أفلام تعرض واقع المرأة العربية في مهرجان تورونتو

القدس العربي- أحد ميزات مهرجان تورونتو العالمي للأفلام الحضور القوي للأفلام العربية. وفي هذه الدورة ما يعادل عشرة أفلام لمخرجين عرب أو ذات مواضيع شرق أوسطية. كل هذه الأفلام طرحت واقعا محبطا للإنسان العربي المعاصر، الذي لم يعد أمامه إلا خيارين وهما: البقاء في وطنه الفاشل واللجوء إلى التطرف الديني لفك محنته وينتهي أمره أما في سجون سلطات بلده ويلقى حتفه تحت وطأة التعذيب أو في صفوف الإرهابيين، حيث يُقتل ولا يدري أحد به. والخيار الثاني هو المخاطرة بحياته في رحلة عبر البحر إلى بلاد الغرب، حيث يتسول لقمة العيش أو يصبح خادما هناك بلا هوية ولا آمال.
أما المرأة العربية فوضعها أمرّ بكثير من وضع الرجل العربي. فبينما يهجر الرجل دياره هربا من الأزمات الاقتصادية والسياسية، تتجه المرأة إلى الغرب للتخلص من ضغط وقيود عادات وتقاليد مجتمعها، الذي ما زال يعتبرها حرمة وملكا للرجل ويحرمها من الحرية التي ينعم بها الرجل، كما نشاهد في أفلام المخرجات العربيات التي حضرت المهرجان من مختلف الأقطار العربية .
خلافا لأفلام المخرجين العرب الرجال، التي تركز على الأزمات السياسية والاقتصادية والاحتلال والحروب، فالمخرجات العربيات سبرن قضايا النساء والتحديات التي يواجهنها في المجتمع العربي وخارجه.
فقبل ظهور المخرجات النساء على ساحة السينما في العقد الماضي، كانت المرأة العربية مهمشة في الأفلام وكانت شخصيتها سطحية ومرسومة من منظور الرجل العربي، الذي قلما يعتبرها كيانا مستقلا تملك طموحات مهنية وأحلاما مستقبلية وشهوات جسدية ورغبة للحرية.
لهذا أفلام المخرجات العربيات تكون أحيانا صادمة للمشاهد العربي لأنها تحطم المحرمات بسبب كشفها عن حقائق تعتبر عيبا في المجمتع العربي، الذي يفضل أن يبقي أمور النساء مخفية وراء ستار الممنوعات. وكثيرا ما تتعرض المخرجات والممثلات العربيات للمضايقات والاتهامات اللاذعة بسبب تحديهن للتيار التقليدي: «يعتبرون ما نقوم به دعارة، ولكن علينا أن نصمد ونستمر في توعية مجتمعنا»، تقول لي النجمة الفلسطينية، هيام عباس.
في فيلم المخرجة التونسية رجاء عماري «جسم غريب»، نتعرف على فتاة تونسية، سامية (سارة هناشي)، يقذفها البحر، الذي ابتلع كل من كان في قارب اللاجئين، على شواطئ فرنسا. في البداية تجد مأوى عند زميل عائلة (سليم كاشيش)، أيضا لاجئ غير قانوني، وثم تجد وظيفة كخادمة عند أمرأة عربية، ليلى (هيام عباس)، أرملة ثري فرنسي. علاقة سامية وليلى تتطور وتتحول إلى صداقة حميمة، ومن خلالها نكتشف أن سامية كانت هربت من عنف أخيها الجهادي، الذي ترك ضربه المبرح ندوبا على جسدها. ورغم ثراء ليلى وحريتها في الغرب إلا أنها ما زالت تحن لوطنها وتتذمر أن مهنتها في فرنسا كانت «زوجة» وكأن الوضع لم يتغير كثيرا عن واقع بلدها.
المهجر لم يحم سامية، التي تعيش في خوف دائم. الخوف من سلطات الهجرة الفرنسية ومن ماضيها، الذي يتمثل بزملاء أخيها الجهاديين، الذين يلاحقونها ويحاولون أن يملون عليها القوانين التي هربت منها. والنتيجة هي أنها تتمرد عليهم وعلى قوانينهم فكريا وجنسيا.
وضع مشابه للمرأة الفلسطينية داخل اسرائيل تطرحه ميسلون عبود في فيلمها «بار بحر»، الذي يقدم ثلاث فتيات يعشن في شقة في تل أبيب، حيث ينعمن بحرية تامة مثل الشباب بعيدا عن عيون مجتمعهن الفلسطيني المحافظ، الذي يفرض عليهن عادات وتقاليد لا تتوافق مع مستوياتهن المهنية. فبغض النظر عن تحصيل المرأة العلمي ومستواها المهني إلا أنها تبقى مقيدة بقوانين صارمة تحرمها من الحريات، التي ينعم بها الرجل. وحسب الفيلم ليس هناك فرق بين الرجل التقدمي والرجل المتدين، فكلاهما يتصرف مع نسائه وكأنهن ملك لهم وعليهن أن يخضعن لأوامرهم. المتدين يغتصب خطيبته ليثبت سيادته عليها ثم يهددها بأن لا تكشف فعلته، مذكرا إياها أن لا أحد سوف يصدقها لأن سمعته مثل الذهب. أما التقدمي فينال مناله الجنسي من حبيبته بفضل ظرافته، ولكنه بعد ذلك يحاول أن يفرض قوانين المجتمع، الذي يفرضها بنفسه، عليها، مصرا على «أنه لا يمكن تغيير الوضع في يوم وليلة.»
وبينما تواجه شخصيات «جسم غريب» تحديات الغربة في فرنسا، بطلات «بار بحر» تواجه تحديا آخر في تل أبيب وهو العنصرية الإسرائيلية تجاههن. فيبدو أن المرأة العربية تقع بين المطرقة والسندان، وهذا ما تطرحه المخرجة السورية عبيدة زيتون في فيلمها الوثائقي «برنامج الحرب»، الذي يسجل أحداِث الثورة السورية منذ المظاهرات السلمية حتى الحرب الأهلية الدموية.
«برنامج الحرب» لا يختلف كثيرا عن فيلم طلال ديركي «العودة إلى حمص،» إذ أن معظم الشخصيات التي تقدم في بدايته تلقى حتفها إما تحت وطأة التعذيب في سجون النظام أو على جبهة القتال. ولكن ما يميزه هو أنه يُقدم من منظور أمرأة عربية. فالإسلاميون الذين يسيطرون على بعض المدن السورية يمنعونها من ممارسة عملها كمخرجة ويعتقلونها لأن قوانينهم لا تسمح للمرأة الخروج من بيتها أو تأدية مهنتها. فتصيح أمام سجّانيها «أنا أكثر اسلاما منكم. من أنتم لتفرضوا علي هذه القوانين؟» وفي النهاية تُطرد من تلك المدن.
للأسف، ما تقدمه زيتون في فيلمها يتردد في معظم الدول العربية التي انقلبت على طغاتها. إسقاط أنظمه الحكام العرب تحقق ربما حرية سياسية للرجال ولكنها تخنق حريات النساء، التي كانت تخرج من بيتها آمنة وحرة في زمن الأنظمة الديكتاتورية. أما الآن فهي تخاطر بحياتها إذا تركت بيتها لوحدها وغير محتشمة في البلدان التي تخلصت من حكامها كالعراق وسوريا واليمن وغيرها.
الوضع ليس أفضل للمرأة الفلسطينية في غزة. فبينما نشاهد الشباب يمارسون ركوب الأمواج في «نادي ركوب الأمواج الغزاوي»، تحرم النساء من دخول البحر بعد أن تبلغ جيل السادسة عشر. فتاة محظوظة هاوية السباحة وركوب الأمواج يأخذها والدها في قاربه داخل البحر لتقفز في الماء وتعوم بعيدا عن عيون الناس. وعندما تعود إلى الشاطىء، تلتف حولها الفتيات الصغار المعجبات بها وبجرأتها وكأنها كانت بطلة ذات قوى خارقة. هؤلاء الفتيات الصغار يعرفن أن ما هو مباح للشباب يكون محرما عليهن.
وضع النساء يختلف شيئا ما من دولة عربية لاخرى، ولكن في السعودية تواجه النساء أصعب التحديات، كما يكشف فيلم المخرج السعودي محمود الصباغ «بركة يقابل بركة» حيث يتحايل عشيقان على التقاليد والعادات مستعينان بوسائل الاتصال الحديثة للتواعد، وذلك لأن المرأة ممنوعة من التواصل مع رجل ليس محرمها ولا يمكنها الخروج من بيتها لوحدها: «مصدر حرمان المرأة من حقوقها ليس من الدين وإنما من تقاليد وعادات المجتمع»، يقول مخرج فيلم «نادي ركوب الأمواج الغزاوي»، ميكي يامين. حقا، فالفتاة المسيحية في فيلم «بار بحار» تواجه تحديات في مجتمعها لا تختلف عن التحديات التي تواجهها زميلاتها المسلمات. فالهم الوحيد في ذهن والديها هو تزويجها لاحد أقاربها وليس تطوير مهنة لها.
وفي معظم أفلام المخرجات العربيات، خصم شخصيات النساء يكون الرجل. ولكن في الواقع، الرجل هو أيضا ضحية هذا المجتمع، الذي يفرض قوانينه على الرجال والنساء. وهذا ما يؤكده الصباغ، قائلا إن النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن بشكل أوسع هن شريحة ضيقة تقل عن 10٪ من إناث السعودية.
«الغالبية العظمى من النساء في السعودية يردن التشديد أكثر على بناتهن وأبنائهن. ويعتبرن حرية المرأة نوعا من الفجور»، يقول الصباغ.
فعلا فبينما تترك بعض الفتيات وطنهن بحثا عن الحرية في أوروبا، ترفض مراهقات عربيات ترعرن في اأوروبا الحضارة الأوروبية ويتجهن إلى سوريا للانضمام لمجموعات متطرفة مثل «داعش»، بحثا عن هويتهن الإسلامية، كما يكشف فيلم المخرجة الهولندية ميجكي دي جونغ «ليلى م» من خلال سرد قصة فتاة هولندية من أصل مغربي تشعر بالغربة والتهميش في هولندا وتشتكي أن أهلها لا يقرؤن القرآن وتخرج في مظاهرات ضد منع لبس الحجاب قبل أن تقرر الهروب من بيت أهلها مع شاب جهادي إلى سوريا للالتحاق بـ»داعش».
الرجال في المجتمع العربي يواجهون مشاكل لا تقل مأساوية من مصائب النساء. وهذا ما يقدمه المخرج الأردني محمود المسعد «إنشالله استفدت»، الذي يسلط الضوء على فساد المؤسسات الحكومية ونظام العدل الأردني وعدم احترام الفرد من خلال طرح قصة مقاول يحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بسبب إخفافه في دفع دين عليه. ومن المفارقات أنه يجد الحرية في السجن، الذي يفضله عن الحياة في العالم الخارجي. فهل الواقع العربي هو أمرّ من السجون؟

مهرجان تورنتو للأفلام

مهرجان تورنتو للأفلام

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015