسية مع الأبوية، هو وعي المختونة، هو وعي المرأة العقل في مجتمع يخاف المرأة والعقل. هو وعي يصعب أن يمتلكه رجل الأبوية فائق القيمة، المبجل المدلل داخل هذا النظام في الدنيا وما بعد الدنيا. من الصعب أن ينزل “المدلل” من عليائه ليحاكم هذا النظام. وكيف يحاكم الرجل نظاماً لا يتعرى أمامه كما يفعل مع المرأة؟ لقد تعرى هذا النظام أمام نوال السعداوي وعرته أكثر ووضعته تحت المساءلة والمحاكمة والملاحقة.

نوال السعداوي؛ المرأة التي لم تخف استدعاء الإله ليقدم استقالته في مؤتمر القمة، فكيف تخاف استدعاء الأبوية لمحاكمتها؟

مجتمعاتنا التي تحكمها الأبوية، والتي لم يمنع نوال السعداوي من ملاحقتها سوى الموت، تريدنا أن نكشف فقط عما تريد لنا أن نكشف عنه. تريد لنا حياة في العلن على قياسها وتجرنا بذلك للانخراط في حياة في الخفاء على قياسنا نبحث فيها عن “كلنا” ونعيش فيها بـ”كلنا” إن استطعنا إلى ذلك سبيلا. سلخ هذا “الكل” المتمثل في النفس والجسد والعقل عند المرأة والرجل على حد سواء، يخلف تشوهات نفسية تضرب توازننا البشري وتشوهات علائقية تضرب علاقتنا بالآخر. والنساء تحمل الوزر الأكبر من تفتيت “كلها” فتفتيت “كل” المرأة يكون أكثر خطورة من تفتيت “كل” الرجل. ويُضاف إلى وزر هذا التفتيت، وزر التراتبية التي تضعها في مرتبة دونية مقابل الرجل.

نوال السعداوي لا تعترف نهائياً بنواميس هذا النظام الذي يعرف “الأنثى الحقيقية” بالأنثى التي لا ترفع صوتها “تشبهاً بالرجل”، والذي يعرف “الذكر الحقيقي” بالذكر الذي لا يبكي “تشبهاً بالمرأة”. هذا التشكيل القسري والتعليب جملةً داخل قوالب الذكورة والأنوثة المتعارف عليها مجتمعياً، يبدأ منذ السنوات الأولى للطفولة وكل من تضيق به/ا هذه القوالب ويحاول أو تحاول العيش خارجها بعيداً عن هذا السلخ المؤلم، تقيم محاولته/ا على أنها خروج مؤسف عن “الأنوثة” و”الرجولة” و”سقوط “مخزٍ” في “الاسترجال أو “التخنث”. هي لا تخشى”كلها” وتعيش بـ”كلها” في السر والعلن وتريد لنا ذات الشيء.

تتحدث نوال السعداوي عن شكل آخر من أشكال السلخ لهذا “الكل” الذي يقوم به هذا النظام الأبوي الذي نرزح تحته. وهو سلخ الجسد عن النفس. ففي نفس الوقت الذي تبدأ فيه عملية تشكيل الذكورة والأنوثة، يقوم الأهل بزرع الخوف لدى الطفل والطفلة من جسديهما حين يبدآن باكتشافهما. هما لا يفرقان بين الجسد والنفس فهما كل متكامل إلى حين يقمع فيهما الأهل، المقموعين بدورهم، حبهما لجسديهما. فيجزأ هذا الكل إلى نفس “طاهرة” يعيشان بها بين أهلهما وجسد “غير طاهر” يعيشان به في محيط آخر في العتمة.

نعم، نحن نلتقي مع أجسادنا في العتمة. نلتقي مع أجسادنا في حب العتمة وفي رقص العتمة. في الرقص ثقافة المجتمع المحبة للجسد أو الكارهة له. شخصياً، يبهرني الجسد الراقص الحر. أرى فيه عكس ما أراه في جسدي الثابت غير الحر. أرى فيه الفرح والحرية. أرى فيه ثقافة كاملة توحد الروح والجسد وأرى فيه أيضاً ثقافة كاملة تخاف الجسد؛ ثقافتي. من يرقص يمتلك جسده والطفل يرقص لأنه يمتلك جسده. لكن مع العمر، تنتقل ملكيته لجسده لثقافة العيب والحرام والخطيئة. هذا ما يريده لنا هذا النظام الذي يحكمنا وهذا ما لا تريده لنا نوال السعداوي.

وفي نفس سياسة التفكيك الممنهجة لهذا “الكل”، صُورت المرأة كجسد آثم وشهواني؛ لا رأس له منذ أن ألصقت تهمة الشر والشيطنة بحواء، المرأة التي أغوت آدم وجرته لـ”ارتكاب الاثم”. ونوال السعداوي سعت دائماً لفك سجن المرأة داخل مفهوم الشكل والجسد عبر التاريخ. عملت دائما على كسر اختزال المرأة داخل حدود الجسد وحرضت المرأة على كسر هذا القيد والتحرر من كل وصاية عليه. نوال السعداوي هي المرأة التي امتلكت جسدها ورفضت أن تبقيه مادة للتشريع والإفتاء وملهاة في يد الرجل وامتلكت معه كيانها وعقلها. وكأنها تقول لنا أنا فعلتها، وأنتن أيضا بإمكانكن فعل ذلك. وكثيرات استجبن لندائها.

هذا “الكل” المفتت قد يتعرض للبتر أيضاً. النظام الذكوري يحتفي ويزهو بجنس الولد منذ الولادة. والختان، المنتهِك للجسد هو مناسبة للاحتفاء بجنس الولد. هو مناسبة يتندر الأهل بتفاصيلها. لكن جنس البنت قد يستعدي جرها خلسة لغرف العتمة والصمت ليذبحوها هناك. هم يأتون بالمشرط ليذبحوها أو بالأحرى لـ”يذبحوا” خوفهم من جسدها. ولأن نوال السعداوي واحدة من بين ملايين المختونات، ولأنها كانت تستحضر تجربتها الأليمة مع كل بنت مختونة، صار الختان والحرب ضده قضية عمرها. وناضلت لعقود طويلة من أجل كلية الجسد.

وفي خضم نضالها من أجل “كليتنا” المنتهكة، سعت نوال السعداوي جاهدة إلى تصويب علاقة المرأة بالرجل باستبدال التراتبية التي جمعهما عليها النظام الأبوي بالندية. وفي نفي هذه التراتبية نفي لأشكال تفتيت “الكل” الذي نحتاج لملمته. تفطنت نوال السعداوي مبكراً إلى أن النظام الأبوي القائم يجرنا قسراً، بناتاً وأولاداً، نساءً ورجالاً، للانخراط في عملية التكييف الاجتماعي داخل قوالب الذكورة والأنوثة. هو نظام يُشكلنا بالطريقة التي تحفظ استمراريته. فاستمراريته هي رهينة بقاء هذه القولبة. وفي انتفاء هذه التراتبية انتفاء لهذا النظام. 

كثيرات هن اللواتي تفطنّ إلى هذه القولبة وهذه التراتبية وقليلات هن اللواتي رفضنهما. وقلة قليلة من أعلنّ الحرب على هذا النظام وانطلقن في محاولة تفكيكه فكرياً، ونوال السعداوي واحدة منهن. في المقابل، أعلن هذا النظام حربه عليها وجيّش جنوده، رجالاً ونساءً، ضدّها. إنّ المتسيّد في العالم الذكوري يلاحق المرأة، أي امرأة، يرى أنها لملمت “كلّها” واستقوت عليه بحريتها وبعلقها، ملاحقة عنيفة لجرّها للقالب الذي خصصه النظام الذكوري لها. لكن هو لا يعلم أن المرأة التي تشكل عندها الوعي الكامل بندية الرجل لها يتساوى عندها هذا الذكر وكل كلامه وكل سبابه واللا شيء. نعم، اللاشيء حرفياً. هو يمضي ممتلأ بزهو الجاهل بجهله معتقداً أنه أصابها بذلك في مقتل. لكن هو لا يعلم أنهما لا يتحدثان نفس اللغة. هو لا يعلم أن جداراً كاملاً من الوعي يفصلها عنه وعن آلية تفكيره. هو لا يعلم أنّه لم يخترق عالمها بتاتاً. وهذا ما لا تستوعبه الجيوش التي لم تيأس من محاولة إخضاع نوال السعداوي لعقود طويلة. هي جيوش تحركها ثقافة عسكرية تريد فرض الطاعة على امرأة قالت لهم: “الطاعة ليست فضيلة بل رذيلة”.

أما وقد برعت نوال السعداوي في تفكيك بنى هذا النظام الأبوي فكرياً، فإنها تقول لنا وإن شُكلنا نساء ورجالاً ذكوريين منتهكين في”كليتنا”، فهذا لا يمنع أن نسعى إلى قلب هذا النظام حتى في مجالنا الضيق، علنا نكسر تلك التراتبية المفتعلة. ونوال السعداوي قلبت هذا النظام في محيطها وكشفت لنا عن ذلك من خلال حديثها عن رجال محيطها. وفي هذا الكشف تحريض الجميع على التحرر من قبضة الأبوية وؤشراك الرجل في فك هذه القبضة الخانقة.

نوال السعداوي، التي طالما عارضت تسلط الحكام والذي في كنهه هو تسلط أبوي يعصف بـ”الكل” المشتهاة، للأسف هي نفسها وقفت إلى جانب سلطة العسكر في بلدها. لكن هذا لا يعني اختزالها في هذا السقوط المخذل. ستتسيد دائماً صورة نوال السعداوي المرأة العصية على القولبة الاجتماعية. والمرأة التي ترفض هذه القولبة هي التي تتمتع أكثر بتجربتها في الحياة كامرأة. المرأة التي تخوض معارك ضد القواعد المجتمعية لتفرض قواعدها، تخسر معارك وتربح أُخرى. تُراكم الخسارات وتُراكم النجاحات. قد تقول يوما ما “كلي لي، لا سيد على كلي سوى أنا”. حياتها مثيرة وغنية. بينما تكون تجربة المرأة التي لا تدخل الحرب ضد المقبول اجتماعياً وضد المتعارف عليه مملة ومرهقة للغاية. تفويت هذه الحرب قد يُفوت عليها متعة استردادها لجسدها وعقلها وكيانها، لكلها. حالة الاستسلام الدائمة للمسموح لها والممنوع عليها تستنزفها بشدة. هي لا تعيش متعة التحدي ومتعة الانتصار، وهذا ما لم تفوته نوال السعداوي حتى اللحظة الأخيرة قبل رحيلها عن عالمنا.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

نوال السعداوي & النظام الأبوي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015