أفلام مغربية قصيرة… وحدة النساء في الحياة المعاصرة

السفير- تمّ افتتاح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة مساء 16ـ 9 ـ 2016 بمدينة سلا، مدينة القراصنة حسب الرواية الاسبانية والبرتغالية ومدينة الجهاد البحري حسب الرواية المغربية. تعود التسمية لمرحلة النزاع للسيطرة على البحر المتوسط في القرن الرابع عشر وما بعده. في الافتتاح، كرّم المهرجانُ الناقدَ السينمائي الراحل مصطفى المسناوي والممثلتين المغربية بشرى أهريش والمصرية إلهام شاهين.
بعد ذلك عرضت خمسة أفلام قصيرة هي: «هوس» لحنان وردة و «همسات الزهرة» لغزلان أسيف و «آية والبحر» لمريم التوزاني و «وفاء» لإلهام العلمي و «آثار» لمجيدة بنكيران، وهذه نماذج متخيل سينمائي مغربي واعد.
هوس
يحكي فيلم «هوس» عن موظفة عصرية لها سيارة ووقت عمل تتوهم أن رجلا يطاردها في كل مكان. حين تعود للبيت يطالعها وجه أمها المتغضن. توجد مسافة ضوئية بين الأم والبنت التي تنعزل. تتزين في غرفتها قبل النوم، تبكي من الوحدة والرغبة… تعتبر والدتها أنها مصابة بالصرع… بعد الأرق تحلم بمطاردها يضاجعها وتستحم ويأتي عمها لقراءة القرآن قرب رأسها لتخليصها من الهوس… أو يأتي فقيه (أداء محمد الشوبي) لطرد جن الرغبة من جسدها… فقيه هو ذكر نموذجي ممتلئ الجسم يرتدي جلبابا أبيض. يسمح للفقيه بالبقاء مع الموظفة رغم أنه ليس من محارمها. فالفقيه مصدر ثقة.
لوضع القارئ في سياق الهوس الذي يلتقطه الفيلم ويكثفه ففي المغرب ثمانية ملايين عانس… ويتضح أن للمخرجة وعيا شقيا بوضع الغارقات في بئر الحرمان، لذلك أرسلت بطلتها إلى طبيب نفسي، وحين تخبره أنها تحلم بالشخص الذي يطاردها يضاجعها يبتسم علامة عجزه عن تقديم الحل. في الواقع يوجد بديل لعلم النفس: مؤخرا تكشفت فضائح جنسية لنساء يذهبن بحثا عن الرقية الشرعية التي تنتهي بمضاجعة حسب الرواية الطيبة وباغتصاب حسب الرواية الشريرة. يجري ذلك في فيلات معزولة جنوب الرباط.
فيلم «هوس» محكي بإيجاز يقتطع لحظة من حياة البطلة ويكثفها في إحدى عشرة دقيقة عن نمط حياة متبرجز يزرع في الفرد وهم الاكتفاء بذاته كدودة، يؤكد في مونولوجاته أنه لا يحتاج أحدا. مع الزمن يتحول فائض النرجسية هذا إلى حاجز يمنع التفاهم مع الآخر… إلا في لحظات الانهيار التي تعالج بالبكاء أو الويسكي…
كان أداء الممثلة راوية فاطمة هرندي لدور الأم لافتا، لها وجه يخاطب المتفرج بقوة في كل نظرة، يعبر عن استنكار وهم البنت أن أمها هي سبب شقائها… الحقيقة أن النساء الأكبر سنا يوفرن حاضنة عاطفية للشابات الوحيدات اللواتي شارفن سن اليأس بلا طفل.
اختراع السينما
ومن النساء من تُشَغِّل طفلة في بيتها كما في فيلم «آية والبحر» سيناريو وإخراج مريم التوزاني. مخرجة تبحث عن أن تتعلم أكثر مما تبحث عن أن تخترع السينما في فيلمها الأول. وقد جاء فيلمها أشبه بتقرير عن واقعة كما تكتب الشرطة عن حادثة سير.
طفلة تشتغل في بيت إمرأة لا تدخل بيتها إلا لتنام وتلبس وتغادر… وأحيانا ترغم خادمتها على تدليكها لأن «الماساج لذيذ»… بعد ذلك تغادر وتترك الخادمة الصغيرة تختنق من فرط الملل وتستأنس بصرصار أو بحوار من الشرفة مع جارة (أداء راوية هرندي أيضا). وفي لحظة غضب وثورة تهرب الطفلة إلى البحر حيث الأفق المفتوح على اللانهائي. حاليا تتحمل الشواطئ المغربية أطنانا من نظرات المرهقين بالوحدة.
من جهته، يمدد فيلم «همسات الزهرة» التفكير في وحدة النساء. الفيلم عبارة عن مونولوج نساء من أعمار مختلفة على حافة اليأس في استوديو تصوير يعترفن بمدى حاجتهن للحنان، مونولوج مهدد بالدموع في كل لحظة لنساء يستعرضن تحول علاقتهن بالرجال… يصغي المصور (أداء الممثل الموهوب إدريس الروخ) للحكايات ويفهم تجربته الشخصية… فمع الزمن نفر اللحم من اللحم وصار الرجال منشغلون بالأولاد والعمل وصارت النساء يعملن في صمت ووحدة. من فرط الوحدة يكلمن أنفسهن أو يكلمن الأواني في المطابخ… الأواني صماء، وهي بديل لزوج يقضي أطول وقت خارج البيت، قد يدخل البيت لينام ويخرج قبل الإفطار… وهناك طبعا قلة الرجال، فهم يموتون مبكرا من القهر والعمل… وتبقى النساء وحيدات كما في فيلم «وفاء» حيث نتابع حكاية رجل (محمد خويي) وجريدة بينما المرأة الأرملة (نادية نيازي) وحيدة في شرفة فيلا قبالة البحر… تنتظر لحظة اهتمام، حين تيأس تقترب من الرجل لتحدثه عن الجريدة، تقترب منه كأنها تشمه… هكذا كسرت وحدتها بنفسها، مع الزمن ستمتلك النساء الشجاعة لقيام بمثل هذا السلوك.
حين تشاهد النساء مثل هذه الأفلام ستتكون لديهن آليات للتعامل مع الوضع. وهكذا يصمد زمنيا العمل الفني الذي يمكن الناس من قراءة واقعهم وفهم تجاربهم وتفسيرها في ضوء ثقافتهم.

نادية نيازي تحاول التقرب من محمد خيي في فيلم "وفاء"

نادية نيازي تحاول التقرب من محمد خيي في فيلم “وفاء”

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015